قررت شريحة واسعة من التونسيين مقاطعة الانتخابات التشريعية القادمة، بعدما تسلل إليهم الياس من ثورة لم تقدم لهم العيش الكريم الذي سعوا إليه.

تونس: قرر كمال الطرخاني، الذي أصيب برصاصة في ساقه خلال الثورة التي أطاحت مطلع 2011 بنظام الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، مقاطعة الانتخابات التشريعية المقررة الاحد القادم، بسبب اشمئزازه من الطبقة السياسية في تونس.

وقال الطرخاني (44 عامًا) لوكالة الصحافة الفرنسية: "عندما يصبح عندنا سياسيون شرفاء يهتمون بمشاكل الشعب، سوف أذهب للتصويت، ولا أحد يعجبني، ليست لي ثقة في هؤلاء السياسيين الذين لا يخدمون إلا مصالحهم، ولن أصوت لهم أبدًا".

شارك وأصيب

وتجرى في تونس انتخابات تشريعية يوم 26 تشرين الأول (أكتوبر)، ورئاسية يوم 23 نوفمبر (تشرين الثاني). وتنبثق عن هذه الانتخابات أول مؤسسات حكم دائمة منذ الاطاحة بنظام بن علي في 14 كانون الثاني (يناير) 2011. ويعمل الطرخاني، الذي شارك في التظاهرات التي سبقت الاطاحة بن علي، سائقًا بشركة خاصة، وهو أب لثلاثة أبناء.

ويوم 13 كانون الثاني (يناير) 2011، أصيب الطرخاني في ساقه برصاصة اطلقتها الشرطة، خلال تفريقها متظاهرين في العاصمة تونس. ويعاني الرجل الذي يعرج في مشيته من مرض السكري ومن ارتفاع ضغط الدم اللذين أصيب بهما جراء حالة الهلع التي انتابته، عند مداهمة الشرطة المستشفى الذي نقل اليه بعد اصابته بالرصاصة في ساقه.

لسنا المسؤولين

ولفت الطرخاني إلى أن اكثر ما يؤلمه اليوم هو تحميل تونسيين عديدين شباب الثورة المسؤولية عما آلت اليه الأوضاع في البلاد من تدهور بعد سقوط نظام بن علي. وقال في هذا السياق: "لا أفهم لماذا يحملنا الناس المسؤولية عن تدهور أوضاع البلاد، في حين أن المسؤول الحقيقي عن ذلك هم السياسيون غير الأكفاء".

أضاف: "يقول لي الكثير من الناس أن أحوالهم كانت افضل قبل الثورة، وأن الحياة لم تكن بمثل هذه الصعوبة، وأننا نحن من دمر البلاد، هذا أثر في نفسي كثيرًا، فأصبحت عدوانيًا جدًا مع عائلتي، حتى انني تلقيت علاجًا في مستشفى للامراض النفسية".

وخطاب الطرخاني غير معزول في تونس، التي يقول كثير من مواطنيها انهم مشمئزون من الطبقة السياسية، ولن يشاركوا في الانتخابات المنتظرة رغم انها حاسمة لمستقبل البلاد ولاستقرارها.

محتالون مثل بن علي

وبعد مضي قرابة اربع سنوات على الإطاحة بنظام بن علي، لا تزال البطالة التي كانت من أبرز أسباب الثورة، عند مستويات مرتفعة. وبحسب إحصائيات رسمية، أكثر من 30 بالمئة من إجمالي العاطلين في تونس هم من خريجي الجامعات.

ودخلت تونس بعد الإطاحة بنظام بن علي في اضطرابات اجتماعية وأمنية وازمات سياسية، وشهدت صعود جماعات اسلامية متطرفة، واغتيال اثنين من قادة المعارضة في 2013، ما زاد في إضعاف اقتصاد البلاد العليل.

ويقرّ بشير البجاوي (29 عامًا) بأنه فقد التفاؤل الذي كان يحدوه يوم 23 تشرين الاول (أكتوبر) 2011، تاريخ إجراء انتخابات المجلس الوطني التأسيسي، أول انتخابات حرة في تونس. ومنذ طفولته، يعمل بشير بائعًا متجولًا للسجائر لمساعدة والده المعاق.

قال البجاوي: "لقد كنت سعيدا بالوقوف في الطابور 3 ساعات للتصويت، لكن هؤلاء السياسيين لا يستحقون حتى دقيقة واحدة من وقتي. إنهم غير أكفاء. لقد فقّروا الشعب، هم كبن علي محتالون حتى لو كان مظهرهم محترمًا".

وبعد الثورة حلم البجاوي بالحصول على عمل وراتب مناسب إلا أن حلمه لم يتحقق. وقال بمرارة: "لقد شرحت ألف مرة لوالي تونس الوضعية الصعبة التي تعيشها عائلتي، وتقدمت بمطالب شغل عدة لكني بقيت أبيع السجائر منذ 3 سنوات".

يخدمون مصالحهم

يواجه السياسيون في تونس اتهامات بأنهم معزولون عن الواقع والمجتمع، وبأنهم لا يخدمون إلا مصالحهم. ويحاول بعض السياسيين تشجيع المواطنين الذين خاب أملهم في النخب السياسية، على الذهاب إلى صناديق الاقتراع.

وقال سمير الطيب، الذي يرأس قائمة انتخابية بالعاصمة تونس لائتلاف "الاتحاد من أجل تونس" اليساري: "أتفهّم استياء الناس، لكن حق التصويت تم انتزاعه بعد كثير من التضحيات". أضاف: "يجب أن يذهب الناس إلى صناديق الاقتراع، لأنهم بهذه الطريقة سيساهمون في تجديد صورة المشهد السياسي".
&