دعت دبلوماسية أميركية كبيرة إلى وجود قيادة شجاعة وحازمة من جانب القادة الإقليميين والمجتمع الدولي على حد سواء لمواجهة اضطرابات الشرق الأوسط الهائلة.


نصر المجالي: قالت السفيرة الأميركية في الأمم المتحدة سامانثا باور، في عرض لموقف بلادها أمام مجلس الأمن، إننا نرى في جميع أنحاء المنطقة ضرورة لاتخاذ خيارات صعبة. وأكدت باور: معًا، يمكننا، بل ينبغي علينا دعم أولئك الذين يتخذون خطوات جريئة لتقوية الشرق الأوسط في هذه الأوقات المقلقة للغاية؛ إذ إن قضية السلام في المنطقة وكرامة شعوبها تتوقّفان على ذلك.

وحثت باور المجتمع الدولي أن يستجمع العزم الجماعي لوقف الفظائع الوحشية لنظام الأسد، وكذلك الأهوال التي يرتكبها داعش، وإيجاد حل سياسي للنزاع. وقالت انه في لبنان والعراق، ينبغي على القادة السياسيين تدعيم المؤسسات اللازمة لاحترام تطلعات شعبيهما وصدّ التهديدات المتطرفة العنيفة. وعلى القادة الإسرائيليين والفلسطينيين الاعتراف بأنه ليس هناك بديل عن سلام يتم التفاوض حوله واستثمار الإرادة السياسية لبنائه.

فشل القيادة

وقالت السفيرة الأميركية لقد رأينا كيف أن فشل القيادة يمكن أن يساعد في تعزيز الظروف التي تزدهر فيها الجماعات المتطرفة، فبسبب الفشل في اتخاذ الخيارات الصعبة اللازمة لمعالجة مظالم السنّة، ساعد زعماء العراق السابقون في خلق ظروف استغلها تنظيم داعش،& وكانت العواقب مروعة.

وأضافت سأذكر مثالاً واحدًا فقط: لقد أعلن تنظيم داعش في وقت سابق من هذا الشهر فرض قواعد صارمة على ما يمكن تدريسه في الجامعات في الموصل، إحدى المدن التي يسيطر عليها الآن، وعندما رفض أساتذة الجامعات العراقية هذه القيود وقاطعوها، أعلن داعش أن أي أستاذ لا يعود إلى عمله سوف يتم إعدامه.

واشارت باور إلى أنه منذ أكثر من ثلاث سنوات، فقد بشار الأسد شرعيته في القيادة عندما رد على الاحتجاجات السلمية بالعنف الوحشي. الفظائع التي ارتكبها نظامه - فظائع من نوع وحجم نادرًا ما شهدها العالم - لعبت دورًا أساسيًا في تحفيز ظهور داعش وغيرها من الجماعات الإرهابية الأخرى، وتستمر هجمات الأسد العشوائية على شعبه حتى هذا اليوم.

وفي الشهر الماضي، أصدرت منظمة حظر الأسلحة الكيميائية تقريرها الثاني الذي وجد "إثباتًا دامغًا بأنه تم استعمال مادة كيميائية سامة كسلاح، بصورة منهجية ومتكررة في ثلاث قرى تسيطر عليها المعارضة في شمال سوريا. استنتجت منظمة حظر الأسلحة الكيميائية بكل ثقة أنه تمّ استخدام مادة الكلورين. ووصف شهود عيان أن المروحيات التي نفّذت الهجمات هي طائرات لا يمتلكها سوى نظام الأسد.

أفعال الأسد

ونوهت الدبلوماسية الأميركية إلى أنه كانت عواقب أعمال الأسد مذهلة، فقد قتل أكثر من 200 ألف سوري وأصبح حوالي 11 مليون سوري بحاجة إلى مساعدات إنسانية. ونبهت إلى أنه حتى الآن، وعلى الرغم من الجهود الباسلة التي تقوم بها المنظمات الدولية الإنسانية ووكالات الأمم المتحدة وغيرها، فإن نظام الأسد يعرقل عن قصد تقديم المساعدات الملحة لملايين الناس الذين هم بأمس الحاجة إليها.

وقالت باور إن النظام السوري أعلن نفسه أنه الترياق لأهوال داعش، ولكن هجماته بالقنابل والبراميل المتفجرة، واستخدامه التجويع كأداة للحرب، هي في كل جزء منها غير مبالية بمصير الأبرياء وفي كل جزء منها بشعة للغاية. وأضافت أنه من بين المجموعات التي تعرضت لهجمات نظام الأسد التي لا ترحم كان الفلسطينيون في مخيم اليرموك الذي أغلقه النظام، منذ تموز (يوليو) 2013.

وقالت إن السكان المتبقين هناك، والبالغ عددهم 18 ألف نسمة، اعتمدوا على المياه الجوفية غير المعالجة وبئر واحدة لمياه الشرب لمدة شهر. وبالأمس فقط، أصدر متحدث باسم وكالة الأونروا بيانًا بدأ بالقول: "لم يُسمح لوكالة الأونروا بتوزيع المساعدات الإنسانية في مخيم اليرموك اليوم، 20 تشرين الأول (أكتوبر)".

وفي اليوم الذي سبقه، بدأ بيان وكالة الأونروا بالقول: "لم يُسمح لوكالة الأونروا بتوزيع المساعدات الإنسانية في مخيم اليرموك اليوم، 19 تشرين الأول (أكتوبر)".

وتشير وكالة الأونروا إلى أنه منذ تموز (يوليو) من هذا العام، حصل انخفاض كبير ثابت في كمية المواد الغذائية والمواد الأساسية الأخرى، مثل الأدوية التي كانت الوكالة قادرة على تقديمها للفلسطينيين في مخيم اليرموك. وأن يقوم في أي يوم - ناهيك عن أيام كثيرة – نظام الأسد بمنع تدفق المساعدات إلى الفلسطينيين الذين يعانون في اليرموك، أمر لا ينمّ سوى عن وحشية فظيعة.

ودعت السفيرة الأميركية المجتمع الدولي إلى أن يجاهر أكثر في إدانته لهذه الأساليب التي تعجز الكلمات عن وصفها، وعندما تتفاخر الحكومة السورية بقيادتها لصالح الشعب الفلسطيني، ينبغي علينا جميعًا أن نذكّرها بالناس الذين يعيشون في مخيم اليرموك.

عنف النظام وداعش

وأضافت باور، لقد فر ثلاثة ملايين سوري إلى الدول المجاورة هربًا من عنف النظام والمجموعات المتطرفة - أكثر من 80 بالمئة منهم من النساء والأطفال. كما أن التهديد الذي يطرحه داعش يلوح عبر أنحاء المنطقة، خصوصًا في العراق وسوريا.

ويشكل المقاتلون الأجانب والمواطنون السوريون الذين تم تجنيدهم وتدريبهم للقتال في داعش وغيرها من المجموعات الإرهابية الأخرى تهديدًا لبلدان بعيدة عن ساحة المعركة.

وأشارت إلى أن من بين الدول الأشد تضرّرًا هما العراق ولبنان. فعلى سبيل المثال، فرّ 180 ألف عراقي من مدينة هيت في محافظة الأنبار، عندما سقطت في أيدي داعش خلال الأسابيع الأخيرة. وهم من بين حوالي 1.8 مليون عراقي نزحوا في هذا العام فقط. واستقبل لبنان 1.2 مليون لاجئ سوري - أكثر من رُبع سكان البلاد – مما وضع ضغطًا هائلاً على موارده المرهقة أصلاً.

وقالت السفيرة باور، نحن نعرف ما يجب علينا القيام به: يجب علينا إيقاع الهزيمة بداعش وغيرها من الجماعات الإرهابية. وعلينا محاسبة جميع من هم في نظام الأسد المسؤولين عن الأعمال الوحشية التي ارتكبت على نطاق واسع، كما علينا التخفيف من معاناة الشعب السوري.

وقالت إننا نتفق تمامًا مع الأمين العام بأن الحل السياسي ضروري للغاية لمعالجة الأسباب الجذرية للتطرف في سوريا، ومعالجة التطلعات المشروعة ومظالم شعبها. الحل السياسي لا يكون بتكريس الوضع القائم. لن تقبل غالبية السوريين أن يحكموا من جانب نظام استخدم غاز السارين وغاز الكلورين لقمع شعبه.

حل سياسي

وأثنت السفيرة الأميركية على جهود المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سوريا، ستيفان دي ميستورا، الذي يعمل بصورة مستعجلة لحشد الدعم لإيجاد حل سياسي من خلال إشراك العديد من المعنيين. وقالت إن المبعوث الخاص اجتمع مع حكومة إيران ومع حكومة روسيا وهما بلدان سيكون تأثيرهما في غاية الأهمية لبلوغ هذا الحل الذي نسعى إليه منذ فترة طويلة.

ونظرًا للمعاناة الهائلة التي سببتها الأزمة السورية والتهديد الذي تطرحه على أمننا الجماعي، ينبغي أن يكون القادة في المنطقة جزءًا من هذه الجهود لصياغة حل سياسي. ولكن يتعين على القادة الإقليميين أيضًا أن يعالجوا المشاكل الأقرب إلى الوطن، والتي تؤثر على حقوق شعوبهم وتشكل مصدرًا للمعاناة والحرمان والتعصب الذي يغذي جماعات مثل داعش.

وقالت باور: ومع ذلك، لا يزال بعض الزعماء يختارون وضع المصالح القصيرة الأمد قبل اتخاذ القرارات الصعبة واللازمة لخدمة شعوبهم بصورة أفضل. ويتخذ آخرون خطوات تقسيمية عندما يكون بإمكانهم تأسيس الإجماع. يقف المجتمع على أهبة الاستعداد للمساعدة في معالجة التحديات التي تواجهها المنطقة، ولكننا بحاجة إلى شركاء لممارسة الإرادة السياسية والشجاعة للسعي إلى حلول حقيقية.

العراق ولبنان

وبالنسبة للعراق، شددت السفيرة الأميركية لدى الامم المتحدة انه يجب على القادة المنتخبين حديثًا الابتعاد عن الأسلوب الطائفي والمذهبي للقيادة الذي اتصفت به ولاية حكومة المالكي، وبناء مؤسسات تمثل الدولة بكاملها، بدلاً من تقديم مصلحة مجموعة واحدة على حساب الأخرى.

وأشارت إلى أنه بالنسبة للبنان، لا يزال منصب رئيس الجمهورية شاغرًا منذ ما يقرب من خمسة أشهر، فيما تواجه البلاد تحديات أمنية واقتصادية وإنسانية جسيمة. وعلى القادة السياسيين في لبنان سوية وعلى نحوٍ عاجل التحرك لاختيار الرئيس.

لقد رأينا أن قادة في هذه البلدان لديهم رغبة في اختيار الوحدة على الانقسام وتقديم تضحيات كبيرة لشعوبهم. في آب (أغسطس) حارب جنود الجيش اللبناني وقوات الأمن الداخلي بشجاعة دفاعًا عن بلدة عرسال ضد المتطرفين. لقد خدموا وقُتلوا في سبيل بلادهم - وليس من أجل أي طائفة دينية.

وفي العراق، يتخذ رئيس الوزراء العبادي خطوات لتشكيل حكومة جامعة، وإنشاء أول مجلس وزراء كامل في البلاد منذ العام 2010. كما أنه يتحرك باتجاه اللامركزية في السلطة ومنح سلطة أكبر للمحافظات.

السلام الفلسطيني الإسرائيلي

وتابعت السفيرة باور: ومن المطلوب أيضًا وجود قيادة حقيقية لدفع عملية السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين. لقد كانت موجة العنف الأخيرة مدمرة، سواء من حيث الخسائر البشرية الهائلة أو من حيث إمكانية تجنبها. إن منع حصول جولة أخرى من العنف يتطلب قادة مستعدين لاتخاذ خيارات صعبة والالتزام بالعمل الشاق للمفاوضات.

وقالت إننا نشيد بمصر لمساعدتها في التوسط للوصول إلى اتفاق وقف لإطلاق النار. وتمكن مؤتمر إعادة إعمار غزة من جمع مبلغ 5.4 بلايين دولار، وأعاد تأكيد التزام المجتمع الدولي بإعادة بناء حياة الفلسطينيين في غزة الذين عانوا كثيرًا خلال الأزمة الأخيرة. ومنذ ذلك الحين تقدم الولايات المتحدة مساعدات للشعب الفلسطيني للإغاثة وإعادة الإعمار بقيمة 212 مليون دولار، إضافة إلى 188 مليون دولار أعلنت عنها في أيلول (سبتمبر) الماضي.

وبطبيعة الحال، وكما قيل، لا تستطيع المعونات والمساعدات تحقيق السلام في الشرق الأوسط - فهناك حاجة للقيادة والتسوية. ومن أجل عدم الاضطرار لإعادة الإعمار من جديد في المستقبل، ينبغي أن يكون هناك تغيير حقيقي على الأرض. وحتى وقف إطلاق النار الدائم والطويل لا يشكل بديلاً عن الأمن الحقيقي لإسرائيل أو لإقامة دولة مستقلة للفلسطينيين.

ونبهت باور إلى أنّ الصعوبة تزداد لتحقيق ذلك عندما يستمر الطرفان باتخاذ إجراءات قد تكون شعبية سياسيًا في دوائرهم الانتخابية، ولكنها تأتي على حساب تقدّم قضية السلام.

وأكدت أن الولايات المتحدة مستمرة في حث جميع الأطراف على الامتناع عن مثل هذه الأعمال، بما في ذلك الخطوات الأحادية الجانب في الأمم المتحدة، والنشاط الاستيطاني الإسرائيلي، والاستفزازات في جبل الهيكل - الحرم الشريف، حيث نحث جميع الأطراف على احترام الوضع القائم لهذا الموقع المقدس.

وختمت السفيرة الأميركية عرضها قائلة: تبقى الولايات المتحدة ملتزمة التزامًا كاملاً بتحقيق اتفاقية الوضع النهائي عن طريق التفاوض والتي تسمح بإقامة دولتين تعيشان جنبًا إلى جنب في سلام وأمن. هذا هو السبيل الوحيد القابل للحياة للمضي قدمًا. وإذا كانت الأطراف مستعدة للسير في هذا الطريق - وكرست نفسها فعلاً للعمل الشاق للسلام - فنحن على استعداد لتقديم الدعم لها.