كيف يبدو مجتمع الانترنت في العام 2030؟ وما تأثير التقنية الرقمية على علاقاتنا الاجتماعية وتطور البيئة والاقتصاد العالمي في ضوء الميل نحو الرقمنة؟ معهد غوتليب دوتفايلر للأبحاث المستقبلية يجيب عن هذه الأسئلة.


ماجد الخطيب: في حين تفتخر الشركات العالمية ببلوغ سرعة الانترنت 300 ميغابيت في الثانية، تجري سويس كوم تجاربها الأولية حاليًا على خطوط انترنت تبلغ سرعتها 450 ميغابيت في الثانية.

وطبيعي أن من يتطور بمثل هذه السرعة يود أن يعرف كيف سيتطور المجتمع بعد 16 سنة بتأثير التقنيات التي حولت العالم إلى شبكة عنكبوتية ما انفكت تتوسع وتتشعب لتشمل مختلف نواحي الحياة.

تسللت الرقمنة إلى أجسادنا

وصولًا إلى هذا الهدف، تولى العلماء في معهد غوتليب دوتفايلر استشفاف مستقبل البشرية، في ظل التطور التقني والرقمي الهائل، الذي صار يتسلل إلى كل غرفة، بما فيها الحمام.

ويبدو أن الاستنتاج الأول واضح وبديهي، لأن من يتأخر عن اللحاق بهذه السرعة، وبهذه الأتمته، سيتأخر في المجتمع أيضًا. وسيكون الجاهلون بالتقنيات الرقمية أول المنتقلين إلى جيش البطالة المقبلة في العام 2030.

وبعد أن تسللت الرقمنة إلى حياتنا اليومية، وصار البعض يشعر بالضياع من دون هاتفه الذكي أو كومبيوتره، تتسلل الرقمنة إلى أجسادنا. فالعالم المقبل سيشهد عالم الالتحام الذكي بين الإنسان والأجهزة، وستعين الأجهزة المنمنة المكفوفين على النظر، والمشلولين على السير، وستظهر معها فروع طبية جديدة تعنى بأمراض الانسان- الروبوت.

ويتنبأ الباحثون في المستقبل بأن شبكة الانترنت والرقمنة ستفقد بالتدريج تأثيراتها الضارة بالبيئة، وستصبح في النهاية جزءًا من هذه البيئة. ويكون الإنسان على موعد للبحث في الديجيسفير Digisphere والعيش فيه والتفاعل معه.

أربعة سيناريوهات

لا يحتاج الإنسان إلى كرة بلورية ينظر فيها المستقبل، في ما يتعلق بالتقنية الرقمية في الاقتصاد والسياسة، لأن الأمور هنا واضحة، ويمكن للاعتماد المتزايد على الانترنت أن يؤدي إلى كوارث اقتصادية أو سياسية إذا ما حدث ما يتسبب بانقطاع الشبكة.

ومع ذلك، ارادت سويس كوم أن تعرف الاجابة على اربعة أسئلة مستقبلية: كيف سنحمي أنفسنا من التخريب الرقمي والحروب الرقمية والجريمة الرقمية؟ إلى أي مدى يمكن أن نترك للروبوتات القرار في شؤون الحياتية المختلفة؟ كيف نتصور نوعية عمل الشبكة ونوعية خدماتها؟ كيف نحافظ على أسرارنا ومعطياتنا مستقبلًا، ومن يكون المسؤول عن توفير هذه الحماية؟

قسّم خبراء معهد غوتليب دوتفايلر اجاباتهم في 4 سيناريوهات أساسية، تكشف كيف ستتحول الانترنت إلى ميدان نزاع بين مختلف الشركات التي تحاول فرض مصالحها على حساب الآخرين؟ كيف ستعمل الشبكة على شق المجتمع أكثر بين عالم فقير وآخر غني، وبين أقلية خبيرة واخرى مستخدِمة؟.

99% ديجيتال

يرى السيناريو الأول أن التقنية الرقمية ستدخل في 99% من شؤوننا الحياتية، في حين سينقسم العالم بين أقلية صغيرة فاحشة الثراء تمتلك المعرفة في هذا المجال وبين اغلبية واسعة تستخدم هذه التقنيات فقط، وتعيش على هامش الحياة البسيطة تبقيها بعيدًا عن التمردات.

ترفض الأغلبية المستخدِمة للشبكة التطور التقني السريع الذي يفوق قدراتها وتبتعد بالتدريج عن تيارات التقنية الرقمية الجارفة.

يضع المجتمع كامل المعطيات الشخصية والعامة تحت حماية وتصرف مؤسسة واحدة تشبه "الأخ الأكبر" في رواية 84 للكاتب جورج أورويل، تفرض عليه الرقابة وتعتني به أيضًا. سيكون المجتمع آمنًا وشفافًا تمامًا، ما لم يحاول الفرد الخروج عن النظام.

ستعاد صياغة الانترنت مجددًا، وتتحول إلى شبكة لامركزية مفتوحة ديمقراطية مرنة وخلاقة. ستزداد الانترنت فعالية، وتزدهر معها قدرات الإنسان، ويزداد التفاعل بين الإنسان والآلة، وتتولى الشبكة تنظيم نفسها تلقائيًا.

تقدم عمر الإنسان

فضلًا عن ذلك، ستتواصل ظاهرة تقدم عمر الإنسان مع تقدم هذه التقنيات وزيادة الوعي الصحي. وعلى هذا الأساس سيكون مجتمع الغد مجتمعًا يشكل المسنون نسبة عالية منهم، لكنهم مسنون رياضيون وقادرون على العمل.

ولن تقتصر الصلات اللاسلكية على البشر فقط لأن الاشياء، مثل الأجهزة والسيارات، ستتصل مع بعضها وتبعث المزيد من النظام والأمان في المجتمع. ثم سيكون لبعض البشر، الذين يحملون قلوبًا او كلى رقمية في أجسادهم، أن يكون لهم موضع ثابت للربط مع الأجهزة الخارجية.

وبسبب هذه التطورات سيزحف المزيد من السكان من الريف، ومن الضواحي، إلى المدينة. وسيقع على المجتمع حينها أن يبذل قصارى جهدة لوقف تدهور الأجواء في المدن وزيادة ظاهرة التلوث. وذكر معدو الدراسة أنهم يعتبرون نتائج أبحاثهم"أفكارًا" مطروحة للنقاش، وليست استقراءً لما سيجري في المستقبل.