&نقلت صوفيا عمارة مشاهداتها السورية في كتابها "متسللة إلى الجحيم السوري: من ربيع دمشق إلى الدولة الإسلامية"، مؤرخة لعسكرة الثورة وتحولها ميدانًا للصراعات المتطرفة، ومؤكدة أن لا خيار أمام السوريين إلا الموت.


&
باريس: تنقل صوفيا عماره، الصحافية الفرنسية من أصل مغربي، في كتابها "متسللة إلى الجحيم السوري: من ربيع دمشق إلى الدولة الإسلامية" مشاهداتها الميدانية في سوريا، التي دخلتها متسللة بعد أن ورد إسمها في تقارير جهاز المخابرات الجوية السورية، الذي رصد تحقيقاتها الوثائقية عن الثورة السورية عام 2011. من هنا أتى عنوان كتابها.
&
تعطي عمارة صورة ميدانية للحرب في سوريا، لتشرح للقارئ كيف تحولت الثورة السورية من ثورة نادت بالديمقراطية إلى ساحة حرب للتنظيمات المتطرفة. فتنقل للقارىء بدقة كيف أطلق النظام السوري في صيف عام 2011 مئات المتطرفين من السجون السورية، بينهم أبو محمد الجولاني قائد جبهة النصرة، لضرب مصداقية الثورة المدنية، وجرها إلى العنف المسلح لتبرير العنف الذي مورس بحق الشعب الأعزل. وتصل إلى خلاصة مفادها أن الشعب السوري مخير بين خيارين أحلاهما مر: الموت أو الموت.
&
في ما يأتي نص حوار "إيلاف" مع عمارة:&
&
تنقلين للقارئ كيف تحولت ثورة نادت بالديمقراطية إلى ساحة حرب للتنظيمات المتطرفة. كيف يمكن تلخيص هذه الانعطافة؟
&
كتابي "متسللة إلى الجحيم السوري: من ربيع دمشق إلى الدولة الإسلامية" يلخص السنوات الثلاث الأولى من عمر الثورة السورية، عندما خرج الناشطون والأطفال والنساء للمطالبة بالحرية والديمقراطية وإسقاط النظام الذي واجه هذه المطالب بالعنف والقمع وقتل المتظاهرين العزُل، إلى أن تمَ تسليحُ الجيش السوري الحر الذي حاول في البداية كسب بعض المناطق، لكنه لم يستطع، وأبرز مثال على ذلك هو حي باب عمرو في حمص الذي يُعتبر منعطفًا هامًا في مسار الثور السورية لأنه رسخ معادلة مفادها أنه لا يُمكن للمعارضة المسلحة مواجهة النظام السوري إلا بقوة السلاح. هنا بدأت عمليةُ تسليح الجيش السوري الحر بطريقة متواضعة، وذلك أدى بالثورة السورية للوصول إلى ما غدت عليه اليوم، فتواضع تسليح الجيش الحر قوى العناصر المتطرفة التي كانت تتلقى المال من دول خليجية. اطلق النظام السوري سراح مئات الناشطين الجهاديين في أواخر حزيران (يونيو) 2011، بينهم الجولاني قائد جبهة النصرة، لضرب مصداقية الثورة المدنية وجرها إلى العنف لتبرير العنف الذي مورس بحق الشعب الأعزل. فالمسؤول الأول عن ذلك هو النظام السوري، والمسؤول الثاني هو الغرب الذي بقي خجولًا في مساعدته للثوار المعتدلين الذين طالبوا بالحرية سلميًا.
&&
الموت أو الموت&
&
جلت في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام والمناطق التي استطاعت المعارضة السيطرة عليها، فهل تشرحين لنا الحال في هذه المناطق؟&
&
الخوف يسيطر على كل المعسكرات في سوريا، مثلًا من يتواجد في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام السوري يعتريه الخوف دائمًا، خصوصًا إذا كان صحافيًا دخل الأراضي السورية من دون الحصول على تأشيرة رسمية أو على تصريح لممارسة العمل الإعلامي، وأقول هنا إنه في حال تم الحصول على تصريح من وزارة الإعلام السورية لممارسة العمل الإعلامي لا يُمكن للصحافي العمل بحرية، فهناك دائمًا من يرافق الصحافي في كل خطوة يقوم بها. أما في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة، فإن الخوف سيد الموقف، لكن الفرق أن في المناطق المحررة هناك الأمان الذي يفتقر إليه الآخرون، الممتزج بالخوف من هجوم تشنه القوات النظامية أو قصف أو ضرب بالطيران والبراميل المتفجرة التي تُلقى على المدنيين من دون تمييز.

تقولين في الكتاب إن الشعب السوري مخير بين خيارين أحلاهما مر: الموت أو الموت. ما دفعك إلى هذه الخلاصة؟
&
ما هو مؤكدٌ أن الموت أو الموت ينتظر السوريين، بإستئناء المواطنين الذي لا يزالون موالين للنظام السوري. عدا هؤلاء، فإن كل الذين يحاربون النظام عسكريًا أو بالكلمة أو بالكاريكاتور، بوسائل الإعلام أو بالإنترنت، بفايسبوك أو بتويتر، فإن كلَ هؤلاء مهددون من قبل النظام السوري أو تنظيم الدولة الإسلامية، الذي لا يوفر حتى الذين كانوا من أوائل الذين نادوا بإسقاط النظام السوري وإقامة دولة ديمقراطية.
&
فهل صحيحٌ أن النظام السوري لا يزال متماسكًا؟&
&
لا أعتقد أن النظام السوري متماسك، نظرًا لما يُنقل من الأوساط المقربة من النظام السوري حول حالة التململ والزعزعة التي تخترق صفوفه، التي اهتزت اصلًا بقتل آصف شوكت وغيره من المسؤولين الأمنيين الكبار في تفجير استهدف مقر الأمن القومي بدمشق.هؤلاء كانوا يشكلون العامود الفقري للنظام الأمني السوري الذي استُبدل بعد ذلك بمشاركة حزب الله ضد المعارضة والثوار والثورة. النظام السوري قوي بقوة غيره، بقوة حزب الله وإيران وروسيا، وقوي بضعف خصومه. فالمعارضة السورية والناشطون على أرض الميدان، و ما تبقى من الجيش الحر، مشتتون لأنهم لم يتلقوا الدعم بشكل فعال.

وجهان لعملة واحدة
&
من يتحمل مسؤولية التفجير الذي أودى بآصف شوكت. الجيش السوري الحر أم النظام السوري نفسه؟&
&
عبر مشاهداتي الميدانية في سوريا، واللقاءات التي أجريتها مع أقطاب المعارضة السورية، لم أستطع الحصول على معلومات مؤكدة. البعض يتهم الجيش السوري الحر بالوقوف وراء التفجير. البعض الآخر يتهم جيش الإسلام. آخرون يؤكدون أن هذه عملية مدبرة من داخل النظام، بهدف تصفية عناصر كان النظام السوري يشك في رغبتها في الانشقاق أو التخلص من رأس الدولة، أي الرئيس السوري بشار الأسد، للاستمرار بطريقة سلسة أو أكثر عنفًا للقضاء الكلي والنهائي على الثورة السورية.
&
وما العبرة التي خرجت بها من الميدان السوري؟&
&
أدركت أن الديمقراطية جزء من الحرية، والحرية هي قيمة غالية جدًا، أغلى من الحياة، لا سيما بالنسبة إلى هؤلاء الذين لا يزالون يدفعون الثمن. أصبحت لديّ قناعة أن مهنة الصحافي مقدسة، لكنها صعبة. فأنا فقدت في هذه الثورة الكثير من زملائي الأجانب.