يتجه العراق نحو إعلان التقشف رسميًا وتقليص النفقات من أجل تخفيض العجز المالي في موازنة عام 2014، بسبب إنخفاض أسعار النفط وكمياته وسيطرة تنظيم داعش على عدد من المحافظات واستهدافه للبنى والمشاريع الاستراتيجية، واقتراب أعداد النازحين من المليوني شخص، وسط توقعات بتعطيل موازنة العام الحالي ودمجها بموازنة العام&المقبل.


لندن: خلال اجتماع للجنة الوزارية العراقية المكلفة بالسياسات المالية للبلاد برئاسة وزير المالية هوشيار زيباري، اليوم، وبمشاركة وزراء الداخلية والكهرباء والصحة والتخطيط والتعليم العالي والتجارة ومحافظ البنك المركزي ورئيس هيئة المستشارين والامانة العامة في مجلس الوزراء وخبراء وزارة المالية، فقد تم بحث الوضع المالي الحالي الصعب للعراق وموازنة عام 2014 المعطلة لحد الآن، رغم اقتراب العام من نهايته وسبل تخفيض العجز المالي وترشيد النفقات.

كما ناقش المسؤولون الماليون خلال الاجتماع عددًا من الافكار والمقترحات العملية لتجاوز الازمة المالية والاقتصادية نتيجة لتراجع الايرادات النفطية، كماً وسعراً، وعدم تحقيق اهداف الانتاج المخطط لها عند اعداد موازنة 2014 ونتيجة للظروف الامنية وسيطرة تنظيم "داعش" على عدد من المحافظات الشمالية والغربية واستهدافه لحياة المواطنين وللبنى والمشاريع الاستراتيجية.

واكد المجتمعون على ضرورة تقليص النفقات غير الاساسية في تخصيصات وزارات وهيئات الدولة قدر المستطاع لتفادي تفاقم الازمة المالية والسيولة النقدية التي تواجهها البلاد.. وبحثوا عددًا من الخيارات المتاحة امام الحكومة لتمويل العجز من عدد من المصادر المتوفرة للفترة الباقية من السنة المالية. كما درس الاجتماع الوزاري عدداً من الاجراءات لتعظيم الموارد المالية في المستقبل من خلال اقرار التشريعات اللازمة.

عجز كبير وتوقعات بدمج موازنة العام الحالي بالمقبل

واليوم، استبعد النائب عن كتلة المواطن فالح الساري اقرار الموازنة العامة للعام الحالي خلال الفترة المتبقية منه، وقال إن من الصعوبة أن تكون هناك موازنة للعام الحالي اذ لم يبقَ من نهاية العام الا 60 يومًا، وحتى لو وصلت الى المجلس فستستغرق قراءتها ومن ثم نشرها بجريدة الوقائع العراقية اكثر من 60 يومًا، لذلك من الصعوبة جدًا أن تكون هناك موازنة للعام الحالي.

واضاف الساري أن موازنة العام الحالي ستكون انفاقاً فعليًا لما تبقى من هذا العام بالاستناد الى الادارة المالية والدين العام. واوضح أن "من ضمن المقترحات التي قدمتها وزارة المالية إلى مجلس الوزراء أنها ترغب بعدم سن قانون الموازنة للفترة المتبقية من السنة".

وقال الساري إن "توصيات وزارة المالية التي قدمتها قبل أسبوع إلى الحكومة توصي بعدم سن قانون الموازنة العامة والمضي بصرفها للمستحقات الضرورية والأساسية، بما يخص ملف التسليح وتعويض النازحين، وكذلك تقديم سلفة بـ4 مليارات دولار لإقليم كردستان". واوضح أن "توصيات وزارة المالية التي قدمت الى مجلس الوزراء تقضي بنقل مشاريع الاعمار والاستثمار والبترودولار إلى موازنة العام 2015 ".

وكان مجلس الوزراء قد قرر في 21 من الشهر الحالي تشكيل لجنة برئاسة وزير المالية وعضوية كل من وزراء النفط والكهرباء والصحة والتجارة والتخطيط والدفاع والداخلية والتعليم العالي ومحافظ البنك المركزي وخبراء مختصين، تتولى إعادة ترتيب أولويات الموازنة الاتحادية للعام الحالي 2014 بما يؤدي الى تقليص العجز الكبير الذي تعاني منه الموازنة ورفع توصياتها الى الامانة العامة لمجلس الوزراء لغرض عرضها في اجتماع مجلس الوزراء ثم ارسالها الى مجلس النواب لمناقشتها واقرارها.

مبالغات الحكومة السابقة في إعداد الموازنة واستنزافها

ويقول مسؤولون عراقيون إن العجز الكبير الذي تواجهه الدولة بمليارات الدولارات ظل مفاجئًا لأن مسودة قانون الموازنة التي اعدتها حكومة نوري المالكي السابقة انطوت على مبالغات بشأن عوائد النفط المتوقعة وامتلأت بالتزامات مالية ثقيلة دفعت السلطة التنفيذية الى طلب مراجعة عقود تسليح والتزامات عسكرية في وقت ذكرت اللجنة المالية المختصة أن وزارة المالية تقترح "الغاء الموازنة" والاقتصار على النفقات الأساسية ومنح كردستان سلفة بأربعة مليارات دولار ونقل الالتزامات المتبقية الى العام المقبل.

وكانت اللجنة النيابية المختصة كشفت مطلع الشهر الحالي أن حكومة المالكي أنفقت كل المبالغ المتأتية من عوائد النفط للأشهر السبعة الاولى من العام الحالي رغم أنها لم تدفع مبالغ البترودولار للبصرة وباقي المحافظات المنتجة، كما لم تدفع موازنة كردستان، فضلاً عن نفقات أخرى متوقفة في المحافظات التي سقطت بيد داعش، ما يشير الى زيادة كبيرة في الإنفاق وعدم تحسب لحصص محافظات مهمة ظلت تنتظر إطلاق أموالها أو مرتبات موظفيها.

وكشف وزير العلوم والتكنولوجيا فارس ججو أن مجلس الوزراء كلف وزارة المالية بإعادة النظر بعقود التسليح والاتفاقيات العسكرية من أجل ترشيق الموازنة ومعالجة عجزها، موضحاً أن الموازنة التخمينية تتراوح ما بين 120 إلى 130 مليار دولار. واشار الى أن اللجنة الوزارية المكلفة بمراجعة مشروع قانون الموازنة العامة ستعمل قريبًا على تعديل بعض الأرقام التي تخص الموازنة.. مؤكدًا أن هناك بعض القضايا سيتم ترحيلها إلى موازنة عام 2015 لحين الانتهاء منها.

وبشأن الأرقام التي تعتزم وزارة المالية إجراء التعديلات عليها، أوضح الوزير أن بعض تفاصيل الموازنة تتضمن عقودًا لشراء الأسلحة واتفاقات خصصت لها أموال طائلة وكبيرة وضعت في الموازنة التخمينية من قبل الحكومة السابقة التي سيعاد النظر بها من قبل اللجنة الوزارية ووزارة المالية.

واوضح أن هذه الأرقام غير مقنعة لمجلس الوزراء وتتطلب اعادة النظر بها من أجل توفير الأموال لخزينة الدولة لتخفيف العبء على كاهل الموازنة العامة وتحويلها إلى اتجاهات أخرى. أما بخصوص العجز المتوقع في موازنة عام 2014، فقد اكد الوزير أن هناك عجزاً كبيراً ومخيفاً في هذه الموازنة العامة، وعلى هذا الأساس طالب مجلس الوزراء وزارة المالية بترشيق نفقاتها من خلال تعديل العقود والاتفاقيات.

&توقعات بتخفيض الموازنة بخمسين مليار دولار

ومن جانبه، توقع عضو في اللجنة المالية البرلمانية أمين بكر تقليص الموازنة العامة بواقع 59 تريليون دينار (حوالي 50 مليار دولار)، وقال إن "الوضع الأمني والنازحين وانخفاض أسعار النفط قللت إيرادات العراق المالية أكثر من التوقعات التي جاءت في الموازنة التخمينية". وطالب الحكومة بضرورة "تقليل نفقاتها من خلال اعتماد سياسة تقشفية والحد من الأمور غير الضرورية لاسيما في الموازنة التشغيلية".

&وكان رئيس الوزراء حيدر العبادي، كشف في العشرين من الشهر الحالي عن مناقشة مجلس الوزراء قضية الموازنة ثلاث مرات، وأنه سيعد موازنة يتقدم فيها الإنفاق العسكري كأمر واقع، مبيناً أن موازنة 2015 ستستند الى موازنة عام 2014 الحالي بسبب وجود المشاكل ذاتها المتمثلة بنفط كركوك وتوقفه بالكامل، فضلاً عن انخفاض الأسعار العالمية والتوقعات بشأن انخفاضها أكثر.
&
إنكماش الإقتصاد العراقي بنسبة 2.7 بالمائة

ولذلك فقد توقع صندوق النقد الدولي انكماش الاقتصاد العراقي بنسبة 2.7% هذا العام في أول انكماش منذ عام 2003 موضحًا أن موازنة الحكومة العراقية تتعرض لضغوط جراء ارتفاع الإنفاق على الأمن. وقال الصندوق في بيان إن الصراع الامني أدى إلى توقف نمو إنتاج النفط العراقي المتوقع أن ينخفض قليلاً إلى 2.9 مليون برميل يوميًا، بينما تظل الصادرات البالغة 2.4 مليون برميل يوميًا قريبة من مستوى العام الماضي.

ورجح تراجع الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي مقارنة مع نمو يزيد على 7% في 2013 في ظل القتال الذي يقوض الثقة ويعطل إمدادات الوقود والكهرباء ويزيد من تكاليف التجارة والتوزيع ويقلص الاستثمارات لكنه توقع تسارع النمو مجددًا إلى 1.5% في 2015 بدعم من ارتفاع إنتاج النفط.

وأوضح الصندوق أن تأثير الحرب على إنتاج النفط وصادراته في الأجل القريب يبدو محدودًا في الوقت الحالي، لكن تدهور الوضع الأمني سيضر بالقدرة الفنية والإدارية على زيادة إنتاج النفط وصادراته في الأجل المتوسط.. واشار الى أن موازنة الحكومة تتعرض لضغوط جراء ارتفاع الإنفاق على الأمن وجهود اغاثة النازحين.