ثماني سنوات مرت على الرسوم الكاريكاتورية المسيئة إلى الرسول محمد في صحف دنماركية عدة، والتي أعقبتها حملات واسعة لمقاطعة البضائع التي ينتجها هذا البلد الأوروبي، ورغم طول الفترة لا تزال نسبة كبيرة من السعوديين تقاطع، ما استدعى إجراء دراسة وصفت بالمثيرة.


حسن حاميدوي من الرياض: كشفت دراسة أوروبية حديثة أن 46 % من السعوديين لا يزالون يقاطعون منتجات الدنمارك، رغم مرور أكثر من 8 سنوات على حملات المقاطعة التي اندلعت إثر نشر صحف دنماركية رسومًا كاريكاتورية مسيئة إلى الرسول محمد.

تناولت الدراسة، التي أصدرتها المجلة الأوروبية "يوربيان جورنال ماركتنغ"، وحصلت "إيلاف" على نسخة منها، دور العداء الديني في المقاطعة الاقتصادية، مستعرضة وبشكل تفصيلي حالة تأثير مقاطعة المستهلكين على صورة العلامة التجارية للمنتجات الدنماركية في المملكة العربية السعودية.

وأوضحت الدراسة أن مفهوم العداء الديني للمنتجات والسلع مفهوم جديد نسبيًا، حيث كانت المقاطعات تنتج غالبًا من حالة العداء تجاه العلامة التجارية التابعة لبلد يقوم بأعمال سياسية أو عسكرية مضادة، مما يسفر عن مقاطعة قسرية، في حين كانت المقاطعة ذات الدوافع الدينية بشكل طوعي، ورغم ذلك كانت سلاحًا فعالًا وطويل الأمد، خاصة في المجتمعات المتدينة، وهو الأمر الذي استدعى إعداد دراسة لتقويم السياق الاجتماعي والثقافي لهذه الظاهرة وفهم دوافع المستهلكين المنخرطين فيها.

خلفية تاريخية
كخلفية تاريخية لجذور المشكلة، أوضحت الدراسة أن الظاهرة بدأت تحديدًا في 30 أيلول/سبتمبر 2005، وذلك عندما نشرت صحيفة (يولاندس بوستن) الدنماركية، 12 رسمًا& كاريكاتوريًا يصوّر النبي محمد بطريقة مهينة، مما تصاعدت على أثره احتجاجات منددة في جميع أنحاء العالم، زاد من حدتها رفض الصحيفة الاعتذار، وفي ظل غياب أي نفوذ على تلك الصحيفة أو على الحكومة الدنماركية التي دعمت حرية التعبير، تم انتهاج سياسة مقاطعة المنتجات الدنماركية كورقة ضغط اقتصادية، وهو ما أثر بشكل كبير على الشركات& العاملة في الدول العربية والإسلامية.

شركة (أرلا فوود) العملاقة، والتي كانت تعمل في 13 بلداً شرق أوسطياً منذ أربعة عقود، كانت الأكثر تضررًا، حيث خسرت أكثر من 60 % من حصتها السوقية، وكجزء من إستراتيجية إدارة أزمتها، سارعت في نشر اعتذار (صفحة كاملة) في 25 صحيفة، كما رعت عدداً من القضايا الإنسانية من أجل تقليل عداء المستهلكين، وانتهجت سياسة المنتجات (الهجين) القائمة على أساس تصنيع المنتجات في السعودية.

إلا أن هذه الإجراءات لم تساهم في تعافي الشركة من خسائرها، وهو ما جعل الدراسة تختار السعودية كحالة لتطبيق نموذج العداء الديني لدى المستهلكين.

سلاح ذو حدين
بلد المنشأ، غالبًا ما كان يستخدم كعنصر مهم في تقويم المستهلك للعلامة التجارية من حيث الجودة والتقدم التكنولوجي، والموثوقية، وهو ما كان سر قوة المنتجات الدنماركية التي رسمت صورة ذهنية ممتازة في السعودية على مدى 40 سنة، بحسب الدراسة، التي قالت إن ما كان سر القوة بات سر الضعف، حيث كانت المقاطعة على أساس بلد المنشأ، رغم أن المستهلكين كانوا يعترفون بجودة المنتج، لكنهم يرفضون الشراء بسبب مشاعر العداء تجاه دولة المنشأ، وهو ما يشير إلى أن الأفعال المسيئة المتعلقة بالدين قد تولًد مستويات عالية من العداء لن تتمكن معها جودة المنتج من كبح جماحها.

كما أوضحت الدراسة أن العداء الديني ولًد مراحل متطورة من المقاطعة، حيث تم ربط صورة العلامة التجارية مع الفعل الفظيع الذي ارتكبته دولة المنشأ، وهو ما يعرف في علم النفس الاجتماعي بـ"التنافر المعرفي"، وبالتالي ربط سلوك المقاطعة بسلوك دولة المنشأ، وهو ما قد يدمّر سمعة المنتج.

كما ظهر منحى آخر اعتمد على النزعة الوطنية من خلال التسويق والتعريف بالمنتجات المحلية وشرائها بهدف دعم الاقتصاد الوطني، وهو ما أثر في صورة المنتج على مدى طويل، لاسيما أنه في غياب بدائل محلية، من المرجح أن تكون المنتجات الدنماركية قابلة للشراء، لأن البديل الوحيد هو عدم الشراء على الإطلاق.

استنتاجات ونتائج
لقاءات موسعة أجرتها الدراسة مع شريحة متنوعة من السعوديين، كشفت عن مشاعر متشابهة ضد المنتجات الدنماركية، حيث قال أحد المشاركين: "أنا أكره رؤية أي منتج دنماركي في أسواقنا، نحن لا نحتاجه، فلدينا منتجاتنا، وينبغي مساعدة شركاتنا الوطنية". فيما عبّر مشارك آخر بالقول "المنتجات الدنماركية كانت خياري الأول، لكن بعد الهجوم على نبينا محمد، توقفت عن شرائها، نحن بحاجة إلى إعلام الآخرين بأننا لا نتسامح مع أي هجوم على ديننا".

وبحسب ما ذكرته الدراسة، فإن الاستطلاع الهاتفي العشوائي شمل 3000 شخص، 55% منهم رجال، ومتوسط أعمارهم 33 سنة، و44% منهم حاصل على شهادة جامعية، والباقون الثانوية وما دون.

وخلصت الدراسة إلى أن العداء الديني مؤثر قوي على سلوك المستهلك، ويدمر سمعة المنتج، فضلًا عن المقاطعين، الذين بإمكانهم تقديم& تبريرات متنوعة من شأنها أن تعزز سلوك المقاطعة وسط& أقرانهم، فبالرغم من أن الدراسة أجريت بعد سنوات من بدء حملة المقاطعة، إلا أن 46 % من السعوديين أكدوا أنهم ما زالوا مستمرين في المقاطعة حتى الآن، في مقابل 37 % اعترفوا بأنهم قاطعوا لبعض الوقت. أما 15% فقالوا إنهم لم يشاركوا أبدًا في المقاطعة.

اقترحت الدراسة على الشركات العاملة في الشرق الأوسط بأن تنأى بنفسها بسرعة وبفعالية أكبر عن قضايا المقاطعة، وأن تكون لديها خطة طوارئ، لتكون مستعدة من أجل اتخاذ القرار الصحيح.

كما يتعيّن على الشركات عدم تجاهل التفسيرات الدينية، والتأكيد على بناء حجة مضادة، تستند إلى تفسيرات دينية، إضافة إلى أن تضع الشركات تركيزها على تذكير العملاء بالتاريخ الإيجابي والمشرق لهذه العلامة التجارية، وهي وسيلة استخدمتها إحدى الشركات، التي أعادت عرض الإعلانات القديمة لعلامتها التجارية، لتذكير العملاء السعوديين&بالمساهمات الطويلة التي قدمتها إلى المجتمع عبر الأجيال، بحسب الدراسة.
&