بينما تستعد مصر للمثول أمام المجلس الدولي لحقوق الإنسان، لمراجعة سجلها في حقوق الإنسان، خلال السنوات&الأربع& الماضية، قال تقرير أصدرته 19 منظمة حقوقية مستقلة، إن مصر، تشهد تراجعاً حاداً في هذا الشأن، وفي الحريات بشكل عام.&


صبري عبد الحفيظ من القاهرة: بينما قال عبد الغفار شكر، نائب رئيس المجلس القومي لحقوق الإنسان، لـ"إيلاف" إن مرور مصر بثورتين خلال ثلاثة أعوام، ساهم في تراجع حقوق الانسان، اشار إلى أن التقرير الخاص بالمجلس الدولي لحقوق الانسان، تضمن مجموعة من التوصيات للحكومة المصرية، بتعديل أو سن تشريعات جديدة بما يتلاءم مع الدستور والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان.
عمد التقرير الذي جاء في 13 صفحة إلى تقييم مدى وفاء مصر بالتزاماتها التي أقرّتها في دورة الاستعراض الأولى في 2010، والتي بلغ عددها 119 توصية، بدءا من التزامها بحماية الحق في الحياة، مرورًا بالحق في المحاكمات العادلة، الحق في حرية الرأي والتعبير، الحق في حرية الاعتقاد، والحق في حرية التجمع السلمي، والحريات الطلابية والنقابية، وحرية الإعلام والنشر، وكذا الحق في المشاركة السياسية، بالإضافة لحقوق النساء وحقوق الطفل.
وقال التقرير إنه "على الرغم من مطالب المصريين المتكررة من أجل الحرية والعدالة الاجتماعية، والكرامة الإنسانية، وبالرغم من أن منظمات حقوق الإنسان قدمت للحكومة مرارًا وتكرارًا مقترحات لتحسين حالة حقوق الإنسان في مصر؛ إلا أن غياب الإرادة السياسية لتحسين حالة حقوق الإنسان يظل العائق الأساسي لتدهور حالة الحقوق والحريات".
وأضاف التقرير الذي رفعته المنظمات إلى المجلس الدولي ومن المقرر مناقشته يوم 5 تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل: "انتهكت كل الحكومات المتعاقبة منذ عام 2010 العديد من الحقوق مثل الحق في التجمع السلمي وحرية تكوين الجمعيات وحرية الرأي والتعبير، فضلاً عن الاعتداءات الجنسية على المتظاهرات، بينما لم تحرز تقدمًا يذكر في تحسين أوضاع الفقراء والخدمات الصحية والتعليمية والسكن".
وكشف التقرير أن "الحكومة المصرية وجهت إنذارًا بحل المنظمات الأهلية المسجلة تحت مظلة قوانين أخرى، ما لم تُعِد تسجيل نفسها تحت قانون الجمعيات الأهلية رقم 84 لعام 2002، قبل موعد غايته 10 نوفمبر، أي بعد 3 أيام من انتهاء الأمم المتحدة من المراجعة الدورية الشاملة لوضعية حقوق الإنسان في مصر"!
وحسب التقرير فإنه على مدى السنوات الأربع الأخيرة، ونتيجة سياسات القمع العنيف التي اتبعتها أجهزة الأمن، خاصةً في فض الاعتصامات والتظاهرات واستخدام الأسلحة المميتة بصورة غير مناسبة، تعرض الحق في الحياة لانتهاكات صارخة، ولقي آلاف الأشخاص مصرعهم. وفي هذا الصدد يشير التقرير أيضًا إلى انتهاك الحق في الحياة الذي يُمارس ضد العسكريين والمدنيين من قِبل الجماعات الإرهابية، التي لم تنجح الحكومات المتعاقبة في وضع حد لممارستها الإجرامية، التي بدأت في شبه جزيرة سيناء ثم امتدت لباقي أرجاء الجمهورية ووصلت الى العاصمة لتحصد مئات الأرواح.
&
انتقادات
وانتقد التقرير المحاكمات التي تتم للمعارضين السياسيين، وقال إن هناك "غياب آلية فعالة للمحاسبة على الانتهاكات الجسيمة التي تعرض لها المصريون خلال السنوات الماضية، الأمر الذي شكك في نزاهة أية آلية للانتصاف وإقامة عدالة حقيقية، ناهيك عن الزيادة البالغة في أعداد المدنيين الخاضعين للمحاكمات العسكرية بما في ذلك القُصّر. كما انتقد التعديلات القانونية التي تجرى مناقشتها لتسمح بإنزال عقوبة الإعدام أو عقوبة الأشغال الشاقة على الأطفال بين 15 و18عامًا.
واتهم التقرير الحكومات المصرية المتعاقبة طوال السنوات&الأربع& الماضية بالتقاعس عن تعديل تشريعات حرية التنظيم وتكوين الجمعيات، مشيرًا إلى أنه رغم قبول مصر التوصيات بشأن حرية تكوين الجمعيات في الاستعراض الدوري الشامل الأول لها؛ إلا أنها تقاعست عن تعديل القانون رقم 84/2002 بشأن الجمعيات، بل طرحت تشريعات بديلة، من شأنها وضع العراقيل والمعوقات الشديدة في وجه منظمات المجتمع المدني. وفي هذا الصدد تطرق التقرير إلى الهجوم الحاد على منظمات المجتمع المدني الذي وصل إلى حد اتهام المنظمات علانيةً على صفحات الجرائد بالخيانة والعمالة للخارج، واستدعاء نشطاء حقوقيين للتحقيقات، بالإضافة إلى اقتحام مقرات منظمات حقوقية مصرية ودولية (في فبراير وديسمبر 2011، وديسمبر 2013).
وعن حرية النشر والإعلام، انتقد التقرير "استمرار انتهاكات الحكومة لحرية النشر على صعيد الممارسة، إذ رصدت المنظمات الحقوقية إحالة العديد من الصحافيين والمدونين للمحاكم العسكرية، كما رصدت تزايد حالات الاعتداء على الصحافيين والمدونين، بالإضافة إلى تعمد الحكومة غلق بعض الصحف والقنوات والاعتداء على مقراتها".

العنف ضد المرأة
كما اتهم التقرير الحكومات المصرية المتعاقبة خلال السنوات&الأربع& الماضية، بانتهاك الحق في التجمع السلمي، "في مقابل إطلاق يد قوات الأمن في التعامل مع المتظاهرين، أو على مستوى الممارسات القمعية والعنيفة في التعامل مع التظاهرات، والتي أسفرت عن مقتل ما يقرب من 2000 مواطن في السنوات&الثلاث& الماضية، ناهيك عن تعرض النساء المشاركات في التظاهرات للعديد من التعديات وصلت إلى حد الاغتصاب الجماعي المتكرر، والذي عجزت قوات الأمن عن منعه أو عن تعويض الناجيات منه. بل على العكس توثق المنظمات النسوية محاولات للضغط على الناجيات لسحب الشكاوى، وتثبت بالوقائع تعاطف بعض رجال الشرطة مع الجناة وتحقير أو مضايقة الناجيات"، مشيراً إلى أنه "رغم قبول مصر في الدورة الأولى من الاستعراض الدوري الشامل لخمس وعشرين توصية في ما يتعلق بحقوق المرأة. إلا أن الدولة – رغم مرور أربعة أعوام– لم تتخذ أي إجراءات للوفاء بالتزاماتها إزاء تلك التوصيات، كما لم تتخذ أي إجراءات تجاه دعم المساواة، أو وقف العنف ضد المرأة".
&
الحكومة تدافع عن نفسها
وفي مقابل تقرير المنظمات المستقلة، أعد المجلس القومي لحقوق الإنسان الرسمي تقريراً حول حالة حقوق الإنسان خلال السنوات&الأربع& الماضية، وأعدت الحكومة أيضاً تقريراً للدفاع عن نفسها. وقال نائب رئيس المجلس القومي لحقوق الإنسان عبد الغفار شكر، لـ"إيلاف" إن التقرير تضمن رصداً وتقييما لحالة حقوق الإنسان في مصر خلال السنوات&الأربع سنوات ، مشيراً إلى أنه تضمن العديد من التوصيات بشأن التعجيل بمراجعة القوانين المصرية بما يتوافق مع الدستور الصادر في 2014، وبما يتوافق مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان.
وأوضح أنه من ضمن التشريعات التي أوصى التقرير بمراجعتها: تعديل قانون العقوبات بما يضمن إعادة توصيف جريمة التعذيب، بما يتوافق مع المواثيق الدولية، وتعديل قانون الإجراءات الجنائية بما يضمن حرمة الحرية الشخصية، وحرمة الحياة الخاصة وحق الدفاع، وحماية الشهود. ونبه إلى أن التقرير تضمن توصية بضرورة إصدار قانون إنشاء مفوضية مكافحة التمييز وتكافؤ الفرص، وإصدار قانون حرية الصحافة والإعلام وتداول المعلومات. إضافة إلى إصدار قوانين: العدالة الإنتقالية، الجمعيات الأهلية، الحريات النقابية، بناء وترميم الكنائس.
وفي ما يخص التشريعات الخاصة بالحقوق السياسية، قال شكر، إن التقرير أوصى بضرورة تعديل قانون مباشرة الحقوق السياسية، وضمان تمثيل المرأة في مجلس النواب، بما لا يقل عن الثلث، وتحقيق التمثيل الملائم للشباب والأقباط وذوي الإعاقة والمصريين في الخارج والعمال والفلاحين، بما يتوافق مع الدستور المصري.
&
وأوضح أيضاً أن التقرير دعا إلى صياغة استراتيجية طويلة الأمد تتمثل في برامج إقتصادية واجتماعية لدعم المشاركة السياسية للمرأة، مع إصدار قانون لمكافحة العنف ضدها، بالإضافة إلى صياغة برامج أخرى لتمكين وحماية حقوق الشباب، والمعاقين، وكبار السن، وضرورة توفير معاش يكفل الحياة الكريمة لكبار السن، تنفيذا لنصوص الدستور.
وشدّد شكرعلى أن التقرير طالب أيضاً بضرورة إنشاء الهيئة الوطنية للانتخابات، بدلاً من اللجنة العليا للإنتخابات الحالية، مع ضرورة أن ينص القانون على آليات إنفاذ القانون في مراحل العملية الإنتخابية، والتحقيق في الإنتهاكات المختلفة، واتخاذ الإجراءات القانونية بشأنها بشكل فوري، لا سيما ما يتعلق بجرائم استغلال الدين في الدعاية الإنتخابية أو توظيف دور العبادة في السياسة، أو استخدام المال أو العنف في التأثير على إدارة الناخبين.
ولفت إلى أن التقرير دعا الحكومة إلى تعديل قانون التظاهر الذي صدر في نوفمبر 2013، بما يضمن الإفراج الفوري عن المتظاهرين المحتجزين ممن لم يثبت تورطهم في جرائم يعاقب عليها قانون العقوبات، وأن يكون التظاهر بالإخطار، وتطبيق قانون العقوبات على مرتكبي العنف أثناء التظاهرات.
ودعا المجلس في تقريره إلى ضرورة "تعديل قانون السجون ليتوافق مع الدستور والمعايير الدولية، بما يضمن تحسين أوضاع السجناء، من حيث التغذية، الرعاية الصحية، وإعادة تأهيلهم، والإشراف القضائي على تنفيذ العقوبات، وتلافي البطء في التقاضي، مع ضمان العدالة الناجزة.
&
وفي ما يخص الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، قال شكر إن تقرير المجلس أوصى بإيجاد إستراتيجية وطنية &لمكافحة الفقر، عبر إنشاء مشروعات وطنية كبرى، وتوفير فرص العمل، ومعالجة مشكلة العشوائيات، لا سيما أنها تضم نحو 15 مليون نسمة، وضمان توفير سكن ملائم وآدمي للمواطنين، بالإضافة إلى تطوير وتحسين الخدمات الطبية والإجتماعية، عبر زيادة نسبة الإنفاق الحكومي على الصحة وتطبيق معايير الجودة، ونظام التأمين الصحي الاجتماعي الشامل.
ولفت إلى أن المجلس ذكر في تقرير مراجعة حالة حقوق الإنسان خلال السنوت&الأربع& الماضية، أن الحكومة أوفت بالكثير من تعهداتها في ما يخص الملاحظات الـ119 التي وعدت بتلافيها خلال الدورة الماضية في العام 2010. وأشار إلى أنها لم تلتزم بالوفاء في البعض الآخر، ومنها: مكافحة التعذيب، وإصدار تشريعات تتوافق مع المواثيق الدولية في هذا الشأن، بالإضافة إلى الإخفاق في اصدار قانون لبناء وترميم الكنائس، فضلاً عن تراجع حرية الرأي والتعبير والحرية الشخصية، لافتاً إلى أن التراجع الذي حصل في الحقوق والحريات مردّه إلى مرور مصر بثورتين خلال ثلاث سنوات، وحدوث حالة من الفوضى، ما أعاق الحكومة عن تنفيذ تعهّداتها السابقة.
&