يفوق عدد المبتعثين السعوديين في الولايات المتحدة 85 ألفاً غير المرافقين، ما يضع الملحقية الثقافية في السفارة السعودية أمام مسؤوليات جسام. عن هذه المسؤوليات، يتحدث الملحق الثقافي السعودي بواشنطن لـ"إيلاف".

واشنطن: يعتبر برنامج خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز للإبتعاث الخارجي، أحد أهم المشاريع النهضوية الهامة في تاريخ السعودية، إذ يتم ابتعاث الآلاف من المبتعثين والمبتعثات سنويًا لمختلف جامعات العالم، يتعلمون فيها اللغة المتداول تطبيقها في هذه الدول، قبل أن يكونوا مؤهلين للدراسة في مختلف التخصصات العلمية.

يجهل كثيرون الدور الذي تقوم به الملحقيات السعودية، خصوصًا في البلدان الكبيرة كأميركا التي يتواجد على أرضها ما يقرب من خمسة وثمانين ألف مبتعث ومبتعثة، فضلًا عن مرافقيهم، يدرسون ضمن هذا البرنامج، إلى جانب الدارسين على حسابهم الخاص الذين يتم دمجهم إلى البعثة وفق الشروط المحددة لذلك. وحاورت "ايلاف" الملحق الثقافي في واشنطن الدكتور محمد بن عبد الله العيسى، الذي&يهتم بأمور المبتعثين السعوديين.

في ما يأتي نص الحوار:

ما هو دور الملحقية الثقافية السعودية لخدمة المبتعثين في جامعات ومدن أميركا؟

يفوق عدد المبتعثين اليوم خمسة وثمانين ألفًا غير المرافقين. فرض برنامج الابتعاث على الملحقية حتمية التطور الإداري والتكنولوجي، وحتمية أخرى في وضعية الطلاب كدارسين وباحثين وكرموز ثقافية وسفراء حقيقيين يمثلون دولتهم ويصنعون بين السعودية وأميركا جسرًا للتبادل الإيجابي البناء بين الثقافتين، ليحقق التفاهم بين شعبيهما. فإذا كنا نتحدث عن الدور غير المسبوق علينا أن نتتبع بالإحصاءات والأرقام والوقائع ما تقوم به الملحقية من دعم لإلحاق طلابها في أكثر الجامعات من حيث الشهرة والإعتراف الإكاديمي، وفي أكثر التخصصات التي تحتاجها المملكة لإتمام برامج التنمية والتطور. اصبح الدور الذي تقوم به الملحقية ليس مجرد شؤون طلاب وإنما منظومة متكاملة تنشد رعاية المبتعث منذ وصوله وتذليل الصعاب التي تواجهه طوال الدراسة، وحتى تخرجه والبحث عن عمل له من خلال معارض يوم المهنة التي تقيمها في كل عام، وتسعى في نفس الوقت إلى دعم العناصر الطلابية النشطة في مجالها وإحياء فكرة التنافس المشرف، سواء في ما يتعلق بالتفوق العلمي أو بالعمل الريادي والبحثي وإستقطاب المخترعين والباحثين وغيرهم ممن لهم أدوار إيجابية فاعلة في الجامعة والبيئة المحيطة بها. يمكن أن ألخص دور الملحقية الحالي بأنه دور فاعل يتنامى بإستمرار في مجاليه الأساسيين، وهما الثقافة والتعليم.

ألا تحتاج الملحقية إلى فروع لها في عدة ولايات اميركية أخرى لتسهيل التواصل مع الطلاب؟

منذ بدأت العمل بالملحقية وأنا أرعى فكرة الإدارة اللامركزية. تم تقسيم المسؤوليات في الملحقية إعتمادًا على ذلك. هناك قطاعات في الإشراف الدراسي وغيرها من الإدارات والأقسام الخدمية تتحدد إختصاصاتها وفق المناطق. هناك أيضًا زيارات دورية لمتابعة المبتعثين في أماكن تواجدهم. فضلًا عن ذلك، وفرت التكنولوجيا الكثير من البرامج المتطورة التي ساهمت كثيرًا في تطور الإدارة المكتبية وبيروقراطية العمل الإداري من دون الإعتماد على أروقة المبنى الضخم أو على جغرافية الأماكن. أصبح بالإمكان بالضغط على زر في جهاز الحاسوب أن تتواصل مع أي شخص في أي مكان حول العالم، فلماذا هذه الفروع والتقسيمات؟

أرقام تقريبية

هل من أخبار تهم المبتعث وتبعث فيه روح الاجتهاد للحصول على الشهادة العلمية التي يحلم بها؟

التحفيز جزء أساس في العملية التعليمية والمنافسة ضرورة خلاقة والتقدير والتكريم من أهم وسائل التواصل المحمودة بين مبتعثينا، ونحن لا نكتفي أبدًا بذلك بل نشركهم في مؤتمراتنا ومناسباتنا وأحداثنا الكبرى. أعتقد أننا قطعنا شوطًا كبيرًا في تأهيل المبتعثين لإيجاد فرص عمل، وأتحنا لهم التدريب اثناء الدراسة وشجعنا المخترعين والباحثين، وبذلنا جهدًا كبيرًا غير مسبوق في إعطاء التخصصات الطبية إهتماماً خاصة في إلحاقهم بالجامعات والمؤسسات الطبية المرموقة، وكلها أخبار مستجدة قد تبدو ثابتة ولكنها تتغير وتتجدد دائمًا بين الأشخاص والمناسبات وتواريخ حدوثها.

هل تملك الملحقية قاعدة بيانات توضح عدد المبتعثين بشكل دقيق؟

لدينا قاعدة بيانات على أعلى مستوى. قد يتغيّر العدد بين الحين والآخر لأسباب جوهرية مثل طلاب تأجل تخرجهم أو طلاب إنتقلوا إلى مرحلة أخرى وترقوا لمرحلة إبتعاث أعلى. قد يتغيّر العدد لأنه بالفعل يتغيّر بصورة يومية بين من أنهى دراسته أو أقفلت ملفاته وبين من إلتحق مجددًا بالبعثة، ومع ذلك عند لحظة ما في زمن ما يكون العدد دقيقًا. لا نستطيع أن نصدر تقاريرنا الإحصائية بالساعة والثانية. يبلغ عدد المبتعثين والمبتعثات نحو 83282 مبتعثًا ومبتعثة. ويبلغ عدد المرافقين 31357 مرافقًا. في إطار الدرجات العلمية، يبلغ عدد المبتعثين والمبتعثات للبكالوريوس 32309 مبتعثين، وللماجستير 11892 مبتعثًا، وللدكتوراه 2429 مبتعثًا، وللزمالة الطبية وتخصصاتها المختلفة 4113 مبتعثًا.

هل يكفي عدد الموظفين في الملحقية لخدمة تلك الاعداد المبتعثة الكبيرة؟

العدد لا يكفي بسبب الزيادة العددية الكبيرة في أعداد المبتعثين، التي تحتاج لأعداد من المشرفين تتوازن معهم، وبسبب ضيق المكان. كلما حدث التوسع وإزداد عدد مبتعثينا كلما إحتجنا للمزيد من المشرفين ومن الأماكن، وهذا ما دعانا إلى إستئجار مبنى آخر. لدينا حلول ناجزة ومنها البوابة الإلكترونية وتكنولوجيا التواصل التي وفرت علينا الكثير من العمل المكتبي البيروقراطي، ومنها الساعات الإضافية والمتابعة الإلكترونية الصارمة.

المكافأة لا تكفي

ماذا تقول في تجربة الابتعاث، وما مدى نجاحها؟

أتحدث دائمًا عن تجربة فريدة من نوعها، تصادف كل النجاح، وتطور نفسها بنفسها. وأعتقد أننا بهذه المنظومة الجديدة قد فتحنا المجال لأجيال واعدة، سيقوم عليها تطور بلادنا وسوف ينتقل بها إلى ما نطمع إليه منها كدولة حضارية، تأخذ بأسباب التقدم والعلوم والثقافة والفنون دونما تغيير في هويتنا، والرصيد الحضاري الذي إكتسبناه من ثقافتنا وتديننا.

يحتاج الطالب إلى سكن وسيارة ووقود وهاتف نقال غير الأكل والشرب، ما لا تستطيع المكافأة أن تغطيه. ألا ترون أن زيادة المكافآت أمر ضروري؟

التعليم لا يؤخذ بالرفاهية لكن بالحساب بمنطق أن لا تزيد التكلفة على العائد. لذلك لا بدلات للأسرة والأبناء. المنحة تقنن بحسب مستويات المعيشة في الولايات المختلفة، فما يتقاضاه الطالب في كاليفورنيا يختلف عما يتقاضاه في نورث كارولينا. التأمين الصحي أيضاً محدود للغاية لكننا نغطي الأسرة تغطية شاملة . أعلم أن هناك غلاءً فاحشاً، وأعلم أيضا أن المكافأة قد لا تكفي، ونسعى دائمًا لزيادتها ونأمل التوفيق. الإبتعاث مسؤولية ولدينا مبتعثون في نحو 32 دولة يقدر عددهم بنحو 151 ألف مبتعث ومبتعثة.

أليس ضم المبتعثين الآتين على حسابهم بشكل سريع&أمراً ضرورياً، خصوصًا الذين مع عائلاتهم ويحتاجون إلى التأمين الطبي والتقليل من خسائرهم المادية؟

لابد أن نفصل بين المبتعث والدارس على حسابه الخاص. الطالب الذي يحاول الحصول على البعثة التي لم يستطع الحصول عليها من الوزارة لا بد له أن يثبت جديته في الدراسة، وأن توضع له شروط يجتازها للإنضمام للبعثة. في أغلب الحالات، يضطر هؤلاء الطلاب للإلتحاق بجامعات غير معترف بها على أمل الإنضمام للبعثة. أعتقد أن النظام يسير على ما يرام، وطالما إستوفى الطالب شروط إنضمامه ينضم إلى البعثة على الفور.

التطور حقيقي بكل المقاييس

ألا يحتاج الموقع الالكتروني للملحقية والوزارة إلى تطوير في خدماته بما يجعله اكثر سهولة في الاستخدام، ما يوفر الجهد والوقت على الطالب؟

لكل برنامج إيجابياته وسلبياته. تبقى الشكوى قائمة حتى إن إختفت العيوب.&اؤكد أن ما وصلت إليه الوزارة هو قمة التقنية الحديثة. التطور والتحديث مستمران، والخطوات التي تمت تعد بكل المقاييس تطورًا حقيقيًا. نحن نتعامل مع أجهزة وبرمجات ونشكو منها. وكنا من قبل نشكو من الإنسان العامل عليها. الكل يبذل جهده والكل لا بد أن يدلي بدلوه. نحن الطلاب لدينا مشكلة في التعامل مع الأجهزة، وكثيرون منهم يطلبون مساعدة رغم أن تقنيات الجامعة التي يدرسون فيها تتطلب قدراتهم ومهارتهم في التواصل بمثل هذه التقنيات.

يتمنى الطلاب منحهم أمر اركاب على الطائرة لعمل الحجوزات بأنفسهم مثلما كان ذلك معمولًا به في الثمانينات، للتقليل من الضغط على وكالة حجز واحدة. فما رأيكم؟

المصلحة الخاصة تنسينا المصلحة العامة، فلا ننظر إلى الإلتزام بخطوطنا الجوية الوطنية نظرة إيجابية. المفروض أننا لا نشجع إلا خطوطنا الجوية الوطنية، وعدم استخدام الخطوط الأخرى إلا عند الضرورة. يمكن تحسين الأداء، لكنّ هناك شروطاً للحصول على هذه التذاكر. هناك تواصل إلكتروني عن طريق البوابة الالكترونية، على الطالب أن يستوفيها ويتقدم لها، وما أن تحدث الموافقة يصدر أمر الإركاب. المفروض بالمتقدم أن يبرمج حياته بمواعيد يلتزم بها إلا ما يحدث عند الضرورة، وأن يلتزم بالقواعد المعمول بها.

جوائز للمبدعين

هل تشجع الملحقية المبتعثين بعد التخرج للعمل في شركات أميركية ليكتسبوا خبرات عملية قبل العودة إلى بلدهم؟

نحن بالفعل نشجع ذلك أثناء الدراسة أو قبيل العودة وللملحقية والسفارة إتصالات في هذا الخصوص. لدينا مبتعثون إلتحقوا بهذه البرامج بالفعل، ونحاول قدر الإمكان تنظيمها حتى لا تكون مخرجًا للتسرب أو عدم تحقيق الهدف الحقيقي من الإبتعاث وهو العودة لخدمة تطور بلادنا.

ألا تفكرون بتقديم جوائز للابداع الادبي والعلمي والبحوث للطلاب المبتعثين بما يحفزهم على استغلال وقت الفراغ بشكل ايجابي؟

هذا يحدث بالفعل في الكثير من المناسبات. هناك لجان مختصة تعنى بهذا الشأن، وتمنح الشهادات والدروع للمتميزين الأفراد في مختلف المجالات. هناك منافسة حقيقية بين الأندية في كل عام حول قائمة أفضل عشرة أندية، وهناك تكريم لبرامج الريادة وتكريم للمخترعين وتكريم للمتميزين بشكل عام وتحرص الملحقية دائمًا على إبراز ذلك في فعاليات الإحتفال بالخريجين ومعرض يوم المهنة، وأيضا في الترويج الإعلامي لهم عبر قنوات الإتصال الإعلامية المختلفة.

هل تؤدي الاندية الطلابية للمبتعثين دورها التوعوي والثقافي وتدفعهم لاستغلال الفرص الهامة للاستفادة من وجودهم هنا؟

إختلف دور الأندية الطلابية عما كان من قبل. كان الهدف قبل أحداث 11 أيلول (سبتمبر) إتاحة الفرصة للتجمعات الطلابية السعودية بهدف التواصل بينها والتآخي. بعد أحداث 11 أيلول (سبتمبر)، أصبحت الأندية الطلابية تعمل في إطار الجامعة وتحت مظلتها ووفق قوانينها، وأصبح لها دور في تعميق أنشطتها الثقافية والإجتماعية والمشاركة في تبادل الخبرات والثقافات. ويتزايد في كل عام عدد هذه الأندية الطلابية. بلغ عددها في الجامعات 280 ناديًا في 228 مدينة في نحو 46 ولاية أميركية. ولم تعد تعمل بشكل تقليدي كما كانت من قبل، فهي موجودة داخل الحرم الجامعي في المدن المحيطة به، وتقدم جهودًا تطوعية ملموسة في هذا المجال.

أمر صحي!

يلاحظ استحضار بعض الطلاب المبتعثين لبيئتهم الأصلية داخل المجتمع الأميركي، والإنغماس في البيئة الأصلية كنوع من الإنعزال، ما يحرم البعض فرصة الاستفادة من طبيعة الشعب الأميركي. ما دور الملحقية في هذه الحالة؟

أعتقد أن تمسك الإنسان ببيئته وتراثه وثقافته في الغربة أمر صحي. ولا أعتقد انه يمثل إنعزالًا عن المشاركة وإرساء قواعد التفاهم بين الشعوب. هؤلاء الطلاب في نهاية المطاف هم رموز ثقافية تعرف بالشيء غير المعروف عنا وعن ثقافتنا، وهم أيضًا سفراء يتولون بطبيعتهم التعريف ببلادهم والتوعية بشأنها وهم يكونون بذلك فخورين وهم يفعلون ذلك. لدينا تواصل مباشر مع هذه الأندية ونمدها بالدعم والمواد الثقافية والتراثية والإعلامية لذلك.

يأتي بعض الطلاب إلى أميركا بفكر سلبي مسبق، فيعيشون في توجس، وفي بالهم أنهم يعيشون وسط عالم من الرذيلة. كيف يمكن للملحقية أن تلغي هذه الفكرة السلبية؟

بدأ هذا يقل مع مرور الزمن. أثبتت التجربة إقبالًا منقطع النظير على برنامج الإبتعاث، وقد أفرزت ثماره رؤى إيجابية أهلت الكثيرين للتنوع الثقافي المنشود والتأهل العلمي اللازم، واثرتهم بالتجارب المبشرة بمستقبل زاهر لهذه الأمة، لذلك لم يعد التخوف كما كان من قبل. وثبت للجميع أو لنقل للغالبية أهمية ذلك في الإرتقاء الإجتماعي بمجتمعاتنا، وفتحت لنا نوافذ للحوار مع الغرب.

تغيير دم

ظاهرة الإبتعاث فرصة نادرة لم تتوفر لشعب بهذه الأعداد الكبيرة. ألا ترون أنها فرصة&لموظفي الملحقية&ايضًا أن يستفيدوا من تواجدهم في اميركا ليتعلموا& السرعة في الأداء والإنجاز والاتقان في العمل والعمل بروح سعيدة؟

من المؤكد أن العمل بالملحقية، في إطار ما تمتلكه من إدارة وتقنيات حديثة، وما يحدث فيها من تطور من حين لآخر، فضلًا عن تعاملاتها مع المجتمع الأميركي في كافة مجالاته، يثري تجربة الموظف والمبتعث على السواء، ويثمن من خبراتهما، خصوصًا حين يستفيد من مهارة التقنيات المتاحة في مجالات الحاسب الآلي المختلفة، التي ظهرت لتحد من بيروقراطية الإدارة ونظام عملها وتوفر الوقت والجهد والتكلفة.

كيف لنا أن نستغل الفرصة لإستنساخ التجربة العملية الملحوظ تطورها هنا، وانعكاسها على الانتاج اليومي بشكل لافت عبر موظفينا وطلابنا المتواجدين في اميركا والدول الأخرى؟

هؤلاء الطلاب والموظفون السعوديون هم روافد تتحرك من فترة إلى أخرى، وتعود إلى المملكة بما تملك من مهارات وتجارب. لا أعتقد أن العملية تحتاج إلى إستنساخ بقدر ما تحتاج إلى تغيير دم في دولاب العمل الإداري أو الإنتاجي وتطعيمه بالشباب المؤهل المتعلم الذين زاولوا التجربة في الخارج وفهموا طريقة أدائها.

&