يتوقّع متخصّصون في الصحافة الرقمية ألا يكون مستقبل نظيرتها الورقية طويلًا، وأن اختفاءها سيكون فجأة وليس بشكل تدريجي، ويشكّل صدمة لمن لم يقتنع بعد بضرورة التحول إلى الإعلام الالكتروني. أما أكبر أسباب هذا الموت المفاجئ للصحف والمجلات المطبوعة فهو سوق الإعلان التي أدركت أهمية النيوميديا والصحافة المواكبة والمباشرة.


لميس فرحات من بيروت: يخلص رئيس التحرير التنفيذي للقسم الرقمي (ديجيتال) في صحيفة الغارديان البريطانية إلى التأكيد أنه "لا أمل ولا جدوى" من محاولات إنعاش الإعلام الورقي، الذي أزاحته صحافة الانترنت من الساحة بالضربة القاضية.

يعتبر الانترنت أبرز وأهم سمات العصر الحديث، إذ تحول إلى جزء لا يتجزأ من حياة الفرد اليومية، سواء في عمله أو اهتماماته وهواياته، وحتى أوقات فراغه. هذا الأمر يعتبر خبرًا مفرحًا لكل وسائل الإعلام والصحافة الالكترونية، لكنه في الوقت عينه أيضًا ينبئ بالوفاة المحتمة للصحافة الورقية.

لا جدوى من الورق
على الرغم من أن الكثير من الصحف مصرّة على فكرة أن الطباعة سوف يكون لها دور كبير على المدى الطويل، إلا أن رئيس تحرير الأعمال الرقمية لصحيفة الـ"غارديان" البريطانية ينفي كل هذه الآمال.

رئيس التحرير التنفيذي للقسم الرقمي (ديجيتال) في صحيفة الغارديان، ومدير التحرير السابق في صحيفة "نيويورك تايمز" آرون بيلوفر، يقول إن هناك "أفقًا من عدم الجدوى" للطباعة الورقية.

سوف تندثر
يضيف: "صحيفة نيويورك تايمز وغيرها تعتقد أن مستقبل الطباعة غير واضح. لكن في الحقيقة المسألة واضحة للغاية، وهي أن الطباعة الورقية ستشهد تراجعًا حادا، وتصل إلى نقطة الصفر في وقت ما، والسبب هو أنها لا تشبه الإيرادات الإعلانية التي قد تنخفض ثم تشهد صعودًا بعد فترة".

في حديث إلى موقع "TheMediaBriefing"، قال بيلوفر إن تراجع الصحافة الورقية أمر لا مفر منه، كما إنه سيحدث بسرعة لا يتوقعها أحد"، مشيرًا إلى ضرورة مسابقة الوقت والتحول الكامل إلى النظام الرقمي قبل أن يحدث هذا الانهيار.

انهيار سريع
انهيار الصحافة المطبوعة لن يكون هادئًا أو متدرجًا، بل سيكون خطيرًا وسريعًا جدًا، كأن ينخفض من موقع الحالي مباشرة إلى الصفر. يعتقد بعض الخبراء أن سبب انقراض الصحافة الورقية سيكون قلة التداول أو إحجام الناس عن شراء الصحف والمجلات الورقية.

أما بيلوفر فيقول: "التداول ليس سبب المشكلة، فمثلًا صحيفة نيويورك تايمز لم تعان أبدًا من هذه المشكلة، بل إن الكثير من القراء كان يحرص على شرائها، حتى إن حجم تداولها لا يزال جيدًا كما في أي وقت مضى".

السبب الحقيقي لهذا السقوط المحتم هو عائدات الإعلانات، التي تعتبر فجوة أساسية، يحاول العديد من الصحف ردمها. في الولايات المتحدة وحدها على سبيل المثال، خرجت نحو 350 صحيفة من السوق، على الرغم من أن بعضها استمر على مدى 200 سنة.

إلغاء الوسطاء

تراجع العائدات الإعلانية هو أكبر تحدٍّ منفرد يواجه العمليات التجارية لمعظم الصحف اليوم، مما يتطلب إجراء تغييرات جذرية في النهج التحريري. ومع تزايد أهمية وسائل الإعلام الاجتماعي، تم تهميش الصحف ودور النشر الأخرى، باعتبارها الوسيط بين شركات الإعلان والدعاية وبين الجمهور.

فايسبوك مثلاً يجذب الشركات بصفته منصة إعلانية أكثر من أي صحيفة أو مجلة مطبوعة، والسبب الرئيس هو أنه يصل إلى الجمهور بشكل أوسع وعلى نطاق أكبر. "الحل هو إيجاد طرق أكثر ذكاء عن كيفية النشر بشكل أفضل وبطريقة أكثر استهدافًا وباستخدام أساليب وأدوات أكثر ذكاءً. باستطاعة الجرائد والمجلات أيضًا أن تستقطب الإعلانات على مواقعها الالكترونية وتستثمر عائداتها لتغذية أعمال الطباعة الورقية".

يقول بيلوفر إن احتياطيات الغارديان من بيع حصتها في شركة "أوتوترايدر" Autotrader في بداية هذا العام، يتركها في وضع أفضل من معظم الصحف الباقية لإعادة النظر في كلا افتتاحيتها واستراتيجياتها التجارية.

البصمة الرقمية
يشار إلى أن جمهور الغارديان متجه بالفعل بكثافة نحو الصحافة الرقمية، مع أكثر من 100 مليون متصفح للصحيفة الرقمية بالمقارنة مع 200 ألف مستخدم يتداولون الصحيفة المطبوعة.

يقول بيلوفر: "البصمة الرقمية للغارديان أكبر بكثير، وحتى أكثر عالمية بكثير من بصمتها المطبوعة، وهذا يعني أنها متفوّقة على النيويورك تايمز. هذا يعني أن الغارديان يمكنها التركيز على المستقبل بدلًا من حماية الماضي".
&