تخطط مفوضية البيئة في الاتحاد الأوروبي لكهربة نصف السيارات مع حلول 2030، ثم التحول بالكامل إلى السيارات الكهربائية بحلول 2050، في سياق خطة داعية إلى النقل الأبيض.

ماجد الخطيب: يلعب الأطفال في الشوارع بسيارات تتحرك بأجهزة تحكم عن بعد، ونجح العلماء منذ سنوات بتحريك السيارات الكبيرة أيضًا بطريقة التحكم عن بعد، لكن معهد فراونهوفر الألماني يعمل الآن على تزويد السيارة الكهربائية بأنظمة روبوتية تتيح لها الحركة ذاتيًا.

تغيير جذري

يبدو هذا كموسيقى من كوكب آخر، لكن معهد فروانهوفر يتعهد بجعلنا نفرك عيوننا عجبًا ونحن نشاهد سيارة المستقبل الكهربائية تسير بمفردها في الطرقات، مثل الروبوت، وتتخذ مكانها قرب الرصيف بين رتل السيارات المتوقفة.

التطبيق جديد لكن التقنية، بحسب مصادر معهد فراونهوفر، ليست جديدة، إذ استخدم علماء المعهد التقنيات المستخدمة في صناعة الروبوتات الحديثة في إنتاج سيارتهم المستقبلية، وهو ما يؤهلها مستقبلًا للتصرف كإنسان آلي كامل. ومن ينظر إلى سيارات اليوم غير الكهربائية بأنظمتها الإلكترونية المساعدة، الذاتية العمل، يعرف أن السيارة قطعت شوطًا طويلًا في سباق التحكم بحركتها بالعلاقة مع الإنسان.

ويسعى علماء المعهد إلى أتمتة كامل عملية قيادة السيارات، وجعل قمرة قيادة السيارة بديلًا كاملًا عن الإنسان. وهكذا يمكن للسيارة الإلكترونية القادمة أن تسير في الطرقات من دون حوادث، متفاعلة مع أنظمة المرور. ومثل هذه السيارة تحتاج إلى تغيير كامل بنية نظام المرور، وأنظمة بناء الشوارع، وإلى قوانين جديدة.

مشروع أفكار

يعمل المهندسون والعلماء في معهد فراونهوفر منذ سنة ونصف على تطوير مشروع السيارة الآلية الحركة. وأطلقوا على المشروع اسم& AFKAR (Autonomes Fahren und intelligentes Karosseriekonzept für ein All-ElectRic Vehicle) ويعني "القيادة الذاتية وموضوع جسد السيارة الكهربائية الذكية".

وبحسب هذا المشروع، ستتمكن السيارة بمفردها، ودون نظام تحكم عن بعد، في بلوغ هدفها بين طوفان السيارات، فتبحث بمفردها عن مكان في المرآب، وتنتظم بين صفوف السيارات، ثم تنطلق مجددًا في مهمة أخرى، أو في طريق العودة إلى البيت.

لن تنجح هذه السيارة في الوصول إلى محطة تعبئة البطارية بالكهرباء بمفردها، وتعجز عن ايجاد طريقها داخل المرآب، ما لم يتغيّر المرآب بدوره، ويصبح مزودًا بالتقنيات التي تعين هذه السيارة على الحركة بذكاء، إذ يجرب العلماء الألمان حاليًا كيف تتصل السيارة بكومبيوتر يقود الأمور داخل المرآب، وكيف تتعرف عن طريقه على المكان الخالي، وتتوجه إليه. أما البقية (الحركة والتوقف) فتتكفل به جملة من العيون السحرية وأجهزة الاستشعار والكاميرات الدقيقة والأجهزة العاملة بأشعة ليزر.

وفي محطة الوقود، تتوقف السيارة ذاتيًا بحسب أجهزة الملاحة، قريبًا جدًا من نقطة الشحن الكهربائية، تشحن الكهرباء في بطاريتها من دون كابل، ثم تتحرك خلال ثوانٍ كي تتيح الفرصة للسيارة الذكية اللاحقة لتعبئة الكهرباء.

تحويل السيارة إلى روبوت

يؤكد الباحث بنجامين مايدل، رئيس مشروع "أفكار"، أن التقنية متوفرة داخل أروقة المعهد، ويكفي للمرء النظر إلى الروبوتات المتحركة فيه كي يعرف أن تحويل السيارة إلى روبوت ليس بالأمر الصعب، ولا يتطلب سوى التغلب على مشكلة الحجم. فالروبوتات تعمل في مختلف فروع المعهد دون صعوبة ودون أن تتسبب بمشاكل للآلات الأخرى، للروبوتات الأخرى، أو للإنسان.

يجرب العلماء في المعهد عمل السيارة داخل مختبرات صغيرة، وباستخدام طريقة المحاكاة الكومبيوترية، لكنهم سيستعرضون تقنية متكاملة لسيارة "أفكار" الإلكترونية خلال فترة وجيزة. وحينها تكون السيارة مجهزة بأجهزة استشعار وكاميرات تمسح لها الطريق عن مسافة تزيد عن 100 متر. هذا فضلًا عن أجهزة رادار وأجهزة تعمل بموجات الصوت وأخرى بالليزر توفر للسيارة الإلكترونية مساحة نظر بقطر 200-300 متر.

في خطوة لاحقة ستجري تجربة السيارة داخل مدينة وكراجات مصغرة تقام داخل المعهد، لأن تطبيق المشروع على أرض الواقع سيتطلب الحصول على إجازة خاصة من الدولة. وواضح أن مستقبل المشروع يتعلق بمستقبل كامل نظام المرور، فسيارة المستقبل تتطلب أنظمة مستقبلية ومدننًا مستقبلية أيضًا.

النقل الأبيض

تخطط مفوضية البيئة في الاتحاد الأوروبي لكهربة 50% من السيارات العاملة في المدن الأوروبية بحلول العام 2030، وكافة السيارات بحلول العام 2050. وورد في كتاب مفوضية البيئة الأوروبية المعنون "النقل الأبيض" أن هدف أوروبا تسريع عملية التحول إلى السيارات الكهربائية، ودفع منتجي السيارات للتحول إلى المحركات الكهربائية، وأن ذلك سيجري من خلال مضاعفة الضرائب المفروضة على الوقود وتوحيدها.

هذا يفترض بالطبع البدء في تحويل الهياكل الارتكازية للنقل التقليدي، من محطات البنزين والديزل والوقود البيئي إلى محطات الشحن الكهربائي، وينتظر خبراء البيئة أن تؤدي هذه الخطوات حتى العام 2030 إلى خفض انبعاث غاز ثاني أوكسيد الكربون إلى النصف وتقليل استهلاك الوقود التقليدية بنسبة مماثلة.

تعتمد مفوضية الاتحاد الأوروبي في خططها هذه على التطور السريع الجاري على تقنية كهربة محركات السيارات. فالسيارات الكهربائية اليوم تتخطى في سيرها، بعد الشحن، حاجز 300 كلم قبل أن تحتاج إلى الشحن مجددًا، كما توصلت شركات السيارات إلى طرق مستحدثة تختصر زمن الشحن الكهربائي إلى دقائق بعد أن كانت تستغرق الليل بأكمله.

إشارات مرور ذكية

تعمل مفوضية الاتحاد الأوروبي على دفع المعاهد التقنية لتطوير إشارات مرور ذكية تنسجم مع سيارة وشوارع المستقبل. وهذا ما بدأ تطبيقه في مدينة كولون الألمانية بالتعاون بين معهد فراونهوفر ووزارة النقل الألمانية.

لا تتغير ألوان إشارة المرور الذكية بتتابع وزمن ثابتين، لأنها تتحكم بتتابع الألوان المرورية بحسب شدة المرور في الشارع. ويمكن على هذا الأساس أن تطيل بقاء اللون الأخضر حينما ترصد عجوزًا تأخر في اجتياز الشارع.

مثل هذه الاشارات الذكية الفيديوية تم نصبها للمرة الاولى&في ألمانيا في منطقتين مزدحمتين من مدينة كولون. وتم اختيار مواضع عبور المشاة قرب حديقة الحيوانات، حيث يعبر مئات الأطفال يوميًا، وقرب المدينة الصناعية في ميلاتن، حيث يكثر مرور الشاحنات، لتجربة النماذج الأولى من أنظمة المرور الذكية.

وتعمل إشارات المرور الذكية بمساعدة كاميرا فيديو واجهزة استشعار للضغط والحرارة. وترصد الكاميرا حركة المرور عند موقع العبور وتنظم مرور المشاة حسب تدفق السيارات في الشارع، وحسب عدد وحالة المشاة العابرين.

من الناحية البيئية، يعول المهندسون على أنظمة المرور الذكية في تقليل حالات الكبس على الفرامل، وفي تقليل استهلاك الوقود. ويمكن للنظام في المرحلة الأولى، أن يقلل الزحام على الشوارع بنسبة 15%.