تحول أشهر فندق في سوريا، الكائن في وسط حلب، أطلالًا وشريط ذكريات، فبعدما أقام فيه كبار الشخصيات، أمثال عبد الناصر الذي ألقى فيه خطابًا، وأغاثا كريستي التي كتبت فيه أشهر كتبها، أغلقت الحرب أبوابه بفعل كونه على خط تماس، وأصبح مأوى للنازحين.


حلب: يتجاهل أرمين مظلوميان، صاحب فندق "بارون" في وسط حلب، أزيز رصاص القنص، وأصوات القذائف المتساقطة في مكان قريب، ويجلس حزينًا يحتسي القهوة على شرفة أشهر فندق في سوريا، اضطرته الحرب فيها إلى أن يغلق أبوابه.

عبدالناصر وكريستي
وبعد قرن من الازدهار، تحوّل الفندق، الذي يقع على بعد أمتار من الخط الفاصل بين المنطقة الخاضعة لسيطرة القوات الحكومية وتلك التي تسيطر عليها المعارضة، من معلم سياحي يستقبل المشاهير، إلى مأوى للاجئين الهاربين من المعارك. وظل الفندق، الذي أسّسه جد مظلوميان في العام 1911، الأكثر ارتيادًا على مر العقود في هذه المدينة التجارية والصناعية والتاريخية في شمال سوريا.

حتى إن الرئيس المصري السابق جمال عبد الناصر ألقى فيه خطابًا في العام 1958، وكتبت الروائية البريطانية أغاثا كريستي في الثلاثينات اثنين من أشهر كتبها فيه، "جريمة في قطار الشرق السريع" و"جريمة في بلاد الرافدين". وتوقف الفندق عن استقبال الزوار منذ أن سيطر مقاتلو المعارضة على قسم من حلب في تموز/يوليو 2012.

ويقول مظلوميان لوكالة فرانس برس، وقد أطلق لحيته دون تشذيب وأثقل التعب قسماته: "الحرب دائرة منذ نحو أربعة أعوام، ولم يعد هناك ما يدفعني إلى التفاؤل"، مضيفًا بحسرة "لا أعتقد أن الفندق سيفتح أبوابه من جديد. أنا حزين جدًا، ولكن ماذا يمكن أن أفعل؟".

الأول في حلب
أرمين مظلوميان هو الأخير من أبناء الجيل الرابع من سلسلة أصحاب الفنادق الأرمن في المدينة، وكان جده الأكبر كريكور افتتح في النصف الثاني من القرن التاسع عشر أول فندق في حلب، وأطلق عليه اسم آرارات، على اسم الجبل الشهير في أرمينيا التاريخية، والذي تم ضمه إلى تركيا.

وفي بهو "بارون"، علق على جدار أصفر بفعل الزمن ملصق يعود إلى العام 1930، ويذكر بأفضل أيام الفندق، وكتب عليه بالفرنسية: "فندق بارون، الفندق الوحيد المصنف من الدرجة الأولى في مدينة حلب. تدفئة مركزية. راحة تامة. موقع مثالي. الفندق الوحيد الذي توصي به مكاتب السفر".

مستنقع للاجئين!
لكن "بارون" اليوم لم يعد يشبه "بارون" الأمس: أثاث مهترئ يكسوه الغبار؛ أجهزة هاتف سوداء في صالة الاستقبال قرب بار خشبي تصطف فوقه زجاجات خمر فارغة؛ سقف تنهمر منه المياه، بعدما أحدثت فيه القذائف فجوات؛ وغرف يقطنها لاجئون.

وعلى مدى قرن من الزمن، استقبل الفندق سياسيين وممثلين وفنانين يحظون بشهرة عالمية، أتوا لتناول الطعام فيه، أو لقضاء ليلة أو أكثر. وأقام كمال أتاتورك في الجناح 201، فيما منح الجناح رقم 215 إلى الملك فيصل الأول ملك سوريا ثم العراق، ومكث لورانس العرب في الجناح 202. أما أغاثا كريستي ففضلت الجناح 203.

ويقول مظلوميان: "إلتقيت بها في العام 1959، ولكنني كنت أصغر من أن أدرك سبب شهرتها الكبيرة. كانت تأتي كل عام بصحبة زوجها عالم الآثار ماكس مالوان"، الذي كان يقوم بالتنقيب في مواقع شاغر بازار وتل براك في شمال شرق سوريا بين عامي 1935 و1938.

يضيف: "ارتاد الفندق الكثير من الشخصيات، ولو أني بدأت بذكرهم، فلن أنتهي من تعدادهم قبل صباح الغد". من بين هؤلاء، الملياردير ديفيد روكفلر وشارل ديغول، الذي أقام مأدبة في العام 1941، وعدد من الملوك، والطيار شارل ليندبرغ، والمغني شارل أزنافور.

على خط التماس
يتابع وهو يتنهد ويداعب بيده كلبه الأسود ساشا المنتمي إلى فصيلة كلاب الصيد الروسية: "كل هذا اصبح الآن جزءًا من الماضي. وبصراحة، فإن الفندق لن يعود أبدًا ما كان عليه".

يقع الفندق في المنطقة الخاضعة لسيطرة القوات الحكومية بالقرب من متحف حلب، الذي أغلق منذ بداية النزاع، وفي محاذاة حي بستان القصر، الذي يسيطر عليه مقاتلو المعارضة، وتنطلق منه القذائف.

يسأل صاحب الفندق: "هل سينتهي الأمر؟، كلا، سيطول لسنوات"، ويضيف بحسرة أن لا شيء يمكن أن ينقذ "بارون" من الاندثار. ويقول "لمن ينبغي أن نتركه؟، للبشرية؟، لكن البشرية أصبحت متوحشة، أنظروا ماذا تفعل داعش كل يوم. كلا، الأيام الجميلة باتت وراءنا".