حلب: تأقلمت الأحياء الخاضعة لسيطرة النظام السوري في مدينة حلب مع الحرب، واستعادت حياتها الليلية، حيث يحيي مطربون وموسيقيون الأمسيات في مطاعمها وأنديتها. في الجانب الآخر الخاضع لسيطرة مسلحي المعارضة الإسلاميين إرادة مماثلة للاستمتاع بالحياة لكن بشكل محافظ.

في مقهى "فيروز"، الواقع في حي موكامبو الراقي في منطقة النظام، تتناول جلاء مع صديقاتها الثلاث المثلجات، وهن يتبادلن حديثًا تقطعه ضحكات بصوت مرتفع، فيما يعزف رجل في مكان قريب من طاولتهن مقطوعة موسيقية على آلة الكمان.

تقول جلاء، التي تعمل محامية، لوكالة فرانس برس، "نشكو طبعًا (في حديثنا) من التقنين في الكهرباء، والنقص في المياه، لكننا في غالب الأوقات نتحدث عن حياتنا، عن زملائنا في العمل، وعما شاهدناه على التلفزيون".

ارتدت الفتيات الثلاث ثيابًا أنيقة، وكن يقطعن حديثهن بين الحين والآخر لإرسال رسائل وصور عبر هواتفهن المحمولة. وتقول ميس "نقصد المقاهي باستمرار، ونقضي حاليًا في المنزل أوقاتًا أقل مما كنا نفعل قبل الحرب". وبدأت الحرب في ثاني مدن سوريا، التي كانت تعتبر العاصمة الاقتصادية للبلاد، في تموز/يوليو 2012 حين تمكن مقاتلو المعارضة من السيطرة على أكثر من نصف المدينة.

تقول ديبة، التي تعمل موظفة في شركة الكهرباء، "في البداية، أصبنا بصدمة وشلت حركتنا... لم نكن نجرؤ على الخروج، وكنا نخاف من كل شيء: القناصة، أصوات الانفجارات (...) لكن هذا الخوف سرعان ما اضمحل. هل سمعتم صوت الانفجار قبل قليل؟، على الرغم من ذلك، لم يحرك أحد ساكنًا هنا". بعدما رسمت الجبهات وخطوط التماس، وباتت شبه ثابتة، فتح نحو 15 مقهى في حيي موكامبو والعزيزية، الخاضعين لسيطرة النظام. بعضهم جديد، والآخر قديم أعاد فتح أبوابه.

وقال جهاد مغربي مدير مقهى "فيروز"، الذي بدا يستقبل الزبائن قبل ستة أشهر، "على الرغم من الحرب، يجب أن نعمل ونعيش. في الجهة الأخرى، افتتحوا مطاعم أيضًا، لكنها ليست كالمطاعم الموجودة هنا". ويضيف الرجل الثلاثيني "التشابه الوحيد هو في القهوة والنرجيلة".

في حي بستان القصر في المنطقة الخاضعة لسيطرة "الجهاديين"، يقول صاحب مطعم "العتيق" أبو سامي بفرح "الحمد لله (...) الوضع ممتاز وجيد جدًا. الشباب يأتون ويبقون أحيانًا حتى الساعة الواحدة أو الثانية صباحًا (00:00 ت غ)". يضيف "فتحنا المطعم للمجاهدين وللشباب، والحمد لله الإقبال جيد"، مشددًا على أن "هناك أمنًا وأمانًا"، خصوصًا بسبب قرب المطعم من نقطة تفتيش لفصيل معارض.

وأغلقت معظم المطاعم في مناطق المعارضة منذ نهاية العام 2013، تاريخ بدء حملات القصف الجوي الكثيفة التي تنفذها طائرات النظام والتي خلفت آلاف القتلى. بالمقارنة مع مناطق النظام في حلب، الواقعة إجمالًا في القسم الغربي من المدينة، والتي تعتبر أصلًا من الأحياء الغنية، تبدو مطاعم الأحياء الشرقية بسيطة وأكثر شعبية. إلى جانب المقاتلين، تقصد عائلات أيضًا هذه المطاعم.

ويقول رياض الحسن، بينما يبث المطعم موشحات وقدودًا حلبية، "هناك خمسة أو ستة مطاعم في هذه المنطقة. غالبًا ما آتي إلى هنا مع أصدقائي، وأحيانًا مع عائلتي. هناك مساحة مخصصة للرجال، وأخرى للعائلات". ويتذكر بحسرة الحياة الليلية في حلب قبل الحرب "عندما كانت المدينة موحدة، كانت لدينا خيارات أوسع. الخيارات محدودة اليوم، والشوارع لم تعد آمنة كثيرًا بسبب القصف والاشتباكات كل مساء".

في غرب حلب، الحياة الليلية أكثر صخبًا. في نادي "شهباء الشام" الليلي، الذي يفتح أبوابه كل مساء في فندق "ميريديان" سابقًا، موسيقى صاخبة، وعشرون شخصًا يرقصون وسط حلبة تنعكس على أرضيتها أضواء الليزر. في نهاية الأسبوع، يرتفع عدد مرتادي النادي إلى حوالى مئة، بحسب ما يقول الموظفون. ويقول حسام شعبان (تاجر سيارات، 29 عامًا) الذي جاء ليسهر مع صديقته سالي "كل أصدقائي يأتون إلى هنا. في بداية الحرب، كنا نخاف، لكننا اعتدنا على الوضع اليوم". ويتابع "قبل يومين، سقط برميل متفجر بالقرب من منزلي. جئت إلى هنا لكي أنسى الحرب".

في حي السريان يدير فراس جيلاتي (25 عامًا) مقهى "آثار الفراشة"، الذي يقصده الفنانون، الراغبون في الغناء أو قراءة القصائد القديمة والعصرية. ويروي جيلاتي أن المقهى "كان يملكه شقيقان هما صديقان لي. قالا لي يومًا، وكأنهما كانا يتنبأن بما سيحصل، إنه إذا حدث لهما أي مكروه، فسيكون عليّ أن اهتم بالمكان. بعد نصف ساعة، قتلا في قصف على منزلهما".

ويضيف "في الوقت الحالي، المكان لا يدرّ أرباحًا، بل هناك خسارة مالية، لكنني سأستمر حتى النهاية لكي أفي بوعدي". في زاوية أخرى من المقهى، يرتفع صوت مغن، وهو يؤدي موالًا بات مشهورًا بسبب الحرب "حلب يا نبع من الألم يمشي ببلادي".
&