لا تريد فنلندا الحرب مع روسيا، لكن الخوف من وقوع هذه الحرب خوف حقيقي، بسبب الانتهاكات الروسية اليومية للأجواء الفنلندية. وهذا الخوف يدفع بهلسنكي إلى أن تلوذ بحلف شمال الأطلسي.

إعداد عبدالاله مجيد: حرصت فنلندا المتاخمة لحدود روسيا الشمالية الغربية ألا تتحرش بالدب الروسي ذي الأسنان النووية. لكن الدب هو الذي يستفز فنلندا المحايدة بانتهاكات الطائرات الروسية المتكررة للمجال الجوي الفنلندي، وارسال الغواصات والمروحيات لتلاحق سفن الأبحاث الفنلندية وتراقبها في المياه الدولية.

سلامة فنلندا

قال مراقبون إن هذه الحوادث تأتي في إطار نمط أوسع من السلوك الروسي العدواني في انحاء أوروبا، لكنها تثير القلق بصفة خاصة في بلدان مثل فنلندا ليست مشمولة بحماية جلف الأطلسي. وتابع القادة الفنلنديون بتوجس ما تفعله روسيا بدولة أخرى ليست عضوًا في حلف الأطلسي هي اوكرانيا، التي يقاتل جيشها حركة انفصالية مسلحة تدعمها موسكو في شرق البلاد.

ويتساءل القادة الفنلنديون عما إذا كانت سياسة الحياد التي انتهجها بلدهم خلال فترة الحرب الباردة قادرة الآن على تأمين سلامة فنلندا في وقت تتجه أوروبا نحو فترة خطيرة أخرى من المواجهة بين الغرب والشرق.

تاريخ مديد

وقال الرئيس الفنلندي ساولي نينستو لصحيفة واشنطن بوست في هلسنكي، التي تبعد ساعتين فقط عن الحدود الروسية: "إن لنا تاريخًا مديدًا مع روسيا، لكنه تاريخ لم يكن سلميًا على الدوام، وبالتالي فإن الفنلنديين يلاحظون كل ما يفعله الروس ويمعنون التفكير في ما قد يعنيه".

واشار الرئيس نينستو الى الانتهاكات الروسية الأخيرة للمجال الجوي الفنلندي قائلًا: "كانوا يختبرون رد فعلنا"، مؤكدًا أن الرد الفلندي كان قويًا بما فيه الكفاية لدرء أي استفزازات روسية لاحقة. لكن خوف هذا البلد الذي كان يعتبر نموذجًا للاستقرار في أوروبا يعكس القلق الذي يسود القارة عمومًا منذ ضم شبه جزيرة القرم الى روسيا في آذار (مارس) الماضي.

ما كان ملكهم

توصل كثيرون من صانعي السياسة في هلسنكي إلى قناعة بأن روسيا لن تُردع وإن على فنلندا أن تعيد النظر في سياستها الأمنية التي دأبت عليها طيلة العقود السابقة. وقالت تاريا كرونبرغ، عضو البرلمان الفنلندي والبرلماني الأوروبي السابقة عن حزب الخضر: "إن الفنلنديين كانوا يعتقدون أن عضوية الاتحاد الأوروبي كافية لحمايتنا، لكن هذا الاعتقاد يوضع الآن موضع تساؤل".

وكان رئيس الوزراء الفنلندي الكسندر ستوب اقترح أن تنضم بلاده الى حلف الأطلسي،& وينال مقترحه اليوم تأييد قطاعات واسعة من الشعب الفنلندي رغم أن القضية تبقى شديد الحساسية في فنلندا بعد عقود من الحياد.

وأعادت وزيرة الدفاع الفنلندية السابقة اليزابيث رين التذكير بأن فنلندا لم تنل استقلالها عن روسيا إلا منذ 100 عام، والقرم ايضًا كانت جزءًا من روسيا. وتساءلت قائلة: "هل سيحاول الروس استعادة ما كان ملكهم قبل 100 عام؟"

خوف حقيقي

وفي حين أن رين استبعدت أن تذهب روسيا إلى هذا الحد، فإنها قالت لواشنطن بوست إن الخوف من تعرض فنلندا لعدوان عسكري روسي "خوف حقيقي". واضافت: "علاقتنا ليست طبيعية مع روسيا". لكن فنلندا ليست وحدها الخائفة، فجارتها السويد قامت في تشرين الأول (اكتوبر) بأكبر عملية عسكرية منذ الحرب العالمية الثانية للبحث عن غواصة روسية يُشتبه بأنها دخلت المياه السويدية واختفت بلا أثر.

واختارت السويد مثلها مثل فنلندا البقاء خارج حلف الأطلسي رغم انضمام دول أخرى في حوض البلطيق مثل ايستونيا ولاتفيا وليتوانيا إلى الحلف. لكن عضوية الأطلسي لم توفر حماية لهذه البلدان ضد التحرشات الروسية التي قالت شبكة القيادة الأوروبية للأبحاث في لندن انها بلغت نحو 40 حادثًا ترسم في ما بينها صورة مقلقة من انتهاكات المجال الجوي ودفع بلدان أخرى الى وضع دفاعاتها الجوية في حالة استنفار لاعتراض هذه التحليقات واصطدامات كادت تقع في الجو ومواجهات في البحر ومحاكاة هجمات وغيرها من الأعمال الخطيرة التي تحدث بانتظام في رقعة جغرافية واسعة جدًا.

حرب عالمية ثالثة!

تمتد حدود فنلندا، البالغ عدد سكانها 5 ملايين، نحو 1300 كلم مع روسيا التي يزيد عدد سكانها 30 مرة عن سكان فنلندا. وحذر مستشار للكرملين من أن انضمام فنلندا والسويد الى حلف شمال الأطلسي يمكن أن يؤدي الى حرب عالمية ثالثة. وإزاء هذه التهديدات زادت فنلندا انفاقها العسكري وكثفت دورياتها الحدودية وعززت علاقاتها مع السويد.

ويراهن الرئيس الفنلندي نينستو على أن تأخذ روسيا في الحسبان قوة الجيش الفنلندي البالغ تعداده 250 الف جندي قبل الاقدام على أي مغامرة. ولكنه قال انه لا يستبعد دعوة تعزيزات أجنبية. واضاف أن خيار العضوية في حلف الأطلسي ضروري لكبح جماح روسيا. وأكد الرئيس الفنلندي قائلًا: "أنا لستُ ضد حلف الأطلسي بل أرى العضوية فيه امكانية قائمة ويتعين أن تكون خيارًا مفتوحًا، وهذا مهم لأنه جزء من توازننا".