تتصاعد حركة احتجاجات عراقية تقودها منظمات وهيئات إعلامية ومدنية مختصة أو مهتمة بحرية الصحافة والحق في التظاهر والتعبير عن الرأي ضد مشروع قانون يناقشه البرلمان يهدف إلى الحد من هذه الحقوق وسط مطالبات برفض القانون وإعادة مسودته إلى الحكومة لاجراء تعديلات عليه تتناغم ومواد الدستور العراقي التي تنص على ضمان الحريات العامة.


لندن: أكد مرصد الحريات الصحافية في دراسة عن مشروع القانون تسلّمت "إيلاف" نسخة منها اليوم الثلاثاء قلقه البالغ لاستمرار مجلس النواب العراقي في قراءة القوانين التي تتعلق بالحقوق والحريات التي تقدمت بها الحكومة السابقة وفي مقدمتها مشروع "قانون حرية التعبير عن الرأي والاجتماع والتظاهر السلمي" بعد ان تم سلب حق صياغة مشاريع القوانين من المجلس وإحالته للحكومة وفقا لقرار المحكمة الاتحادية&& وقال إن هذا يثير ايضا قلق المنظمات الحقوقية التي تسعى لترسيخ النظام الديمقراطي في العراق.

&وأشار إلى أنّ مما يثير المخاوف فعليا أنه في حال إقرار أيًا من تلك القوانين او الاستمرار بالعمل وفقا للسابق منها فإن ذلك يقوّض حق التظاهر السلمي وممارسة حرية التعبير في البلاد. وقال إنه يجد& وللاسف الشديد ان مجلس النواب الحالي يناقش مسودة " قانون حرية التعبير عن الرأي والاجتماع والتظاهر السلمي" التي تقدمت بها الحكومة السابقة بعد موجة التظاهرات التي اجتاحت المدن العراقية اعتراضا على ادائها والفساد المالي والاداري في مؤسسات الدولة.

وأوضح المرصد ان اعتراضه وأغلب المنظمات المدافعة عن حرية التعبير المؤيدة له يتركز على ان& معظم مواد مسودة القانون يحيطها الغموض المفرط أو التناقض المباشر مع المبادئ الواردة في الدستور العراقي أو العهد الدولي، ما قد يفتح الباب على مصراعيه للإعتداء على الحريات المدنية في العراق.. مشددا على ضرورة إعادة النظر في هذا القانون بشكل جدي قبل تشريعه.

واشتكى المرصد من ان مسودة القانون الحالية تحد من الحريات بشكل واضح والمفترض أنها وضعت لتصونها وذلك من خلال التعريف الوارد في المسودة والقائل إن حرية التعبير عن الرأي وحرية الحصول على المعلومات هي "حق للمواطن العراقي فقط" من دون ذكر لحقوق أي فئات أخرى من الأشخاص (المادة 1 البندان الأول والثاني) ما يعني أن حقوق الأشخاص من غير المواطنين العراقيين في التعبير عن آرائهم، أو البحث عن المعلومات في الدولة العراقية أو المشاركة في التجمعات في العراق غير محمية على الإطلاق حسب المسودة الحالية لهذا القانون.
&
دعوة لرفض القانون

وشدد مرصد الحريات الصحافية على ان من المصلحة ان يرفض مجلس النواب تمرير مسودة القانون& ويصبح لزاما اعادة دورة تشريع القانون مجددا قبل تقديمها إلى المجلس. وأوضح أنّه بما ان التشريع الجديد يجب ان يضع في& الاعتبار الاسباب التي أدت إلى رفض القانون فإن المشرّع يجب ان يقوم بكتابة مسودتين اثنتين تستخلصان من المسودة الحالية وهما:

- مسودة قانون (الاجتماع والتظاهر السلمي) استنادا إلى الفقرة ج من نص المادة 38 من الدستور.
- مسودة قانون (حق الوصول إلى المعلومات) استنادا للفقرة ب من المادة 38 من الدستور نفسها على ان تبقى حرية تعبير مطلقة كما نص عليها الدستور.

&وأوضح أنّ مشروع قانون حرية التعبير عن الرأي والاجتماع والتظاهر السلمي لم يخرج عن اطار الفهم الميكيافيلي السلطوي الذي كوّن الاسس والدعائم المحركة للانظمة السياسية التي حكمت منذ عقود في دول "العالم الثالث"، فهمٌ يؤسس لمنظومة تشريعية تدعم السلطات في ممارسة اي نوع من انواع (خنق) او مصادرة الحريات العامة، وتضع في قبضتها درعًا فولاذية لتفتيت اي محاولة لنشوء فكر يخالف المألوف.

وأشار إلى أنّه يتبين الآن أن قانون حرية التعبير عن الرأي قد كتب بفهم مؤطر بـ "فوبيا" سلطوية يمتد عمرها لعقود خلت.. فوبيا ساهمت في اخفاقٍ وطنيٍ تاريخي عريض في صناعة رأي عام مؤثر يمارس الرقابة الاجتماعية والتشخيص الدقيق للمشكلات السياسية والاقتصادية والبنيوية.

القانون ومخالفاته لمواد الدستور

ويشير المرصد إلى أنّه من الواضح ان المادة 38 من الدستور قد منحت حق حرية التعبير عن الرأي بكل الوسائل وجعلته حقا مطلقا (المطلق يجري على اطلاقه اذا لم يقدم دليل التقييد نصاً او دلالة ) غير ان مجلس النواب ومن قبله مجلس الوزراء يصر على تقييد الحق الدستوري المطلق، ويُعد ذلك خرقا بنيويا يجب رفضه قبل الشروع بقراءته او اخضاعه للبحث اصلا.

واضاف انه يتبين من ذلك ان قصد المشرع كان اطلاق الحق ولا يمكن لأي سلطة تقييده قبل استفتاء& شعبي يقضى بقبول اغلبية المصوتين. وقال إن الخلل الآخر هو ان المحكمة الاتحادية تختص استنادا للمادة 93 اولا: بالرقابة على دستورية القوانين والانظمة النافذة لكن الآلية المعتمدة في شتى اصقاع الارض في الرقابة او تفسير دستورية القوانين هو العودة إلى قصد المشرع وليس التأويل والتفسير حسب المزاج السياسي العام.

واستنتج المرصد من ذلك أن المشرع لم يشترط بالضرورة تنظيم حرية الرأي بقانون بل اشترط والزم بما لا يقبل اللبس تنظيم حرية الاجتماع والتظاهر السلمي الذي ورد في الفقرة الثالثة من المادة 38 ويبدو ان قصد المشرع يهدف إلى تنظيم التظاهر والحؤول دون تعكير صفو النظام العام والسيطرة على الفوضى التي من الممكن ان تنتج عن الاجتماع العام والتظاهر السلمي، اما حرية التعبير فهي مطلقة..&وأوضح أنّه بما أن الاصل في القانون الاباحة فإن اقحام حرية التعبير عن الرأي في هذا القانون يعد خللًا بنيويًا.

خروقات قانونية

ويقول حسام الحاج وهو صحافي وباحث قانوني له العديد من البحوث القانونية الخاصة بالتشريعات التي تعنى بالحريات العامة منها "تاريخ التشريعات العراقية التي تعنى بالحريات" و"دراسة في قانون حقوق الصحافيين" و"دراسة في قانون جرائم المعلوماتية" انه في الشروع بتفصيلات الخروقات القانونية التي وردت في متن مسودة القانون التي انهى مجلس النواب قراءتها الثانية فإنه يمكن ملاحظة العديد من المواد التي تتناقض ومواد وروح الدستور.

وأوضح الحاج ان النصوص العقابية التي وردت في تلك المواد هي دخيلة على قانون يفترض أن ينظم حرية التعبير عن الرأي والاجتماع والتظاهر السلمي سيما في ظل السطحية والتعميم والتشتت الذي اتسم به مشروع القانون. لكن الاسباب التي أوردها المشرع وقال إنه دفعت لكتابة هذا القانون تشير إلى أنّه يأتي "بهدف رسم آلية لضمان حرية التعبير عن الرأي بكل الوسائل وحرية الاجتماع والتظاهر السلمي بما لا يخل بالنظام العام او الآداب العامة وتحديد الجهات المسؤولة عن تنظيمات ومعاقبة المخالفين".

وكانت ثماني منظمات مهنية أو مدنية قد أعربت في الثلاثين من الشهر الماضي عن رفضها مسودة مشروع قانون حرية التعبير عن الرأي والاجتماع والتظاهر السلمي وعبرت عن استغرابها الشديد من إصرار البرلمان على تمرير مثل هذه المشاريع المقيّدة للحريات الدستورية العامة وطالبت بوقف القراءة الثانية له وإعطاء "فسحة كافية" للنقاش العام بشأنه.

يذكر أن جهات محلية ودولية وبرلمانية أبدت ايضا اعتراضها على مسودة القانون بسبب القيود التي تضمنها واعتبرته مخالفاً للدستور في حين يتوقع مجلس النواب من وسائل الإعلام والمنظمات المعنية بحقوق الإنسان ردود فعل رافضة للمشروع بصيغته الحالية التي انتقدت فرضها شروطاً مسبقة على انطلاق التظاهرات واستخدام معانٍ فضفاضة يمكن تأويلها ضد وسائل الإعلام.

ومسودة القانون المطروحة اليوم هي النسخة ذاتها التي عرضت في تشرين الأول (أكتوبر) عام 2012& واعتبرت حينها تعبيرًا عن مجموعة من أفكار رئيس الوزراء السابق نوري المالكي وموظفي أمانة مجلس الوزراء.

وطالبت اللجنة القانونية في ذلك الوقت بإعادة مسودة القانون إلى مجلس الوزراء ووصفت المشروع بأنه& يعاكس الهدف الذي صيغ من أجله ويوسّع& دائرة الرقابة على الحريات ويحدّ منها. وكانت الحكومة السابقة قد عمدت إلى إعداد مشروع قانون حرية التعبير في محاولة منها لإضفاء صفة قانونية ودستورية على قمعها لحركة الاحتجاجات الواسعة على سياساتها وتوجّهاتها التي أدّت إلى تردّي الخدمات ومصادرة الحريات.