تشكو المرأة العراقية من العنف وعدم منحها حقوقها بما يجعلها متوازية مع الرجل في وضع القرار، وما زالت تطالب بتشريع قانون يكفل لها حقوقها، ويحميها ويصون كرامتها ويقرّ حقها في العمل بجميع الاماكن دون تعقيد.


عبد الجبار العتابي من بغداد: تستغل النساء العراقيات يوم 25 تشرين الثاني/ نوفمبر، وهو اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة، لتأكيد وتجديد الإلتزام بقضية مناهضة جميع اشكال التمييز والعنف الموجّه ضد المرأة، وللتعبير عمّا يعانين من اضطهاد وعنف في حياتهن الخاصة والعامة، خاصة في محاولات منهن للفت نظر الرأي العام والرئاسات الثلاث من اجل تشريع قوانين تحفظ لهن كرامتهن وحقوقهن.

عنف شديد

على الرغم من عدم وجود احصائيات حقيقية حول ما تتعرض له المرأة العراقية من عنف، الا أن نسبة النساء& ضحايا هذا العنف بمختلف انواعه في تزايد، كما تؤكد ذلك العديد من المنظمات النسوية في نتائج دراسات استطلاعية تقوم بها تشمل شرائح متنوعة: (طالبات جامعة، طالبات إعدادية، ربات بيوت، نساء أرياف)، فضلاً عن استطلاع آراء رجال.

وتشير تلك الاحصاءات الى أن العدد الاكبر من النساء المستهدفات تعرضن الى عنف كان مصدره الأهل، ومن ثم المجتمع، ومن ثم الزوج، كما ان هنالك نسبة كبيرة من اشكال العنف في العمل.

في تزايد
&
تؤكد اكرام نور الدين، وهي ناشطة نسوية، أن اضطهاد المرأة مستمر ومتزايد.

تقول: "وضع المرأة في العراق سيئ، فهي تتعرض للعنف المتزايد في الكثير من المجالات ابتداء من الاسرة وليس انتهاء بالعمل مرورًا بالشارع دون وضع اية اعتبارات لحقوق الانسان بصورة عامة وحقوق المرأة بصورة خاصة، فاضطهاد المرأة مستمر على مختلف الاصعدة وكأن الزمن لم يتغيّر نحو الافضل بل يسير الى الوراء، لذلك نجد أن المرأة تعاني من العنف، فأنا لا ارى أن العنف ضد المرأة هو الضرب فقط بل انني أرى أن التحرش بها في الشارع ولو بأي كلمة هو عنف وسلب لحقوقها، وارى ايضًا ان استغلال رب العمل لها هو عنف ايضًا فتظل ساكتة صامتة لا تفعل شيئاً لانها امرأة ضعيفة".

تضيف: "آمل أن تشهد المرحلة المقبلة اصدار تشريعات تمكن المرأة من الحصول على استحقاقاتها وتحفظ حقوقها وتحميها وتصون كرامتها، خاصة بعدما تعرضت له البلاد من هجمة بربرية شرسة من قبل الدواعش الارهابيين الذين استباحوا الحرمات واختطفوا النساء واغتصبوهن".

نظرة قاصرة

وتؤكد الموظفة كريمة علي أنّ المرأة تتعرض للعنف في كل الاماكن، وتقول: "ما زال الرجل العراقي يتمتع بصفات البطولة الشرقية وما زالت نظرته للمرأة قاصرة وغير متحضرة ولا يريد للمرأة التي كل تمنياته تتجمع بين احضانها أن تكون له صنوًا، ومازالت المرأة تقتل بدواعي الشرف، ويحق لأي رجل أن يتفوه بكلمات تتهمها بأخلاقها".

تضيف: "اينما تكن المرأة العراقية تجدها تتعرض للعنف وعلى الرغم من نداءاتها الا أنها ما زالت غير قادرة على أن ترد العنف عن نفسها، فلا الحكومة تمنحها حقها ولا البرلمان يشرع لها، مثلا، قبل ايام حضرت مؤتمرًا ثقافيًا وعلميًا، وفوجئت ان مدير الندوة قد اعطى الرجال مدة عشر دقائق للحديث عن بحوثهم، فيما اعطى النساء خمس دقائق فقط، وحين قالت له احداهن إن هذا عنف واضطهاد، قال ضاحكًا: هذا حظ الرجل مثل حظ الانثيين، تصور!!".

ناقصة عقل ودين

الكاتبة والناشطة المدنية بان فرات الجواهري تشير من جانبها إلى أنّ مؤسسة الزواج عند الكثير من الرجال هي مؤسسة قائمة على قائد دكتاتوري وشعب خنوع.

تقول: "ما زال التعامل مع المرأة في العراق سواء الزوجة أو الاخت أو حتى القريبة، يسير وفق نظرية "ناقصة العقل والدين" وتتعرض العديد من النساء الى جميع ممارسات العنف الجسدي والمعنوي والإقتصادي، ورغم وجود مد من الوعي الثقافي عند البعض الا أن الثقافة الاجتماعية ما زالت محصورة بقيم وعادات البداوة والجاهلية، لحد أن هناك ازدواجية كبيرة بين الثقافة الاكاديمية والثقافة الاجتماعية إن صح التعبير، في المجتمعات الريفية ضرب المرأة يعتبر جزءاً من رجولة الرجل يتفاخر به بين اقرانه وقد تستغرب لو قلت لك إن بعض النساء (وهذا ما شاهدته بنفسي) يتفاخرن بين اقرانهن برجولة ازواجهن وهي تصف طريقة معاملة زوجها العنيف معها!".

اضافت: "أما في المجتمعات المدنية ومع وجود فرصة للتعليم ومجال اوسع للثقافة، فإن العنف تحول الى شكل آخر، وذلك بالعنف النفسي والاقتصادي، بدلا من عقوبة الضرب هناك عقوبة منع المصروف أو الحد من حريتها الشخصية تحت تبريرات متعددة".

وتختم بالقول: "ما زالت مؤسسة الزواج عند الكثير من الرجال مؤسسة قائمة على قائد دكتاتوري وشعب خنوع ، وما الزوجة الا موظف مطيع في هذه المؤسسة اما التعامل بمنطق الاية الكريمة (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجًا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة) فهذه لم تصل الا لـ&2% من المتعاملين بها".

وفقًا لاهواء الرجال

رئيسة تحرير مجلة "الموروث "الالكترونية اسماء محمد مصطفى تقول إنّ احد وجوه العنف تتجسد في تصورات بعض الرجال أن المرأة يجب ان تمشي وفقًا لاهوائهم ومصالحهم وأفكارهم، إذ تعاني النساء بشكل عام العنف الأسري الذي لا يمارسه الذكر وحده ضدهن، وإنما تمارسه المرأة نفسها ضد نفسها وضد بنات جنسها، بفعل ضغط الرجل عليها وانحياز الأسرة الى الطفل الذكر وتفضيله على البنت، وبفعل تسلط الأخ على أخته من قبل الأم حتى لو كانت فيه عيوب الدنيا، وما اقوله هنا يتعلق ببعض الذكور وللاب والاخ وليس كل الرجال، لأن الرجل الكريم هو الاب الحنون والاخ الغيور والزوج الطيب ولا ننسى النماذج الايجابية من الرجال".

تضيف: "أحد وجوه العنف أن بعض الرجال يتصورون أن المرأة يجب أن تمشي وفقًا لاهوائهم ومصالحهم وأفكارهم،& محاولين أن يصادروا حقها في الحياة والخيار والقرار، حتى إن البعض مازال ينظر الى أن عمل المرأة غير ضروري وان مكانها البيت، وفي هذا اجحاف وتعسف وتدخل من هذا البعض في حرية المرأة في اتخاذ القرار، واخيرًا فإن الأرض خلقت للمرأة كما هي للرجل".

وتختم: "إنّ الذي يحصل عموماً أن الانثى هي الحائط الذي يلقي عليه الذكر أعباءه وعيوبه ومساوئه، وهو الذي لا يفكر بتصحيح نفسه من أجلها ولكي تتحقق معادلة متوازنة خاصة بالاخذ والعطاء، لكن من أين للرجل أن يفقه هذا إذا كان جاهلاً بأبسط احتياجات المرأة العاطفية وغير العاطفية؟ ومتى يحاول أن يثقف نفسه ويحترم المرأة أكثر؟! بل متى تنتفض المرأة نفسها على ضعفها وخضوعها وسلبيتها التي تقوم بتوريثها الى بناتها ليواصلن من بعدها مسيرتها في كبت المشاعر وقمع الرغبات المشروعة؟"

السبي عار

إلى ذلك، أعربت النائبة الايزيدية فيان دخيل عن احزانها لما تتعرض له النساء وخاصة بنات جلدتها من سبي وقتل وخطف.

تقول: "العنف لا يتلخص في تعنيف الزوج لزوجته، ولا بإعتداء الاخ الاكبر على شقيقاته، ولا بنكران الجميل للام من قبل ابنائها وبناتها، بل هنالك مستويات اوسع للعنف ضد هذه المرأة، العنف يكون ضد المرأة عندما تكون لدينا ملايين الارامل العراقيات بسبب حماقات النظام المقبور، وبسبب الارهاب الاهوج الذي يضرب بلدنا منذ اكثر من 10 سنوات، والعنف عندما تكون لنا آلاف المتسولات من بناتنا العراقيات اليافعات في الشوارع عوض أن يكنّ بالمدارس لتلقي العلم".

أضافت: "العنف يكون بوجود عشرات الآلاف من بناتنا العراقيات اليتيمات بسبب الارهاب والحروب والحكومة لا تراعي حقوقهن كما نطمح ونريد، العنف بحق المرأة العراقية يكون بوجود عشرات الآلاف من الامهات الثكلى بابنائهن دون وجود من يراعيهنّ نفسيًا واجتماعيًا ويعوضهنّ ماديًا بما يستحقنّ وفق القانون، ومن العار سكوت البعض عن سبي العراقيات واغتصابهن، ومن العار ايضًا سبي الايزيديات وبيعهن كجوارٍ في مدن العراق وفي دول الجوار".

عدم انصاف المرأة

عضو مجلس محافظة ميسان، لمى الزبيدي، أكدت على ان العنف ليس جسديًا فقط، بل يتمثل ايضًا بالاضطهاد النفسي والاقتصادي والمعنوي ويمارس ضد المرأة في حياتها اليومية.

تقول: "نحن كعراقيات نعيش حالة من الذعر لعدم انصاف المرأة في كافة نواحي الحياة ومصادرة حقوقها وحريتها، لا سيما خلال المرحلة الحالية والتهديد الداعشي الارهابي باحتجاز الكثير من النساء واضطهادهن معنويًا وماديًا".

واضافت: "لذلك نطالب الحكومة الاتحادية بالتحرك على المحتجزات وانقاذهن وتخليصهن من الاسر، كذلك منظمات المجتمع المدني وحقوق الانسان والمجتمع الدولي بإنصاف واطلاق سراح كل امرأة محتجزة لدى المجاميع الارهابية التي لا ترحم الانسان ايًا كان".

وختمت بالقول: "لذلك ندعو الى وقف الممارسات غير الانسانية ضد هذا المخلوق الضعيف الذي يمثل الحياة بمعناها".