يواجه الإعلام التقليدي أزمة وجود مع تنامي موجة المحتوى الرقمي، ومع سعي الشركات الإعلامية الدؤوب للتحول إلى شركات رقمية.

إعداد عبدالاله مجيد: حين أصبح واضحًا أن خبراء التكنولوجيا لن يكونوا موظفين في خدمة الإعلام التقليدي المطبوع، بل هم منافسون ومجددون أيضًا، بدأت المراجعة. والآن، مع دخول الثورة التكنولوجية مرحلتها الثالثة في قطاع الإعلام، تواجه دور النشر أزمة وجودية في سعيها للتحول، باستماتة ولكن من دون نجاح ظاهر، إلى شركات رقمية.

على طريقتنا

أخذت التكنولوجيا الحديثة تحل محل الإعلام التقليدي بأكمله، وهذه هي الرسالة التي نقلتها ببلاغة اميلي بيل، في محاضرة ألقتها أخيرًا في معهد رويترز لدراسة الصحافة.

قالت بيل إن الشركات التكنولوجية تتولى وظائف الصحافة الحرة. وكتبت في مدونة لاحقًا: "اننا نلج عالمًا حيث طريقتنا في رؤية الخبر لا يمليها علينا ما يُعرض في اكشاك بيع الصحف، ولا حتى ما يتصدر أخبار الساعة السادسة، بل ما نراه على هواتفنا من خلال مواقع أخرى، مثل فايسبوك".

أسئلة عميقة

لدى بيل، التي تعمل استاذة في مركز تاو للصحافة الرقمية بكلية كولومبيا للصحافة، معرفة واسعة بحجم التغيير الذي حدث في الثقافة الصحفية، وبالتالي فإن تحليلها كان رصينًا، لكنه كان مخيفًا ايضًا، على حد وصف روي غرينسليد، استاذ الصحافة في جامعة ستي في لندن.

وكانت بيل، بإشارتها إلى طريقة الكثير من القرّاء في متابعة الاخبار على غوغل، واستخدام منصات التواصل الاجتماعي مثل فايسبوك وتويتر ولنكد إن، لنقلها أو تلقيها، وضعت اصبعها على عامل يثير أسئلة عميقة عما يُسمى حياد الشبكة.

عمل تحريري

وروت بيل حكاية مدير في مؤسسة إعلامية قال لها إن فايسبوك الخاص بالاخبار هو أهم قناة يصل بها القراء إلى التقارير التي يكتبها صحافيوه. لكن هذه الآليات، التي تعد قوائم من المعلومات، غير مستقلة عن البشر، بل يصنعها مبرمجون، يمدونها بالمنطق الذي تعد قوائم المعلومات على أساسه.

ولا يختلف هذا كثيرًا عن عمل محرري الصحف، حين يقررون ما يُنشر على الصفحة الاولى، وما يُدفع إلى الصفحات الداخلية. وتُبنى آلية التحرير هذه في السر، لأنها تتسم بحساسية تجارية على ما يبدو. وعلى النقيض من ذلك، فإن الخيارات التي يحددها المحررون يحددونها بشفافية.

وهذه حقيقة مثيرة للاهتمام بحد ذاتها، لكن مغزاها الأعمق يكمن في المعركة المحتدمة بين الإعلام القديم والإعلام الجديد حيث يتباهى الجديد بصفاء روحه متهمًا القديم بالتحيز واللاموضوعية.

السطوة الرقمية

لم يعد ممكنًا القول إن لغالبية الإعلام المطبوع عمرًا مديدًا في المستقبل. فإن من يقول هذا كمن يدفن رأسه في الرمل. لكن من حق الإعلام المحتضر أن يطرح أسئلة وجيهة عما سيحل محله. يقول خبراء وباحثون إن الصحافة التقليدية محافظة، تأمل ببقاء الوضع على حاله رغم انه أمل بلا أساس لأن الثورة التكنولوجية لن تسمح ببقاء الوضع على حاله.

وكان منتقدو الصحافة أمضوا الشطر الأعظم من قرن كامل في الشكوى من سطوة الصحف وأصحابها دون حسيب أو رقيب. وهناك من يتساءل اليوم عن سطوة اصحاب الشركات التكنولوجية من المليارديرات الذين يتحدثون عن حرية الشبكة فيما هم يمارسون سيطرة خفية بلا حسيب أو رقيب.