صُدمت مدينة حلبجة الكردية بمقتل حارس مرمى فريقها غوران محمد في غارة جوية على سنجار حيث التحق بتنظيم "داعش" لمحاربة اشقائه الأكراد في المنطقة ذات الأغلبية الايزيدية والمعروفة بتاريخها العلماني.


عبدالإله مجيد من لندن: شاع نبأ مقتل غوران محمد في 29 تشرين الأول/اكتوبر عندما نشرت وسائل اعلام محلية في اقليم كردستان صورة جثته نقلا عن احد المواقع "الجهادية".

وكان سكان حلبجة الذين يقترن اسم مدينتهم بالهجوم الكيميائي الذي شنه صدام حسين عليها في عام 1988 وليس بتصدير "جهاديين"، أُصيبوا بالذهول قبل ذلك عندما أكد جهاز الأمن في حكومة اقليم كردستان "اسايش" ان 85 من شبابها انضموا الى داعش.
&
وما زال سكان حلبجة في الغالب موالين لحكومة الاقليم وقُتل 30 منهم خلال الأشهر القليلة الماضية في معارك ضد مسلحي داعش.

ولكن المدينة التي نالت تعاطف العالم بعد ضربها بالكيميائي اواخر الثمانينات أخذت اليوم تكتسب صيتاً لا تُحسد عليه بوصفها مصدرا كبيرا للشباب الذين يستعيضون عن الولاء لحكومتهم الكردية العلمانية بالانخراط في صفوف داعش.

وفي هذا الشأن، قال مسؤول رفيع في جهاز "اسايش" لصحيفة التايمز البريطانية "ان تمثيل الاكراد في داعش، بالمقارنة مع جنسيات أخرى من الشرق الأوسط وأوروبا، ما زال صغيرا، يقل على الأرجح عن 200 مقاتل من عموم كردستان. ولكن حلبجة قدمت أكبر عدد من هؤلاء، وهذا مبعث قلق حقيقي لنا".

وبحسب أرقام جهاز اسايش فإن من اصل 85 كردياً من حلبجة انضموا الى داعش خلال الأشهر الماضية، قُتل 23 وعاد 18 آخرون بارادتهم وما زال 25 يقاتلون في صفوف داعش في حين ان وضع الباقين ليس معروفا.
&
ومن شباب حلبجة الآخرين الذين يقاتلون مع داعش اكرام خالد احمد ابن التاسعة عشرة الذي برز اسمه مؤخرا عندما قاد شاحنة مفخخة بنصف طن متفجرات خلال عملية انتحارية فاشلة استهدفت قوات البشمركة قرب مدينة جلولاء في محافظة ديالى شمال شرق بغداد.&

وقال المسؤول في جهاز اسايش ان احمد "فقد اعصابه وفشل في تفجير الشاحنة وهو الآن في السجن".

وتُذكر اسباب مختلفة وراء سمعة حلبجة الآن بوصفها منطقة ترفد صفوف داعش بالمقاتلين. فالمدينة البالغ عدد سكانها 100 الف تعاني المشاكل المعهودة بسبب إهمال الأطراف والتركيز على المدن، أي ارتفاع نسبة البطالة وتدني الاجور وغياب المشاريع التنموية الى جانب الفساد المتفشي في العراق عموما.

وكانت حلبجة دُمرت خلال الحرب الايرانية ـ العراقية وبعد أن قصفها صدام بالسلاح الكيميائي لتفقد موقعها السابق بوصفها مركزا ثقافيا كبيرا أنجب كوكبة لامعة من الشعراء.

وشهدت المدينة صعود جماعات الاسلام السياسي مثل الحركة الاسلامية في كردستان ابان التسعينات. وبحلول عام 2000 تمكنت جماعة "انصار الاسلام" المرتبطة بتنظيم القاعدة من السيطرة على القرى الجبلية المطلة على حلبجة قبل ان تُطرد في معارك عنيفة عام 2003.

وقال مسؤول استخباراتي كردي آخر لصحيفة التايمز "ان نحو 80 في المئة من الموجة الحالية من شباب حلبجة الذين ينضمون داعش، وغالبيتهم في سن المراهقة أو اوائل العشرينات من العمر، تربطهم صلة رحم بأحزاب سياسية اسلامية.

ولكن العامل الأساسي كان اندلاع الحرب في سوريا حين بدأ العديد من الأئمة في المدينة يلقون خطباً بأن حرب سوريا هي حرب الاسلام، وحين أدركوا دلالات خطابهم جاء ادراكهم بعد فوات الأوان".&

وقام هجوم صدام الكيميائي الذي اسفر عن مقتل 5000 شخص في غضون دقائق وآلاف آخرين في السنوات اللاحقة، أسهم بقسطه في ظاهرة التطرف الغريب تقليديا عن تاريخ المدينة السياسي.&

وقال الامام كامل محمد من حلجبة "ان هناك أثرا من الذاكرة بين الجيل الشباب بأن الجريمة الأكبر هنا، وهي هجوم 1988 بالغاز، ارتكبها نظام صدام العلماني كما يُسمى".

وأقر الامام محمد بأن ثلاثة شباب من الذين كانوا يترددون على مسجد النور حيث يلقي خطبه غادروا للانضمام الى داعش.

وقال الامام محمد ان الهجوم الكيميائي "ليس السبب الرئيسي ولكنه عنصر" من عناصر التطرف في المدينة.&

ورغم الصدمة التي أُصيبت بها غالبية سكان حلبجة إزاء سمعتها الجديدة بوصفها مصدرا للتجنيد في صفوف داعش فان هناك انفتاحاً مفاجئاً وحتى شعورا بالشفقة على عائلات الشباب الذين التحقوا بداعش.
&
ويُسمح باقامة مجالس العزاء على ارواح القتلى من اكراد حلبجة الذين انضموا الى داعش ولكن مراسم التشييع ممنوعة، كما في انحاء اقليم كردستان الأخرى. ويتسم الموقف السائد من عائلات مقاتلي داعش في حلجبة بالتعاطف وليس بالغضب.

وقالت والدة غوران محمد حارس مرمى فريق حلبجة الذي لقي مصرعه وهو يقاتل في صفوف داعش "ان احدا لم يقل كلمة واحدة ضد عائلتي بل هم حزينون مثلنا".

واضافت ام محمد "لو عرفتُ ما كان يفكر فيه لما سمحت له بالذهاب. الآن أصبحت حياتنا مجلس فاتحة".