&
رغم حصول الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك على البراءة في قضايا قتل المتظاهرين أثناء ثورة 25 يناير 2011، التي أطاحت بنظام حكمه، إلا أن شبح المحاكمة ما زال يلاحقه، لاسيما مع كشف الكونغرس الأميركي عن تورط نظام مبارك في جرائم التعذيب بالوكالة لصالح المخابرات المركزية الأميركية، في أعقاب أحداث 11 سبتمبر. فضلاً عن إطلاق نشطاء ثوريين حملات تهدف إلى محاكمته شعبياً.

&
رغم تبرئة الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك من تهم تتعلق بالفساد وقتل المتظاهرين، بسبب ثغرات قانونية، إلا أن أصواتًا قانونية وسياسية وشعبية ما زالت تنادي بمحاكمته شعبياً أو إنشاء محاكم ثورية تختص بمحاكمته هو ونجليه وأركان نظام حكمه. ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل ظهرت أصوات أخرى تنادي بمحاكمته دولياً أو مصرياً في جرائم التعذيب بالوكالة التي ارتكبها نظام حكمه بحق معتقلين إسلاميين من جنسيات أخرى، لصالح وكالة الإستخبارات الأميركية في أعقاب ما يعرف ب"أحداث 11 سبتمبر".
&
وتقدم المحامي سمير صبري ببلاغ للنائب العام ونيابة أمن الدولة العليا ضد مبارك ورئيس وزرائه أحمد نظيف، على خلفية تقرير الكونغرس الأميركي الذي كشف تورط النظام في التعذيب بالوكالة، وقال صبري في بلاغه الذي حصلت "إيلاف" على نسخة منه: "لم تكن هناك مفاجاة في تقرير مجلس الشيوخ الاميركي عن التعذيب الممنهج والوحشي الذي ارتكبته الاستخبارات المركزية في سجون سرية على نحو اهدار اية قيمة قانونية أو أخلاقية ذلك أن كل المعلومات الأساسية التي تواتر نشرها علي مدى سنوات طويلة عن أساليب التعذيب ومواقع الاحتجاز وبعضها في المنطقة العربية وكانت مصر من بين الدول التي اشارت اليها أصابع الاتهام بالتعذيب فوق أراضيها في أعقاب تفجيرات ١١ سبتمبر عام ٢٠١١"، مشيرا إلى أن تقرير التعذيب الأميركي الذي كشف عنه مجلس الشيوخ والتعذيب الوحشي الذي أشرفت عليه المخابرات الأميركية "CIA" هو فضيحة بكل المقاييس.
&
ولفت إلى أن "مصر مبارك كان لها نصيب في تلك الفضيحة، بل لعلها كانت أكبر الدول التي أسهمت فى وكالة التعذيب". وأضاف: "عمل مبارك كسمسار في تلك العملية الوحشية، وقد أثير في أثناء حكمه في صحف المعارضة دوره في ذلك"، ونبه إلى أن "التقرير يصف &مصر بأنها الدولة التي استقبلت أكبر عدد من المعتقلين الذين أرسلتهم المخابرات الأميركية، حتى إن رئيس الوزراء الاسبق أحمد نظيف اعترف في عام ٢٠٠٥ بأن الولايات المتحدة أرسلت نحو من &٦٠ إلى ٧٠ فردًا إلى مصر بدعوى الحرب على الإرهاب، وأكد التقرير أن هناك ١٤عملية نقل معتقلين مرصودة خلال ولاية كلينتون قبل جورج بوش الابن اتجهت جميعها إلى مصر".
&
تسهيلات لأميركا
وأوضح سمير في بلاغه: "التقرير يقدم رصدًا للسجون المصرية، حيث تضمنت العمليات سجون طرة واستقبال طرة ومزرعة طرة وملحق المزرعة وليمان طرة وسجن العقرب المشدد. ويضيف التقرير أن مصر سمحت باستخدام مطاراتها ومجالها الجوى لرحلات طيران مرتبطة ببرنامج الاستخبارات الأميركية للاعتقال، حيث سمحت مصر لرحلات طيران تديرها شركة جيبسين داتبلان باستخدام مطاراتها ومجالها الجوي، بالإضافة إلى رصد خمس رحلات على الأقل تديرها شركة ريكمور للطيران، سمحت مصر بدخولها إلى مطاراتها، من ضمنها مطارا القاهرة وشرم الشيخ للغرض ذاته".
&
وأضاف: "هذه اعترافات أميركية باستخدام مبارك وأجهزته الأمنية ونظامه في العمالة الواضحة للمخابرات الأميركية، لتنفيذ أغراض طلبتها الولايات المتحدة بعيدًا عن أراضيها، في الوقت الذي اعترف فيه أيضا مسؤولون مصريون بتلك العمالة".
ووفقاً لنص البلاغ المقدم ضد مبارك، فإنه "لا يصح لدولة تحترم نفسها أن تتجاهل هذة الاتهامات ولا تحقق فيها رغم تأثيرها السلبي على سمعتها الدولية ما يتعين معه تقديم محمد حسني السيد مبارك للمحاكمة الجنائية لاقترافه جريمة العمالة للمخابرات الاميركية، حيث إنها قضية وجريمة متكاملة الأركان ومتورط فيها مبارك وأجهزته الأمنية، وشاهد عليها احمد نظيف رئيس مجلس الوزراء الأسبق".
&
محاكمة شعبية
لم يتوقف الأمر عند حد البلاغ المقدم بشأن ارتكاب مبارك جرائم التعذيب بالوكالة، بل انطلقت حملات دشنها نشطاء ثوريون للمطالبة بمحاكمة مبارك شعبياً في ذكرى أزاحته عن الحكم في 14 فبراير/شباط المقبل. وانتشرت في شوارع القاهرة وعدد من المحافظات ملصقات تدعو إلى محاكمة نظامي الرئيسين السابقين حسني مبارك ومحمد مرسي. وقال محمد حسين، المنسق العام لحركة "تمرد 25 ـ30"، ل"إيلاف" إن الحركة أطلقت حملة باسم «حاكموهم وحاسبوهم»، تستهدف الحشد لإنشاء محاكمة شعبية لنظامي الرئيس الأسبق حسني مبارك والسابق محمد مرسي، وجماعة الإخوان الارهابية، مضيفاً أن الحملة بدأت بلصق بوسترات لها في الشوارع.
ونبه إلى محاكمة مبارك سوف تعقد في ذكرى إزاحته عن الحكم في 11 فبراير المقبل، وتعقد محاكمة مرسي في ذكرى عزله في 3 يوليو المقبل، مشيراً إلى أن الحركة سوف تدعو شيوخ القضاء والمحامين والنشطاء الحقوقيين لحضور المحاكمة. ولفت إلى أن المحاكمة لا تهدف للنيل من القضاء، بل تعمل على توضيح جرائم النظامين اللذين صار ضدهما المصريون.
وأشار إلى أن أعضاء الحركة تعرضوا للإحتجاز في قسم شرطة قصر النيل بوسط القاهرة، أثناء الترويج للمحاكمة، منبهاً إلى أن أعضاء الحركة مستمرون في مسعاهم نحو عقد محاكمة شعبية لمبارك ومرسي.

القانون في صالح مبارك
وحسب القانون فإن هناك إستحالة لإعادة محاكمة مبارك في التهم التي صدر بحقه البراءة فيها، وقال المستشار بهاء أبو شقة، المحامي ونائب رئيس حزب الوفد، ل"إيلاف" إن القانون لا يسمح بمعاقبة المتهم مرتين على جرم واحد، مشيراً إلى أن الأصوات المنادية بإعادة محاكمة مبارك ورموز نظام حكمه عبر محاكم ثورية تجهل صحيح القانون. ولفت إلى أن الدعوات إلى محاكمة شعبية لمبارك ليس لها أي تأثير، لاسيما أن الزمن والواقع تجاوز عهد مبارك وصار في ذمة التاريخ. ونبه إلى أن القضايا المتهم فيها مبارك مازالت منظورة أمام القضاء، في المرحلة الأخيرة، منوهاً بأن محكمة النقض سوف تنظر في النقض المقدم من النيابة العامة، وفي حالة قبوله سوف تحدد جلسة لنظر القضايا موضوعياً وإصدار حكمها الذي سيكون نهائياً وباتاً.
&
الأنظمة التي ثارت ضدها الشعوب ضمن ما يعرف ب"الربيع العربي" بالإضافة إلى أنظمة العالم الثالث تورطت في ارتكاب جرائم التعذيب بالوكالة لصالح أميركا، وقال الناشط السياسي عمرو علي، المنسق العام لحركة 6 أبريل، إن نظام مبارك تورط في جرائم التعذيب داخلياً وخارجياً، مشيراً إلى أن ثورة 25 يناير أندلعت ضد التعذيب بالأساس، والقمع الذي كانت وما زالت تمارسه الشرطة. وأضاف ل"إيلاف" أنه ليس هناك أدنى شك أن نظام مبارك كان عميلاً لأميركا بمختلف الصور.
&
ولفت إلى أن تحقيق العدالة الإنتقالية هو أهم مطلب رفعه شباب ثورة 25 يناير ضد نظام حكم مبارك، مشيراً إلى أنه من الخطأ محاكمة مبارك بالقوانين التي وضعها هو بنفسه، ونوه بأن مطلب العدالة الإنتقالية مازال مرفوعاً ويجب على نظام حكم الرئيس عبد الفتاح السيسي النظر فيه بجدية.
&
تقرير الكونغرس في صالح الضحايا
ووفقاً للدكتور محمود العشري، أستاذ القانون الدولي في جامعة القاهرة، فإن أي شخص تعرض للتعذيب على أيدي نظام حكم مبارك، يحق له تحريك دعاوى قضائية أمام المحاكم المصرية أو الدولية، مشيراً إلى أن تقرير الكونغرس يصب في صالح ضحايا التعذيب من المصريين أيضاً بمن فيهم الإخوان والإسلاميون عموماً. وأضاف ل"إيلاف" أن الضحايا من حقهم أيضاً مقاضاة مبارك أمام المحاكم الاوروبية أو الافريقية أو الأميركية، منبهاً إلى وجود صعوبة بالغة في مقاضاة المسؤولين الأميركيين، لاسيما أن أميركا لديها نفوذ سياسي واسع في مختلف دول العالم، وعلى منظمة الأمم المتحدة.
ووفقاً لتقرير الكونغرس الأميركي فإن "الاستخبارات الأميركية بدأت في إرسال المعتقلين إلى مصر منذ العام 1995 في عهد الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون. وقالت صحيفة "تايم" الأميركية إن "المخابرات المركزية توسعت في عمليات إرسال المعتقلين إلى مصر بعد الحادي عشر من سبتمبر 2001"، مشيرة إلى أن "مصر كانت وجهة للعديد من المشتبه فيهم مثل المواطن المصري حسن مصطفى أسامة نصر المعروف باسم "أبو عمر"، الذي اختطفته المخابرات الأميركية في عام 2003 من أحد شوارع مدينة "ميلان" الإيطالية لينقل إلى ألمانيا وينتهي به الأمر في مصر، حيث تعرض للتعذيب لمدة 14 شهرًا وفقا لتقرير مؤسسة "أوبن سوسايتي".
&وأوضح تقرير الكونغرس أن "مواطنا استراليًا يدعى ممدوح حبيب تعرض للترحيل إلى مصر في عهد الرئيس مبارك لتبدأ عمليات تعذيبه، لافتاً إلى أن مواطنين مصريين أرادا اللجوء إلى السويد وهما محمد الزيري وأحمد عجيزة، تعرضا للتعذيب أيضاً بعد ترحيلهما إلى مصر.
&