لجأ مان مؤنس إلى مواقع التواصل الاجتماعي لنشر رسائله أثناء عملية "حصار سيدني"، لكن نضج المغرّدين أجهض محاولاته. إذ تمكن أصحاب حسابات على مواقع التواصل من الامتناع عن نشر مطالبه ورسائله، التي أرغم المحتجزون على إرسالها عبر حساباتهم، ليؤكدوا بذلك أن الانترنت ليس حكرًا على نشر الإرهاب بل ردعه ايضاً.


عبدالإله مجيد: كانت شبكات التواصل الاجتماعي الرهينة الوحيدة، التي أخفق مان هارون مؤنس في احتجازها مع ضحاياه الآخرين في سيدني هذا الاسبوع. فبعدما رفضت وسائل الإعلام التقليدية بث أو نشر تفاصيل الاتصالات الهاتفية، التي أجراها رهائنه، لجأ مؤنس إلى فايسبوك ويوتيوب، فأجبر رهائنه على استخدام حساباتهم الشخصية لنقل مطالبه بالتحدث مع رئيس الوزراء الأسترالي توني أبوت، والإيحاء بأنه زرع عبوات ناسفة في مناطق مختلفة من المدينة.

رقابة ذاتية
هذه الرسائل لم تنتشر على نطاق واسع على الانترنت، وشركات مواقع التواصل الاجتماعي لم تكن على اتصال دائم مع الشرطة الأسترالية لحجب نصوص الرهائن ورسائلهم فحسب، بل إن مستخدمي هذه المواقع بصفة عامة مارسوا الرقابة الذاتية بدرجة فاجأت العديد من الخبراء.

وقال مصدر في إحدى شركات التواصل الاجتماعي: "هذا كان موقفًا جديدًا علينا، حتى عندما حاولنا أن نتعقب ما يأتي من رسائل ومصدرها، وما إذا كانت حقيقية كان هناك كثيرون يبلغون عنها، ويرفضون تداولها مع آخرين".

وكان شخصان قُتلا مع مؤنس عندما اقتحمت الشرطة المقهى، الذي احتجز فيه الرهائن فيه لمدة 16 ساعة، الثلاثاء الماضي. ويجري الآن تحقيق في ما إذا كان مؤنس هو الذي قتلهما أم لقيا مصرعهما أثناء اطلاق النار.

تواصل ناضج
قال خبراء إن الحادث، الذي كان فريدًا في محاولة مسلح استخدام رهائنه لبث رسالته على امتداد ساعات، أثبت أن مواقع التواصل الاجتماعي بلغت سن النضج. فإن تصرف غالبية مستخدمي الانترنت دحض الرأي الذي يصوّر وسائل الإعلام الجديدة وكأنها "الغرب المتوحش"، حيث يمكن لأي أحد أن ينشر ويبث ما يشاء، كما حدث حين نُشرت صور اتضح أنها مزيفة بعد تفجيرات ماراثون بوسطن.

وقال ستيفن دان، الذي يعمل محاضرًا في كلية الأبحاث الإدارية في الجامعة الوطنية الأسترالية في كانبيرا، إن المسلح الذي كانت أنظار العالم كلها مصوّبة نحوه بفضل كاميرا الفيديو في المقهى، لم يتمكن من إيصال تغريدة واحدة على تويتر أو رسالة واحدة على فايسبوك إلى دائرة واسعة من الجمهور.

تجاوب المغردين
ونقلت وكالة رويترز عن دان قوله: "إن الرسالة الموجّهة إلى من يحاولون الأسلوب نفسه تتمثل في أن مواقع التواصل الاجتماعي تتحلى بقدر من المسؤولية الاجتماعية أكبر مما كان يعتقد كثيرون".

وكان عدد من الرهائن المرعوبين سجلوا أشرطة فيديو على يوتيوب، مستخدمين حساب عامل في المقهى، ثم نُقلت إلى تويتر. ونشر آخرون تحديثات هيستيرية على صفحاتهم على فايسبوك، لكن هذه المواد بقيت محصورة ضمن دائرة محدودة.

وامتنعت شركات فايسبوك وغوغل، التي تملك يوتيوب وتويتر، عن التعليق على دور مواقع التواصل الاجتماعي، مشيرة إلى أنها طرف في التحقيق الرسمي في الحادث. لكن متحدثة باسم فايسبوك أوضحت أن الموقع كان يتجاوب مع توجيهات الأجهزة الأمنية وتعليماتها خلال حصار المقهى، وأن الشركة ستواصل تعاونها مع التحقيق.

طلبات صغيرة
وكانت أول رسالة على فايسبوك جاءت من الرهينة مارسيا ميخائيل، التي تعمل موظفة في مصرف، قائلة إن لدى المسلح طلبات صغيرة وبسيطة، وإنه بدأ يهدد الرهائن بقتلهم ويريد أن يعرف العالم بأن أستراليا تحت الهجوم من تنظيم الدولة الإسلامية (داعش).

وسارعت ابنة أخت ميخائيل إلى إضافة نداء على صفحة خالتها تناشد فيه المستخدمين ألا يتبادلوا أو يتشاركوا أي رسائل من الرهائن، لأن الارهابي الذي يحتجزهم يستخدمها وسيلة اتصال بالعالم الخارجي، ومن شأن هذا أن يهدد حياة خالتها والرهائن الآخرين.

واستجابت غالبية مستخدمي الانترنت للنداء، وأسفر نقل رسائل الرهينة إلى فايسبوك عن إزالتها. كما تمكنت فايسبوك من مراقبة حسابات المستخدمين خلال الأزمة مع تقديم قائمة بالأسماء ذات العلاقة إلى الشرطة. واتخذ العاملون في يوتيوب خطوات مماثلة بعد تلقي تحذيرات عن وجود أربعة أشرطة فيديو تحدثت فيها أربع نساء محتجزات عن مطالب مؤنس. وقال مصدر في شركة غوغل إن العاملين في يوتيوب تحركوا بسرعة، وتمكنوا من إزالة هذه الأشرطة بلا إبطاء.

ارتدت عليه
كانت تويتر تحيل المستخدمين إلى الشرطة الأسترالية، وقام العديد منهم بترويج حسابات الشرطة، مشجعين الآخرين على الامتناع عن تبادل أي تغريدات بالفيديو، مصدرها الرهائن.

ونقلت رويترز عن المصدر قوله: "إن تويتر لم يكن لها دور مباشر في مستوى الرقابة الذاتية، التي مارسها المستخدمون، لحرمان محتجز الرهائن من استخدام شبكات التواصل الاجتماعي لمصلحته".

ويرى خبراء أن محاولات مؤنس استخدام مواقع التواصل الاجتماعي لم تفشل فحسب، بل ارتدت عليه أيضًا، فالحركة باتجاهين تعني أن الشرطة كانت تحصل على معلومات دقيقة عمّا يجري داخل المقهى عن طريق تحديثات مباشرة على الهواء.

وفي حين أن مؤنس فشل في تسخير شبكات التواصل الاجتماعي في خدمة مآربه، فإن مسافرة واحدة على قطارات سيدني تدعو إلى التضامن مع المسلمين على فايسبوك أسهمت بقسط بالغ الأثر على هذه المنصات نفسها، إذ لاقت رسالتها التضامنية استجابة واسعة، وانتشرت تغريدات يتعهد أصحابها بمؤازرة أي مسلمين أستراليين يتوجسون تعرّضهم إلى ردود أفعال ممكنة في وسائل النقل العام بجريرة مؤنس.
&