استلم السفير الأميركي الجديد في مصر مهامه رسميا، ورغم خبرته الكبيرة في العمل الدبلوماسي في المنطقة العربية، فإن إعادة العلاقات الأميركية المصرية الى سابق عهدها مهمة غير يسيرة بعد الفتور الذي أصابها بُعيد عزل محمد مرسي.


صبري عبد الحفيظ من القاهرة: بعد أن ظل المنصب شاغراً قرابة 15 شهراً، ما زاد من توتر العلاقات بين البلدين، عينت وزارة الخارجية الأميركية الدبلوماسي ستيفن بيكروفت، في منصب السفير الأميركي لدى مصر.

واعتبر خبراء أن تسلم السفير الجديد مهامه في القاهرة، يعد مؤشراً على تحسن العلاقات بين البلدين، لاسيما أنها شهدت توتراً واضحاً في أعقاب الإطاحة بنظام الرئيس السابق محمد مرسي، حيث عمدت دوائر صنع القرار في الإدارة الأميركية إلى استخدام وصف "انقلاب عسكري" للتغيير الذي حصل في مصر بتاريخ 3 يوليو/ تموز 2013، وأطاح بحكم جماعة الإخوان المسلمين.

استلم مهامه

وعينت وزارة الخارجية الأميركية بشكل رسمي، السفير السابق لدى الأردن والعراق، روبرت ستيفن بيكروفت، سفيراً لبلاده في القاهرة، وتسلم مهام منصبه، بعد أن ظل المنصب شاغراً لنحو 15 شهراً، في أعقاب إنتهاء فترة عمل السفيرة السابقة آن باترسون، التي غادرت مصر في 30 أغسطس/ آب 2013، بعد أن أثارت الكثير من الجدل حولها في مصر، وتعرضت لانتقادات واسعة، ووصل الأمر إلى حد إتهام تيارات سياسية ودوائر إعلامية مصرية لها بدعم جماعة الإخوان المسلمين.

وتولى دافيد ساترفيلد، مدير عام القوة متعددة الجنسيات في سيناء، في شهر أغسطس/ آب 2013، منصب القائم بالأعمال الأميركي حتى يناير/ كانون الثاني الماضي، وحل محله مارك سيفرز، نائب رئيس البعثة الدبلوماسية للسفارة الأميركية.

خبرة دبلوماسية

عمل بيكروفت سفيراً للولايات المتحدة في الأردن، خلال الفترة من أغسطس/ آب 2008 وحتى يونيو/ حزيران 2011.

وشغل منصب نائب رئيس البعثة الدبلوماسية في السفارة الأميركية في العراق، في يوليو/ تموز 2011. ثم عمل في منصب القائم بالأعمال بعد إنتهاء فترة عمل السفير جيمس جيفري، في يونيو 2012. ثم شغل منصب السفير الأميركي في العراق. كما عمل في السفارتين الأميركيتين في سوريا والمملكة العربية السعودية.

ووفقاً لبيان للسفارة الأميركية، فإن "مهام السفير بيكروفت السابقة تشمل العمل في واشنطن كمساعد تنفيذي لاثنين من وزراء الخارجية السابقين ومساعداً خاصاً لنائب وزيرة الخارجية. كما شغل أيضاً عدة مناصب في السكرتارية التنفيذية ومكتب شؤون الشرق الأدنى في وزارة الخارجية الأميركية. وهو حاصل على العديد من جوائز الاستحقاق، والتفوق، وجوائز الشرف من الخارجية الأميركية".

وأضافت السفارة الأميركية: "وقبل انضمامه إلى السلك الدبلوماسي، عمل السفير بيكروفت في مجال القانون في مكتب إحدى شركات القانون الدولي في مدينة سان فرانسيسكو. وهو حاصل على شهادة البكالوريوس من جامعة بريجهام يونج والدكتوراة في القانون من جامعة كاليفورنيا في بيركلي".

الحلف الأميركي المصري

يرى بيكروفت، أن مصر حليف استراتيجي لأميركا في المنطقة، وقال خلال جلسة استماع في مجلس الشيوخ الأميركي: "مصر واحدة من أهم دول المنطقة العربية، وتمثل حليفًا استراتيجيًا مهمًا للولايات المتحدة ومصالحها"، مشيرا إلى أن "تلك المصالح مرتبطة بشكل وثيق بالأمن القومي الأميركي، ويأتى على رأسها، قناة السويس، وأهميتها كمعبر للقوات الأميركية وتعتبر ثالث أكبر سوق للصادرات الأميركية في الشرق الأوسط، وتمثل الولايات المتحدة ثاني أكبر مصدر للاستثمارات المباشرة في مصر".

وصول السفير الأميركي الجديد للقاهرة، يؤشر على تحسن العلاقات مع مصر، وعودتها إلى طبيعتها.

وقال السفير مصطفى عبد العزيز، مساعد وزير الخارجية الأسبق، إن العلاقات بين مصر وأميركا تشهد تحسناً ملحوظاً منذ وصول الرئيس عبد الفتاح السيسي للحكم بانتخابات نزيهة وشفافة، مشيراً إلى أن أميركا اقتنعت وغيرت وجهة نظرها في التغيير السياسي الذي حصل في 3 يوليو/ تموز 2013، بتدخل الجيش وإزاحة الرئيس السابق محمد مرسي عن الحكم، انتصاراً لثورة شعبية خرجت في 30 يونيو من العام نفسه.

تدهور العلاقات

وأضاف عبد العزيز لـ"إيلاف" أن بعض مسؤولي الإدارة الأميركية كانوا يعتقدون أن ما حصل يمثل إنقلاباً عسكرياً، لكن بالعودة إلى المسار الديمقراطي وإنتخاب السيسي عدلت أميركا من وجهة نظرها السياسية.

ولفت إلى أن السفير الجديد سوف يسعى إلى تعزيز التعاون والتواصل السياسي والإستراتيجي مع مصر، مشيراً إلى أن عمله سفيراً لبلاده في الأردن والعراق، ومن قبل عمله دبلوماسياً في سفارتي بلاده في سوريا والسعودية، يجعله قادراً على التعامل بحيوية مع المسؤولين المصريين.

ونبه إلى أن وزارة الخارجية الأميركية تفادت أن تأتي بشخصية لم تجرب العمل في المنطقة العربية لتفادي ارتكاب السفير لأية أفعال قد تثير غضب الرأي العام المصري، كما فعلت السفيرة السابقة آن باترسون، منوهاً بأن الأمر وصل إلى حد خروج تظاهرات وتدشين حملات تطالب بسحبها، بل ومحاكمتها بتهمة دعم الإرهاب.

وحسب وجهة نظر السفير محمد العشري، مساعد وزير الخارجية الأسبق، فإن روبرت بيكروفت، يرتبط بعلاقات وثيقة مع الرئيس الأميركي باراك أوباما، كما أنه عمل مساعداً لوزيري الخارجية السابقين كولن باول، وكونداليزا رايس.

وأضاف لـ"إيلاف" أن بيكروفت يتحدث اللغة العربية بطلاقة، ولديه شبكة علاقات واسعة مع الدبلوماسيين العرب، اكتسبها من طول فترة عمله في المنطقة العربية، ولفت إلى أنه يتمتع أيضاً بعلاقات واسعة مع منظمات المجتمع المدني، ولديه اهتمام خاص بقضايا حقوق الإنسان، وسبق أن حصل على جائزة من وزارة الخارجية الأميركية تقديراً لنشاطه في هذا المجال.

ويتوقع العشري أن يتولى بيكروفت مهمة إصلاح العلاقات المصرية الأميركية، وإعادتها إلى طبيعتها، لاسيما أنها لم تتعاف تماماً من التوتر الذي شهدته منذ الإطاحة بنظام حكم حسني مبارك في 11 فبراير/ شباط 2011، معتبراً أن خبرات بيكروفت الكبيرة في العمل الدبلوماسي في المنطقة العربية تؤهله لهذه المهمة.

وضع الحريات

ولأن أوضاع الحقوق والحريات تشهد تراجعاً واضحاً في مصر، حرص مدير منظمة هيومان رايتس ووتش، بريان دولي، على توجيه بعض النصائح لبيكروفت بعد تسلم مهام عمله.

وقال في تصريحات له، إنه يجب على السفير الأميركي الجديد عقد لقاءات مع نشطاء المجتمع المدني المصريين، وزيارة مكاتب منظمات المجتمع المدني لإظهار دعمه لهم، داعياً إياه إلى ضرورة توجيه موظفي السفارة إلى ضرورة متابعة المحاكمات القضائية للنشطاء السياسيين والحقوقين، بل دعاه إلى حضور المحاكمات شخصياً، معتبراً أن ذلك من شأنه أن يطلعه على النظام القضائي في مصر بشكل واضح.

وأضاف: "يجب على السفير تشجيع موظفيه لقاء مسؤولي الحكومة المصرية وقادة المجتمع المدني جنبًا إلى جنب مع دبلوماسيين من بلدان أخرى، لإظهار جبهة موحدة ضد القمع، وأن يظهر لمصر أنها ليست مستهدفة"، لافتاً نظر السفير إلى أنه سوف يتعرض لهجمات من وسائل الإعلام المصرية، إلا أنه دعاه أيضاً إلى الثبات في وجه تلك الهجمات وألا يدعها تخفيه.