ندد مجمع البحوث الإسلامية بفتوى أزهري قال فيها إن المسلم هو من نطق بشهادة "لا إله إلا الله"، سواء آمن بمحمد أم بالمسيح، واعتبر الأزهر هذا الزعم مخالفة جريئة للكتاب والسنة.
&
القاهرة: أكد الدكتور سعد الدين الهلالي، رئيس قسم الفقه المقارن بكلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر، وعضو المجالس القومية المتخصصة وعضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، أن الشهادتين "لا إله إلا الله ومحمد رسول الله ركنُ الإسلام الأوَّل، الذي هو رسالة محمد ومن دون الإقرار بهاتين الشهادتين معًا لا يكون الإنسان مسلمًا مؤمنًا بمحمدٍ ورسالته، وما صدر عن مجمع البحوث الإسلامية ضدي من انتقادات وتهكم ووصفي بالمنحرف جاء اعتمادًا على ما نشرته مواقع إخبارية من عبارات محذوفة وناقصة، ولم يكلف الأزهر نفسه تحري الحقيقة والتحقيق في ما قلته"، وذلك في معرض رده على انتقاد من الأزهر، إذ أفتى بأن المسلم من آمن بمحمد أو بالمسيح.

وقال لـ"إيلاف": "الإخوان والسلفيون وجه آخر لداعش الإرهابي بنشر إسلامه المتشدد، إذ يرفضون أي نوع من التجديد في الخطاب الديني القائم على البعد عن الآراء الفقهية ذات الرأي الأوحد، الذي يتوافق مع تحقيق مصالحهم الدنيوية، وللأسف هناك البعض من رجال الأزهر الشريف يسيرون على هذا المنوال، ما يحول الحديث عن مواجهة الإرهاب إلى كلام إعلامي من دون فعل حقيقي".

وفي ما يأتي متن الحوار:

ما حقيقية فتواك أن المسلم من نطق بشهادة لا إله إلا الله، سواء آمن بمحمد أم بالمسيح؟

لم يصدر مني هذا الرأي الذي تداولته بعض المواقع الإخبارية عن قولي "أنت مسلم ولو لم تؤمن بالنبي محمد" وهو قول مجذور على طريقة "لا تقربوا الصلاة"، وما قلته بالضبط أن كتاب الفتاوى الفقهية الكبرى لابن حجر الهيتمي يوضح حكم من آمن بالأنبياء قبل النبي محمد، الرأي الأول قال فيه إن كل من آمن بالأنبياء قبل النبي محمد مسلمون، وذلك لأن أنبياءهم مسلمون فكيف يكون نبيهم مسلمًا وهم ليسوا بمسلمين، واستدل على ذلك بقوله تعالى: " أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَٰهَكَ وَإِلَٰهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَٰهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ". أما الرأي الثاني لابن حجر الهيتمي إذ قال إن المسلمين هم من آمنوا بآخر الأنبياء مع الأنبياء السابقين، ولو أنكروا سيدنا محمد ليسوا بمسلمين.

يفهم من ذلك أن شهادة (أن محمدًا رسول الله) ركن وجزء لا يتجزأ مع شهادة التوحيد؟

دين الإسلام الخاتم مبني على الأركان الخمسة، والتي يأتي النطق بالشهادتين في مقدمتها، كما أكدت نصوص الكتاب والسنة أن إسلام المرء لا يتم ولا يكتمل إلا بهما معًا، وأن شهادة (أن محمدًا رسول الله) ركن وجزء لا يتجزأ مع شهادة التوحيد بـ (لا إله إلا الله) لتحقيق صفة الإسلام الخاتم الموصوف في قوله تعالى "اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا". وحسبنا قوله تعالى وحديث الصحيحين عن ابن عمر أن النبي قال: "بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا عبده ورسوله", وعند البخاري "إيمان بالله ورسوله".

إهانة لعلمي

طالما لم تصدر عنك هذه الفتوى، فلِمَ وصف مجمع البحوث الإسلامية فكرك بالمنحرف؟

مجمع البحوث الإسلامية أخطأ في حقي، وأصدر بيانه اعتمادًا على ما نشر في مواقع إخبارية وصفحات التواصل الاجتماعي، من دون بذل مجهود للوصول إلى حقيقة نص الكلام الذي صدر مني. كان على أعضاء المجمع استدعائي ومواجهتي بما قلته على سبيل التحقيق معي على اعتباري أحد أبناء مؤسسة الأزهر، لقوله تعالى :"إنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ"، وما حدث معي يعتبر إهانة كبيرة لعلمي وتاريخي الفقهي.

هل تعتبر ما حدث ضدكم من إساءة مقصودًا؟

لا أستطيع الدخول في النيات، لكنّ هناك رفضاً لمن يطالب بتجديد الخطاب الديني. قلت أكثر من مرة أنني لست مفتيًا لكني أتبع مدرسة نقل الآراء الفقهية المختلفة التي قيلت في قضية فقهية ما، وعلى المسلم اختيار المناسب له من الآراء، وهذا ما يجب أن تكون عليه المؤسسة الدينية في مصر وعلى رأسها الأزهر وهيئة كبار العلماء ومجمع البحوث الإسلامية، فدورهم مقتصر على توصيل علوم الدين للناس، وليس فرض الفتاوى وآراء فقهية معينة.

ما أفتوا بل نقلوا

هناك من يرفض مدرسة نقل الآراء الفقهية المختلفة على اعتبار أن الناس ليست لديهم القدرة على اختيار المناسب لظروفهم؟

من يردد هذا الكلام هم المتشددون في أمور الدين. فللمسلم القدرة على الاختيار، والخلفاء الراشدون ومن بعدهم الأئمة الأربعة والتابعون لم يصدر عنهم فتوى في مسائل فقهية بل كانوا ناقلين ما صدر عن النبي، لكنّ الإخوان والسلفيين وعلى مثيلتهم تنظيم داعش الإرهابي وباقي التنظيمات الإرهابية المختلفة هي التي تحارب التجديد في الإسلام من أجل توظيف الآيات القرآنية والأحاديث النبوية لتحقيق مصالحهم وأغراضهم الدنيوية. إذا أراد الأزهر محاربة الإرهاب عليه الابتعاد عن الرأي الأوحد في الفتوى، وهو نفس ما تؤمن به جماعات الإخوان والسلفيين الذين شوهوا الخطاب الديني في مصر منذ 100 عام.

لكن الدستور المصري اختص الأزهر وحده بالفتوى كمرجعية أساسية للمصريين، فهل ذلك يعطيه الحق بانتقاد ما يراه مخالفًا لأمور الدين ؟

الدستور لم يعطِ الحق للأزهر بالانفراد بأمور الدين والفتوى. نصت المادة السابعة من الدستور أن الأزهر يتولى مسؤولية الدعوة ونشر علوم الدين واللغة العربية في مصر والعالم، وليس إلزام الناس بآراء فقهية واحدة، لأنه لا يوجد في الإسلام ما يسمى بالفتوى الملزمة. هناك عرض لكافة الآراء الفقهية في القضية محل النقاش، وهذا الدور يؤديه الأزهريون وغيرهم طالما كان من أهل علم وفكر ومعرفة، ومن حق أي إنسان نقل الآراء الفقهية، والمؤسسة الدينية ليست وصية على أحد.

هناك من يهاجم صحيح البخاري، فهل تترك له الحرية في ذلك؟

نرفض الآراء التي تثير الفتنة، والشخص الذي له رأي شاذ في صحيح البخاري أو ثوابت الدين مثل الملحدين نقول لهم لكم الحرية لكن احتفظوا بها لأنفسكم، وعليكم احترام آخرين يحترمون صحيح البخاري.

تصحيح الخطاب الديني

هل نحتاج إلى تغيير جوهري في الخطاب الديني ؟

آن الأوان لتصحيح الخطاب الديني الذي خدع الناس بإعلاء الشعار على المضمون وتقديم الشكل على الجوهر، وإذا كنا مؤمنين بالقرآن والسنة حقًا فعلينا أن نتبع دلالاتهما التي تقنع فطرة الإنسان السوية وتطمئنه على أن خطاب السماء لكل البشر، فكيف بالرسول يترك الناس أحرارًا في اختيار دينهم وأحرارًا في فهم كلام ربهم، ثم يأتي بعض الشواذ ممن يطلق عليهم جماعات إسلامية وجهادية وإخوان وسلفيين ليفرضوا على الناس فهمهم المتقلب وثقافتهم المتغيّرة على أنها دين بالإكراه، والله الحق يقول: «لَا إِكْرَاهَ فِى الدِّينِ» .

هل يعتبر الفكر السلفي في مصر هو العائق أمام تجديد الخطاب الديني؟

الفكر السلفي خطير جدًا. نجح الخطاب الديني الفاشل عند السلفيين في تعقيم العقل بكل السبل الشيطانية، وترويج الباطل على أنه الحق، مستغلين أمية يحرصون على بقائها وانتشارها، وديدنهم أن يقتنع إنسان بدين معين ولو كان هو الإسلام على فهم يرضيه كفهم السلفيين أو الإخوان أو الجهاديين ثم يكره الناس على اتباعه، أو يعتبر غير المؤمنين بفهمه كفرة أو زنادقة .

ما مقياس الفتوى الصحيحة؟

الفتوى الحقيقية الصحيحة تمر بمرحلتين: الأولى تنويرية، وتقوم على دراسة القضية محل البحث لمعرفة أبعادها، وأفضل من يقوم بهذه المرحلة أهل الذكر بالعلم والخبرة، لعموم قوله تعإلى: {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ}، والثانية انتقائية من بين الأوجه الفقهية المتعددة. المسلم مطالب باختيار الرأي الشرعي المناسب لظروفه وأوضاعه وما يستقر عليه قلبه وفكره، أما إذا ترك هذا الاختيار لأهل الذكر للفتوى، فإنه يجعل دينه لهم ولا يجعله لله كما قال سبحانه: {وَيَكُونَ الدِّينُ لِلهِ}.