تقف تونس في يوم انتخاباتها الرئاسية بدورتها الثانية عند منعطف تاريخي لا يستهان به. فصندوق الاقتراع اليوم يرسم وجهة تونس في مرحلة جديدة من تاريخها، بعد ثورة الياسمين.

بيروت: لم تكن تونس مهد الربيع العربي فحسب، بكل كانت من مهّد لموجة من التغييرات النفسية العربية، تتراتب تداعياتها مع مرور الزمن، أبرزت بين ما ابرزته كلمة لا مفر من الاضاءة عليها: "الفلول".

Dégage!

إن أردنا البقاء ضمن تونس الخضراء، يبدو الباجي قائد السبسي، أحد المرشحين الوحيدين للرئاسة، اللذين وصلا إلى الدورة الثانية من الانتخابات، للكثير من الثوريين ومن الاسلاميين بقية من فلول عهد المخلوع زين العابدين بن علي وزوجته. فهو لم يغادر موقفه الذي يستلهمه، كما يردد دائمًا، مما علق في ذاكرته من عهد الحبيب بورقيبة، الذي يحتفظ له بتمثال في مكتبه.

على الجانب الآخر من الصراع الانتخابي، يقف الاسلامي محمد المنصف المرزوقي ممسكًا برمح "ثورة" طارق طيب محمد البوعزيزي، مذكرًا من نسي في تونس بأنه رجل هذه الثورة وحافظها، وحاميها من حراميها "الجديد"، ولسان حاله لسليل العهد البائد: "Dégage" (إرحل بالفرنسية)، وهي الكلمة التي قالتها الشرطية فادية حمدي للبوعزيز حين صفعته أمام الملأ في 17 كانون الأول (ديسمبر) 2010، وأضرم بسببها في جسده النار.

إلى أين؟

اليوم، قبل ساعات قليلة من اصطفاف التونسيين أمام صندوقة الاقتراع، لا يمكن إلا الاعتراف بأن المرزوقي والسبسي ما قدما للتونسيين جوابًا شافيًا لسؤالهم: "تونس إلى أين؟".

ففي خلال أسابيع حامية من التراشق "الانتخابي"، بقي السجال شخصيًا، فلا برنامج إلا الاتهامات، ولا مشاريع، ولا خطط مستقبلية إلا التباهي بالمقدرات الصحية هنا وبالخبرة السياسية هناك.

فقد أجمع المراقبون المحليون والدوليون على صعوبة استشفاف نقاط الاتفاق والاختلاف بين المرشحَين في الميادين الأمنية والاقتصادية والخارجية والاجتماعية... متناسيين أن هذه هي ميادين اهتمامات التونسيين، ما أذكى نار الفراق بين أهالي تونس.

فقال مايكل العياري، من مجموعة الأزمات الدولية، إن الانتخابات أيقظت الجراح القديمة في العملية السياسية التونسية، وحالة الاستقطاب بين الإسلاميين والعلمانيين نتجت بين الاختلاف بين جنوب يعاني الإهمال وبين ساحل غني، "من دون أن يقدم أي من الرجلين حلولًا شافية لسمات هذا الاختلاف".

تعايش

وأفادت دراسات للرأي في تونس بأن فارق التصويت بين السبسي والمرزوقي سينحصر في نقطتين إلى ثلاث كحد أقصى، فيفوز أحدهما بنسبة 51 بالمئة مقابل 49 بالمئة للآخر، علمًا أن الفارق كان في الدورة الأولى بحدود 6 نقاط، فكانت النسبة كالآتي: 39 بالمئة للسبسي و33 بالمئة للمرزوقي.

يرد المراقبون تقلص الفارق بين الرجلين إلى سببين، هما انحسار المنافسة لتقتصر على مرشحين فقط بعدما كانت بين 27 مرشحًا، وتقاسم الطرفين عدة نقاط ايجابية من شأنها أن تدفع لتناصف نسب التصويت.

وإن صح تقدير المراقبين، فتونس مقبلة على مرحلة من التعايش الاسلامي العلماني، ينتظر أن تكون نموذجًا للحكم "الرشيد"، من دون العودة إلى الشارع، يمكن أن تحتذي به دول مشت على خطى تونس في الربيع العربي.