اعتبر رئيس منظمة أوروبية معنية بالحريات في العراق أن تأسيس بيئة ثابتة للمصالحة السياسية في هذا البلد يتطلب منع توغل إيران في شؤونه وإقصاء الميليشيات الطائفية وتطهير الجيش وتحويله إلى قوة محترفة ووطنية قادرة على مواجهة الارهاب، اضافة إلى إعادة تأسيس استقلال السلطة القضائية وابعاد الذين حولوا النظام القضائي في العراق إلى أداة سياسية.


لندن: قال استرون ستيفنسون، رئيس المنظمة الأوروبية لحرية العراق حاليًا، رئيس لجنة العلاقات مع العراق في البرلمان الأوروبي بين عامي 2009 و2014، في مقابلة مع "إيلاف"، إن أكبر خطأ ارتكبته الولايات المتحدة في العراق هو تسليمها العراق لخصمها إيران، التي استغلت ذلك لتوسيع نطاق نفوذها في المنطقة، مما سهل تقدمًا منفلتًا لسياساتها التوسعية وتصدير "الثورة الاسلامية".

وهنا نص الحوار:

إلى أي مدى تعتقد أن العبادي قادر على انتزاع العراق من هيمنة إيران التي هيّأ لها سلفه المالكي؟

- العالم ينظر الآن إلى حيدر العبادي للسيطرة واستعادة النظام داخل العراق. يجب عليه أن يبدأ باعتقال الميليشيات الوحشية المرتبطة مع النظام الإيراني مثل بدر، عصائب وكتائب الإرهابيين، وكذلك العصابات الإجرامية الأخرى التي لعبت دورًا هامًا في حكم المالكي الذي حرض على الحرب الطائفية في العراق. كما يجب تطهير الجيش من المرتزقة الإيرانية وجميع تلك التي جندها المالكي تحت سياسة طائفية، واستعادة الضباط الوطنيين وتحويله إلى جيش محترف ووطني، فهذا الجيش وبدعم من القبائل والناس سيكون قادرًاعلى مواجهة الجماعات الإرهابية المتطرفة مثل تنظيم الدولة الإسلامية "داعش".

يجب على رئيس الوزراء الجديد أيضًا الكشف للشعب العراقي أسماء أولئك الذين نفذوا عمليات الإعدام والمذابح والقصف والهجمات الصاروخية ضد الأبرياء، اضافة إلى المسؤولين عن الفقر والفساد في الدولة. كل شيء يجب أن يحاسب في المحاكم. لا بد له من إعادة تأسيس استقلال السلطة القضائية وابعاد هؤلاء الذين حولوا النظام القضائي في العراق إلى أداة سياسية تمارس من قبل المالكي.

لا بد له أيضًا اعتقال ومحاسبة مرتكبي المجازر الستة في مخيمي أشرف وليبرتي لمنظمة مجاهدي خلق على الاراضي العراقية، والتي أدت إلى مقتل 116 شخصًا وجرح وتشويه المئات أكثر ولا بد له من الامر برفع الحصار اللا إنساني، وخاصة الحصار الطبي، ضد اللاجئين الإيرانيين في المخيمين وضمان حقوقهم وامنهم وحقهم في ممتلكاتهم.

يجب على الحكومة العراقية الجديدة إعداد الأرضية لإجراء انتخابات ديمقراطية حرة ونزيهة مبكرة تحت إشراف الأمم المتحدة لاستعادة السيادة الحقيقية لممثلي الشعب. آمل بالتأكيد أن الدكتور العبادي سوف يتخذ خطوات سريعة نحو تنفيذ هذه التدابير لتحقيق رغبات جميع شعب العراق بهذه الطريقة، وبذلك سوف يتمتع بدعم كامل من المجتمع الدولي وخاصة الاتحاد الأوروبي فهو في يديه الآن استعادة الدور التاريخي لإنقاذ العراق أو اكمال تفككه.

ماهي أنجع السبل لاقتلاع تنظيم "داعش" من العراق؟

-يجب أن تكون استراتيجية هزيمة داعش قائمة أساسًا على بديل فكري وديني ونقيض له، يكون قادرًا على ايجاد تحدٍ استراتيجي لهذه القراءة القائمة على العنف والتخلف والتطرف من الاسلام. إن دعمًا أميركيًا قويًا لاسلام متسامح وديمقراطي في هذه المنطقة من الشرق الأوسط سيلعب دورًا بناء في تجفيف بيئة التطرف سواء أكان سنيًا على غرار داعش أو نسخة شيعية منه تتمثل في النظام الإيراني وعملائه قاسية القلوب.

ماهي الدوافع التي حدت بالولايات المتحدة لتسليم العراق إلى إيران رغم الخسائر التي تكبدتها ماديًا وبشريًا خلال سنوات احتلاله؟

- قد يكون أكبر خطأ ارتكبته اميركا في العراق هو ترك النظام المولود الجديد في هذا البلد بعد احتلاله و تقديمه إلى خصمه إيران وعملائها، حيث استغلت طهران هذا الانفتاح غير المسبوق من أجل توسيع نطاق نفوذها في العراق والمنطقة، مما سهل تقدمًا منفلتًا لسياسة إيران التوسعية طوال ثلاثة عقود وتصدير "الثورة الاسلامية"، حيث مكن ذلك طهران من ترسيخ سيطرتها على الداخل الإيراني ومد نطاق تهديداتها ضد مصالح الغرب.

فقد مد النظام الإيراني سيطرته على العراق خلال العقد الماضي، وذلك عن طريق:

‌أ. تشكيل وتعزيز الميليشيات الشيعية والسيطرة على السلطات المحلية
‌ب. توغل الميليشيات العراقية والمجموعات الموالية لإيران في المناصب السيادية في البنى السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية العراقية.
‌ج. مخادعة اميركا وتعزيز قدرات عناصر موالية لإيران بهدف تحكيم السلطة في مناصب نافذة.

وهناك ثلاثة أسباب رئيسية ادت إلى هيمنة إيران على العراق:

‌أ. مجيء نوري المالكي إلى السلطة في عام 2006
‌ب. الاتفاق الاستراتيجي بين العراق والولايات المتحدة وانسحاب القوات الاميركية من العراق بعد ابرام هذا الاتفاق
‌ج. سياسة ادارة أوباما الاقليمية وهزيمتها المثيرة للاستغراب في احتواء فاعل لنفوذ إيران المتزايد في العراق.

إلى أي مدى تعتقدون أن الولايات المتحدة جادة في منع إيران من التدخل في الحرب مع تنظيم "داعش" في العراق خاصة وأن قائد فيلق القدس قاسم سليماني يقود قوات المتطوعين العراقيين الشيعة الذين يقاتلون التنظيم؟

- إن الخروج بحل لهذه الأزمة دون مشاركة فعالة وواسعة من قبل السنة والقوى العشائرية في اعادة تأسيس العملية السياسية المتعثرة أصبح بعيدًا عن أرض الواقع بشكل مثير للاحباط، فيما هذه القوى التي برزت قوتها الرئيسية بشكل جلي عندما طردت القاعدة بنجاح، هي جاهزة للمواجهة على أرض الواقع.

ولكن ومن أجل افساح المجال لهم لاسهامهم بشكل أكثر تأثيرًا، فلابد من تصحيح السياسة الراهنة واعادة تقويمها لتكون سياسة جديدة واحترازية لمنع توغل إيران في العراق واقصاء العوامل الفاعلة والمثيرة والضاربة على وتر الحساسيات والنزاعات الطائفية. فميليشيات شيعية من أمثال منظمة بدر وعصائب أهل الحق وكتائب حزب الله يجب طردها من الساحة ليتسنى تأسيس بيئة ثابتة للمصالحة السياسية.

ما هو المطلوب من حكومة العبادي لضمان سلامة وحقوق اللاجئين الإيرانيين من منظمة مجاهدي خلق في مخيم الحرية ليبرتي بضواحي بغداد؟

- يجب ضمان امن وسلامة وحقوق اللاجئين الإيرانيين في مخيم الحرية ليبرتي واحترام ملكيتهم على ممتلكاتهم في مخيمي أشرف وليبرتي، ويجب تقديم مرتكبي الجرائم السابقة ضدهم إلى العدالة.

على العبادي أن يتخذ خطوات إيجابية لإنهاء الحصار الإجرامي على مخيم ليبرتي، وخاصة الحصار الطبي، وضمان أمن السكان وكذلك احترام حقوق هؤلاء اللاجئين لان مثل هذا التعامل سيكون أوضح مؤشر جديد على التزام الحكومة بسيادة القانون والاتفاقيات الدولية لا بد له أيضًا اعتقال ومحاسبة مرتكبي المجازر الستة ضد مخيمي أشرف والحرية .

توجهون دائمًا انتقادات لتعامل الحكومة العراقية مع السنة، ماهو المطلوب من الطرفين للتوصل لاتفاق شراكة حقيقية في قيادة البلاد؟

- التعامل الجديد لابد أن يتمثل في منع نفوذ إيران في العراق وهو الحل السياسي الدائم للحرب الطائفية المتعاظمة التي يعاني منها العراق والمنطقة. وفي حال غير ذلك أي في حال غياب مثل هذا البديل فإن الحرب ضد داعش ستتحول إلى حرب طائفية بين الشيعة والسنة سيندلع لهيبها بين حين وآخر على مر الزمن حتى وان اخمد فتيلها وقتيًا وظرفيًا، اضافة إلى توريط المنطقة بهذه الحرب لعقود متتالية.