تتسع دائرة العداء للمهاجرين والمسلمين في ألمانيا، وتشكلت منظمة "أوروبيون وطنيون ضد أسلمة الغرب"، في ما يعني نشوء مجتمع راديكالي موازٍ لمجتمع التسامح الألماني.

إعداد عبد الاله مجيد: كانت الاحتجاجات التي تُنظم كل اثنين في مدينة درسدن الألمانية ضد المهاجرين بصفة عامة، والمسلمين تحديدًا، تستدرج في البداية بضع عشرات إلى مئات، لكن اعداد الألمان الذين ينزلون إلى الشارع للمشاركة في هذه التظاهرات بلغ أخيرًا نحو 10 آلاف في هذه المدينة الصغيرة.

وتقف منظمة تطلق على نفسها اسم "اوروبيون وطنيون ضد أسلمة الغرب" وراء الاحتجاجات ضد المهاجرين، وضد ما تسميه "هيمنة الأجانب ثقافيًا على ألمانيا".

تراجع التسامح

أثار تصاعد الحملة ضد المسلمين والمهاجرين تساؤلات عما إذا كانت ألمانيا، التي تشكل ثاني أكبر وجهة لطالبي اللجوء والمهاجرين في العالم، فقدت روح الانفتاح والتسامح التي نال عليها الألمان ثناء العالم طيلة السنوات الماضية.

وما زالت التظاهرات التي تُنظم تحت شعار الاحتجاج على أسلمة ألمانيا محدودة في المدن الألمانية الأخرى، بل أن بعض الاحتجاجات أطلقت تظاهرات مضادة أكبر حجمًا. لكنّ مؤيدي منظمة "اوروبيون وطنيون ضد أسلمة الغرب" ينتظرون انتهاء موسم الاعياد والعطل للعودة إلى الشوارع في مدن مختلفة، مثل كولون ودسلدورف واونا.

ألمانيا تتأسلم

بالرغم من الأعداد المحدودة من المحتجين، فإن كثيرًا من الألمان يشاطرونهم آراءهم. وأظهر استطلاع اجرته مجلة شبيغل أن نحو 34 بالمئة من الألمان يتفقون مع المحتجين من منظمة "اوروبيون وطنيون ضد أسلمة الغرب".

وحتى قبل ظهور هذه الحركة، كانت اعداد المحتجين اليمينيين تتصاعد في عموم ألمانيا. وقالت منظمات لمساعدة اللاجئين ومناهضة العنصرية إن الأشهر العشرة الأولى من هذا العام شهدت أكثر من 200 تظاهرة ضد مراكز إيواء طالبي اللجوء.

ويهاجم المتظاهرون اليمنيون مساكن ايواء طالبي اللجوء ما متوسطه مرتين كل اسبوع في ألمانيا. وفي 10 كانون الأول (ديسمبر) هاجم محتجون يمينيون ثلاثة أبنية مخصصة لسكن طالبي اللجوء برسم علامة الصليب المعقوف عليها ثم اضرام النار فيها. واعلنت المستشارة انغيلا ميركل أن مثل هذه الاعتداءات لا يمكن السكوت عنها".

منحرفون إجتماعيًا

تبين الأرقام الرسمية أن يمينيين هاجوا مراكز ايواء طالبي اللجوء 86 مرة خلال الفترة الواقعة بين كانون الثاني (يناير) ونهاية ايلول (سبتمبر) 2014. واشتملت هذه الاعتداءات على اضرام النار واعتداءات جسدية خطيرة ورسم رموز ممنوعة بموجب الدستور الألماني.

يضاف إلى ذلك أن الانترنت غُمر بعدد لا يُحصى من مواقع الكراهية والعنصرية وجماعات فايسبوك يمينية متطرفة. وتتحدث مدونة واحدة معادية للمسلمين عن زهاء 70 ألف زائر في اليوم.

وتتضافر حركات مختلفة في موجة التظاهرات المعادية للمسلمين والمهاجرين. واعرب مواطنون عن القلق لتزايد اعداد المحافظين الذين ينبذون القيم الديمقراطية في حين أن مشاغبين ومنحرفين اجتماعيًا يضمون قواهم إلى النازيين الجدد واليمينيين القائلين بوجود مؤامرة يحيكها المسلمون للسيطرة على ألمانيا.

ويتضاءل رفض المواطنين لليمين المتطرف فيما أصبحت الأفكار المتطرفة المعادية للأجانب مقبولة اجتماعيًا، بحسب مجلة شبيغل.

قلق الحكومة الألمانية

تعايش هذا الخليط من الحركات والأفكار هو ما يجعل من الصعوبة بمكان التعامل مع مَنْ نصَّبوا أنفسهم منقذين للغرب ضد خطر الأسلمة.

وفي حين أن غالبية المتظاهرين لا يريدون أن يُحسبوا على اليمين المتطرف فانهم لا يرون ضيرًا في التظاهر اسبوعًا بعد آخر بجانب حثالات من حليقي الرؤوس العنصريين والمنحرفين والجانحين للهتاف معهم "نحن الشعب!".

وترى جماعات يمينية متطرفة مثل الحزب الوطني الديمقراطي المعادي للمهاجرين في الاحتجاجات فرصة لإيصال وجهة نظرها إلى الطبقة المتوسطة مباشرة. واصبحت حركات شعبوية كانت مغمورة في دائرة الضوء بين ليلة وضحاها مثل حركة مواطني الرايخ التي تقول إن الرايخ الألماني ما زال قائمًا في حدوده قبل الحرب العالمية الثانية.

على محمل الجد

واعترفت الأجهزة الأمنية الألمانية بالقلق إزاء هذا التطور. ونقلت شبيغل عن مسؤول رفيع في جهاز الأمن الداخلي المعروف باسم مكتب حماية الدستور قوله: "نأخذ الأمر على محمل الجد". وبدأ مكتب الادعاء العام اجراءات ضد تصاعد خطر اليمين المتطرف والعداء للمسلمين والمهاجرين".

وقال متحدث باسم المكتب إن أمام الادعاء العام أكثر من 100 قضية ترتبط بنشاطات يمينية متطرفة. وبحثت الأجهزة الأمنية في اجتماع عُقد أخيرًا العلاقات بين المنحرفين والمشاغبين والنكرات والبلطجية من جهة والمتطرفين اليمينيين من الجهة الأخرى، بما في ذلك حركة "اوروبيون وطنيون ضد أسلمة الغرب" وفروعها وسبل التعامل مع الاحتجاجات التي تنظمها.

تحريض على المسلمين

لكن وزراء داخلية الولايات الألمانية اخفقوا في إعداد خطة مقنعة لمكافحة هذه الحركات والتيارات اليمينية والعنصرية. ونقلت شبيغل عن ماركوس اولبيغ وزير داخلية ولاية ساكسونيا من حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي الحاكم قوله: "لا نستطيع أن نسمي 10 آلاف شخص متطرفين يمنيين، لأن هذا يخلق من المشاكل أكثر مما يحل".

وبحسب أولبيغ، هناك الكثير من مواطني الطبقة الوسطى بين المتظاهرين، ولا يمكن وضعهم جميعاً في خانة النازيين الجدد. وقال نظيره رالف ييغر وزير داخلية ولاية ويستفاليا ـ شمال الراين من الحزب الاجتماعي الديمقراطي: "علينا أن نفضح هؤلاء الذين يتعمدون بث الخوف والتحريض على التحامل". لكنه دعا إلى تنظيم حملات توعية لمحاربتهم بدلًا من ملاحقتهم قضائيًا.

مجتمع متطرف

يقول تسيك: "إن مجتمعًا راديكاليًا موازيًا قيد النشوء"، مضيفًا أن ما يثير القلق بصفة خاصة أن عددًا من الجماعات والمنظمات الصغيرة التي كانت منفصلة في السابق تلتقي الآن لتكوين "هوية قومية وشوفينية مشتركة".

وإلى جانب المعادين للمسلمين واليورو وذوي النزعات النازية الجديدة، هذه الجماعات تضم اليوم متطرفين يمينيين من النمط التقليدي، واعدادًا كبيرة من الأشخاص الذين لم يعودوا يكترثون لهذا البلد"، على حد تعبير تسيك.

وأضاف: "ظهور حركة "اوروبيون وطنيون ضد أسلمة الغرب" جعل من الممكن توحيد كل هذه الجماعات تحت راية واحدة، وهذا تطور خطير لأن هناك كثيرين من ذوي النزعات العنيفة في هذه الجماعات. وهذا الاستعداد لارتكاب اعمال عنف ملموس حاليًا أكثر من كونه قابلًا للقياس".

وأوضح تسيك المختص بعلم النفس الاجتماعي أن الشعارات المعادية للأجانب التي يرفعها المتظاهرون يمكن أن تُعد تهديدات مبطنة وكأنّ المتظاهرين يريدون العودة إلى مثل ألماني عرقي أعلى. وقال انهم قد يهتفون "نحن الشعب" ولكن لسان حالهم يقول "نحن الشعب الألماني العرقي". وهي رسالة موجهة إلى المهاجرين والمسلمين والغرباء حصرًا.