ادى انسحاب مقتدى الصدر من الحياة السياسية إلى ارباك اتباعه، في وقت يعتبر نوري المالكي اكبر المستفيدين من الكتلة الضخمة التي لم تعد تجدالتيار الصدري خيارًا متاحًا لها.

كانت ميليشيا مقتدى الصدر من بين أكبر التهديدات للقوات الاميركية في وقت مبكر من غزوتها للعراق، وكان حزبه السياسي أكبر قوة شيعية في البلاد. لكن انسحاب الزعيم من السياسة يأتي قبل أشهر فقط من الانتخابات مما يعني أن المالكي سيحظى بدفعة قوية هو بأشد الحاجة إليها.

انسحاب الصدر
انسحب رجل الدين الشيعي العراقي مقتدى الصدر من السياسة بين عشية وضحاها، مفككًا حركته السياسية في خطوة فاجأت أتباعه، وأعطت دفعة مبكرة لرئيس الوزراء نوري المالكي قبيل الانتخابات. وأعلن الزعيم الشيعي في قرار مفاجئ انسحابه من العمل السياسي في البلاد، وإغلاق جميع مكاتبه السياسية وحل تياره، من دون أن يتضح ما اذا كان هذا القرار موقتًا أو دائمًا.
وقال الصدر في بيانه: quot;أعلن عدم تدخلي بالأمور السياسية كافة، وأن لا كتلة تمثلنا بعد الآن، ولا أي منصب داخل الحكومة وخارجها ولا في البرلمانquot;، مشيرًا إلى إقفال جميع المكاتب وملحقاتها على كافة الأصعدة الدينية والاجتماعية والسياسية.
وأبقى الصدر على بعض المؤسسات الخيرية والتعليمية والإعلامية، لكنه برر قراره بالقول إنه جاء quot;حفاظًا على سمعة آل الصدرquot;.
وهذا القرار كان له وقع الصاعقة على رؤوس أنصار ومسؤولي التيار الصدري، فيقول حاجي العامري: quot;إنها كارثة بالنسبة لنا، لكننا نطيع أوامرهquot;. وفي المكاتب السياسية للحزب في وسط بغداد، استبدل الحراس ملابسهم العسكرية بأخرى مدنية وكانوا يستعدون لتسليم الممتلكات الحكومية. وقال حارس يعمل على تنظيف مدرعة ذات دفع رباعي تستخدم من قبل المسؤولين السياسيين: quot;نحن نغسل السيارات لنعيدها إلى الحكومةquot;.
المالكي المستفيد الوحيد
يقول محللون سياسيون إنه مع الانتخابات المقرر إجراؤها في نيسان (أبريل)، من المرجح أن المالكي وحزب الدعوة سيستفيدان من كتلة ضخمة من الناخبين، التي لم تعد تجد التيار الصدري خيارًا متاحًا لها.
ويقول المحلل العراقي سعد اسكندر: quot;من الذي سوف يستفيد من كل هذا؟ المالكي بالطبع، فالصدر هو الوحيد في العراق الذي يمكن أن يدمر المالكي، لأنه زعيم قسم كبير من المحرومين في المجتمع، إنه أشبه بروبن هود العراقquot;.
في مدينة الصدر، قال العامري إن الوفود من جميع انحاء البلاد تصل إلى النجف في محاولة لاقناع الصدر بتغيير رأيه.
وبيان الصدر يشير إلى أنه حل الحركة السياسية ردًا على الفساد داخل مكاتبه في العراق وخارجه. وجاءت هذه الخطوة بعد حملة لمكافحة الفساد دامت عامًا داخل المنظمة، وبعد أن اتضح أن ما لا يقل عن ستة أعضاء من البرلمان قد صوتوا في اقتراع سري على زيادة معاشات نواب البرلمان التي تعتبر في الأساس مبالغاً بها.
يقول اسكندر: quot;اعتقد أن الصدر جاد هذه المرة، شعر بخيبة أمل من رجاله الذين خانوه بعد أن رفع راية الصدق ومكافحة الفساد، وعندما وجد أن البعض من أعضاء البرلمان قد صوتوا لصالح قانون رفع الأجور، شعر بغضب شديد، اعتقد أنه كان مسيطرًا لكن هذا لم يكن صحيحًا على الإطلاقquot;.
تأثيرات لا يمكن التنبؤ بها
كان الصدر قوة سياسية مهمة، والزعيم الشيعي الأكثر نفوذًا في العراق. في العام 2004، شكّل quot;جيش المهديquot; شبه العسكري أكبر تحدٍ لقوات الولايات المتحدة منذ الإطاحة بصدام حسين فتعهد بطرد المحتلين الأجانب، ما دفع عشرات الآلاف من اتباع الصدر لمحاربة الجنود الأميركيين، وكثير منهم من الفقراء والشباب.
دخل الصدر في وقت لاحق في مرحلة نبذ العنف واختار العملية السياسية كبديل، فشكل أكبر كتلة شيعية في الانتخابات الوطنية ورمى بثقله وراء حكومة المالكي الائتلافية.
ثم أعلن أن المالكي أصبح ديكتاتورًا، وسحب الدعم السياسي منه، لكنه لم ينفذ تهديداته بتحطيم الحكومة الائتلافية. ويقول أحد مستشاري المالكي أن أيًا من الوزراء الستة المنتمين إلى التيار الصدري لم يطرحوا استقالاتهم رسميًا، وسيتم التأكد من هذه المسألة في حال لم يظهروا في الاجتماع الاسبوعي لمجلس الوزراء.
بانتظار النجف
quot;نحن لا نعرف حتى الآن ما إذا كان هذا القرار دائمًا أو موقتًا. الصدر غيّر رأيه في الماضيquot;، يقول علي الموسوي، المتحدث باسم رئيس الوزراء، مضيفًا أن هذه الخطوة ستشجع الناخبين للبحث عن quot;وجود سياسي أكثر استقرارًاquot;.
quot;الأيام القادمة سوف تكشف ما إذا كان سيعود أم لا، لكني لا أعتقد ذلكquot;، كما يقول حاجي العامري، مشيرًا إلى أن الجميع في حيرة من أمرهم وينتظرون تعليمات مرجع النجف لمعرفة لمن سيصوتون في الانتخابات.