لم يكن الموقف الثلاثي لدول الخليج العربية، المملكة العربية السعودية والإمارات والبحرين، غريبًا أو مستغربًا بإعلان سحب السفراء من الدوحة.
لم تأتِ خطوة الدول الثلاث، وهي الحريصة على ديمومة مجلس التعاون الخليجي واستمراره وثباته إلا بعد استنفاذ كل أدوات الدبلوماسية والصبر سواء بسواء من ممارسات دولة قطر. وفي الأشهر الأخيرة ضربت الدوحة عرض الحائط بكل التحذيرات والرسائل الموجهة لها في السّر والعلانية من جاراتها وشقيقاتها بالعودة إلى السرب لا أن تبقى تغرّد خارجه سياسياً ودبلوماسياً وأمنياً.
وكانت الآمال معلقة على الأمير الجديد تميم بن حمد آل ثاني أن يعيد قطر من غيبتها إلى الحضن الخليجي والعربي سواء بسواء، مثل هذه الآمال راحت أدراج الرياح.
مبادرة لم تأتِ
كانت السعودية والبحرين والامارات تأمل من الدوحة أن تبادر ولو بتنفيذ مطلب واحد وquot;يتيمquot;، وهو ليس عسيراً عليها، وهو وقف جموح الداعية المصري (القطري الجنسية) وفتاواه وخطبه النارية ضد الشقيقات الخليجيات من على منبر جامع عمر بن الخطاب في الدوحة.
لم تبادر قطر ولم تُقدم على خطوات عملية وواقعية مقنعة، على أنها كانت وعدت على لسان أميرها تميم بن حمد ليس بـ(لجم) القرضاوي وحسب، بل ووقف حملات فضائية (الجزيرة) المستمرة بـ quot;الغمز واللمزquot; ضد الشقيقات الخليجيات.
تقول المصادر الدبلوماسية المتابعة للشأن الخليجي أن موقف قطر الداعم والحامي والحارس والمشجع لهجمات القرضاوي وخطبه المستمرة، دفعالدول الثلاث الى اتخاذ موقفها الحاسم بسحب السفراء.
خطب القرضاوي وخاصة الأخيرة التي هاجم فيها المملكة العربية السعودية والامارات دون أن يسميهما quot;قصمت ظهر البعيرquot; وقادت الى قرار سحب السفراء.
كان القرضاوي الذي اوقف عن خطبة الجمعة لأسبوعين بعد هجومه المباشر على دولة الإمارات عاد ليخطب وهذه المرة بلهجة حادة واستفزازية، فهو قصد عامدًا متعمدًا السعودية والإمارات حين قال:quot;أولئك الحكام الذين دفعوا مليارات الدولارات ليخرجوا الرئيس محمد مرسي من الحكم واتوا بالعسكر الذين اكتسبوا آلاف الملايين من قوت الشعب، ولم يكتفوا بذلك بل سلبوا الناس كل حقوقهم من حرية وعدالة وديمقراطيةquot;.

تعهد تميم
هذا الهجوم الكلامي السافر، نسف كلياً، حسب مصادر خليجية اتفاق المصالحة والتعهدات المكتوبة التي كان قدمها الشيخ تميم بن حمد آل ثاني امير دولة قطر للعاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز في حضور امير دولة الكويت الشيخ صباح الاحمد الجابر، اثناء اللقاء الثلاثي الطارئ في الرياض في كانون الاول (ديسمبر) 2013 . في اللقاء المذكور كانت السعودية حذرت من إبعاد قطر من مجلس التعاون الخليجي اثناء القمة الاخيرة للمجلس في الكويت.
كان الشيخ تميم تعهد بوقف دعم الاخوان المسلمين في الخليج ومصر، ووقف حملات قناة (الجزيرة) الفضائية على السلطات المصرية ودعم مظاهرات الاخوان المسلمين واحتجاجاتهم، والالتزام بسياسات مجلس التعاون الخليجي في هذا الاطار.
حينها، كشفت المصادر الدبلوماسية أن خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز عاهل السعودية هو الذي كان استدعى الشيخ تميم بن حمد أمير قطر، وجعله يوقع على ورقة يتعهد فيها بوقف السياسات المعادية للسعودية ومصر والكويت، ووقّع الأمير بالفعل على هذه الورقة قبل أسابيع.
وإذ خففت قطر من ممارساتها الإعلامية قليلاً ضد دول الخليج عقب التوقيع على التعهد، لكن معظم سياساتها على أرض الواقع لم تتغيّر، فعادت الهجمات الاعلامية بقوة سواء من منبر مسجد عمر بن الخطاب حيث القرضاوي، أو من (الجزيرة) وصحف قطرية، الأمر الذي يؤكد أن دولة قطر quot;لحست جميع تعهداتهاquot; التي اتخذتها أمام الكبار.