أمام الرئيس المصري الجديد مهمات كبيرة في ترميم علاقات مصر الإقليمية والدولية، والتعامل مع ملفات العلاقات الشائكة مع إيران وسوريا وقطر وتركيا.

القاهرة: أثارت تطورات ومتغيرات المشهد السياسي المصري، في ضوء امتداداته مع المحيطين الإقليمي والدولي، تساؤلات بالغة الأهمية، منها كيف سيعيد الرئيس القادم ملف علاقات مصر الدولية لتحقيق مطالب ثورتي كانون الثاني (يناير) 2011، وحزيران (يونيو) 2013، وتجنب مخاطر التآمر الخارجي على الثورتين؟ وكيف سيكون شكل ومضمون علاقات مصر بإسرائيل وتركيا وإيران وقطر وإثيوبيا؟

شخصية قوية

الدكتور جهاد عودة، أستاذ العلوم السياسية، قال: quot;إذا كان الرئيس القادم ذا شخصية قوية، سواء كان السيسي أو غيره، وأتوقع أن يكون السيسي، فيجب أن يكون قادرًا على جذب استثمارات إقليمية ودولية كثيرة، عبر استقطاب علاقات متكافئة، وفرض الاحترام المتبادل مع كل الدول، وأن يكون قادرًا على تجنيب مصر المزيد من الفشل الذريع في صنع السياسات، الذي عانت منه مصر في فترة حكم محمد مرسيquot;.

أضاف عودة لـ quot;إيلافquot;: quot;لو أصبح لدينا شخصية قوية في منصب الرئاسة، على غرار السيسي أو شخصية أخرى مسيطرة ومتمكنة من أدوات السلطة التنفيذية وفقًا لسلطات الرئيس الدستورية، فانه سيكون قادرًا على التفاوض مع الأطراف الدولية، وسيكون قادرًا أيضًا على العقاب كونه قادرًا على منح المزايا، وسيمكنه ذلك من إدارة ملف العلاقات الدولية مع إسرائيل بشكل يلزمها باتفاقية كامب ديفيد، وبالتنسيق الأمني الذي يحقق مصلحة مصر في سيناء، والاستقرار في شبه الجزيرة وتخليصها من الإرهاب الأسود، لكن عليه الابتعاد عن ملف تعديل كامب ديفيد، حتى لا تنفلت الأمور بشكل يعيق التنمية، في وقت تعاني فيه مصر من مشاكل اقتصادية واجتماعية طاحنةquot;.

سوريا وأمن مصر

أكد عودة أن القاهرة لن تكون مطالبة في عهد الرئيس القادم بالتقارب مع دمشق، quot;لأن علاقات مصر وسوريا قوية، بحكم أن سوريا ترتبط بالأمن القومي المصري من ناحية الشرق، ولا ينبغي على الرئيس الجديد الدخول في علاقات صدامية مع تركيا، خصوصًا أن لدى أنقرة استثمارات هائلة في مصر، كما أن الحكومة التركية ستكون مجبرة بعد وصول رئيس قوي لمقعد الرئاسة على التعامل مع القاهرة بسياسة مختلفة، لا تنطوي على ضرر لمصر، لأن مصر ستكون وقتها قادرة على الإضرار بتركيا، خصوصًا أن الرئاسة القوية ستكون مدعومة بظهير شعبي قويquot;.

وتوقع عودة توطيد العلاقات المصرية العربية في ظل الرئيس المرتقب، وقال: quot;عليه تخفيف حدة الصراع مع قطر، لا سيما أن الأخيرة ستغير مواقفها حال التفاف الشعب المصري حول قيادته الجديدةquot;.

ورد عودة صبر الشعب على الرئيس ذي الشخصية القوية إلى ثقة الشعب في رئيسه وفي دوافعه الوطنية، معتبرًا أن ذلك سينطوي على آثار قوية تساعد رأس النظام الجديد على معالجة ملف العلاقات الدولية، وذلك بعد فترة من تزييف وعي الرأي المصري العام من جانب الرئيس المعزول وجماعة الإخوان المسلمين.

دبلوماسية حقيقية

وفي حديثه لـ quot;إيلافquot;، قال عودة: quot;علاقات مصر بمحيطها الإقليمي والدولي ستكون قوية حال وجود رئيس قوي، شريطة أن يفسح الرئيس المجال لبناء دبلوماسية شعبية حقيقية بين الشعب المصري وشعوب المنطقة، ويجب أن تتسم دبلوماسيته حينئذ بالتنمية على المستوى القاعدي، وتكون عابرة للقوميات، لتحقيق مصالح وطنية، وهي دبلوماسية تبني علاقات مع الشعوب وليس مع مجرد مجموعات كما كان يحدث في عهد مرسي، خاصة في إثيوبيا وإيران وروسيا وقطر، وهذه العلاقات كانت تهدف إلى تبادل المصالح الشخصية ولا تمت لواقع مصلحة الوطن المصرية بصلةquot;.

وعلى الصعيد الإيراني، اقترح عودة دخول القاهرة وطهران في علاقات ودية وقوية تحقق مصالح الطرفين، من دون الدخول في علاقة تحالف مع طهران، quot;لأنها تسعى لتشييع المنطقة وتصدير الثورة الإيرانية، ولا يمكن البناء على التحالف السوري الإيراني لإقامة تحالف إيراني مصري، quot;لأن تحالف دمشق وطهران قائم على أساس مذهبي وطائفي، فإيران تساند العلويين في سورياquot;.

الخيار العسكري مع إثيوبيا

يطلب الدكتور فؤاد عبد النبي، الخبير السياسي وأستاذ القانون الدستوري في جامعة 6 أكتوبر، من الرئيس القادم أن يقف وقفة قوية بوجه سد النهضة الإثيوبي، حتى لو وصل الأمر لدرجة التعامل عسكريًا مع السد قبل بنائه.

وأشار عبد النبي، في حديثه لـ quot;إيلافquot;، إلى أن موقف الحكومة الإثيوبية متعنت، وله خلفية تاريخية منذ بناء السد العالي، ويريد الإضرار بمصر وتجويعها مائيًا. ووصف ضرب السد في ظل التعنت الإثيوبي بالمطلب المصري، لكنه ربط بين ذلك وبين استنفاد كل الوسائل الدبلوماسية، ومن بينها التحكيم الدولي، بعد فشل وسيلة التفاوض.

وأضاف عبد النبي: quot;المادة 43 من الدستور المصري الحالي توجب على الرئيس القادم منع بناء سد النهضة بكل الطرق الممكنة، وهذه المادة تلزم الرئيس بحماية نهر النيل وبحماية الحصة التاريخية المقررة لمصر من مياه النيل والمقدرة بـ 55.5 مليار متر مكعبquot;.

التزام بكامب ديفيد

بحسب عبدالنبي، يجب أن تبقى العلاقات بين مصر وإسرائيل على ما هي عليه، فلا يتطرق الرئيس القادم إلى تعديل اتفاقية كامب دايفيد لا بالنقصان ولا بالزيادة، quot;فالتجربة أثبتت أن إسرائيل ملتزمة بها بدليل موافقتها على دخول قوات مصرية إضافية لمحاربة الإرهابquot;، مشيرًا إلى أن حديث مرسي والإخوان عن ضرورة تعديل الاتفاقية بعد أحداث 25 كانون الثاني (يناير) كان بمثابة أفعال كيدية وانتهازية ونفعية، والدليل دخول مرسي وجماعته في علاقات مشبوهة كانت ستفضي إلى بيع سيناء مقابل تمكين المشروع الاخواني.

وشدد عبد النبي على ضرورة دعم العلاقات مع سوريا إلى أعلى مستوى، بعد دعم العلاقات مع روسيا، quot;بعدما تبين للجميع أن سوريا تتعرض لمؤامرة لتقسيمها في ضوء المؤامرة الأميركية لتقسيم مصر وسوريا والعراق، والتي تلعب فيها الجماعات التكفيرية في سوريا والتابعة للإخوان دور رأس الحربة لتفتيت العالم العربيquot;.

وطالب عبد النبي الرئيس القادم بتبني علاقات غير صدامية مع إيران وتركيا، وان يعمل على حلحلة مواقفهما وسحب البساط الاخواني من تحت أقدامها. كما طالبه بعلاقات متينة وقوية مع الدول العربية التي وقفت إلى جانب ثورة 30 حزيران (يونيو).

رغبة إيران في التغلغل

استبعد عبد النبي أن يدخل الرئيس القادم في علاقات قوية أو إستراتيجية مع إيران، بسبب رغبة النظام الإيراني في التغلغل في المنطقة وتكريس نفوذه فيها، متوقعًا أن يقوم الرئيس القادم بإعادة ترتيب علاقات مصر الدولية، بحيث تكون روسيا داعمًا لتوجهات مصر 30 حزيران (يونيو) وداعمة لها بالسلاح والتكنولوجيا، وان تلعب الصين دورًا مساندًا لمصر في ما يتعلق بسد النهضة الإثيوبي، وبحيث يكون هناك تقارب بين مصر وكوريا الشمالية.

أما الدكتور جمال زهران، أستاذ العلوم السياسية في جامعة السويس والنائب السابق، فقال إن إعادة ترتيب علاقات مصر الدولية سيتوقف على مدى رغبة الرئيس القادم في تطبيق أهداف ثورة 25 كانون الثاني (يناير) ومكملتها 30 حزيران (يونيو). وأوضح في حديثه لـ quot;ايلافquot; ان مصر ستدخل في علاقات أقوى مع روسيا ومع حلفاء روسيا بفعل التأثير الروسي، خاصة إذا ما ظلت الولايات المتحدة على مواقفها.

وأكد زهران أن الرئيس القادم مطالب بإقامة علاقات قوية مع روسيا تساهم في بناء مصر بعد ثورة 30 حزيران (يونيو)، مشيرًا في الوقت عينه إلى ضرورة الحفاظ على علاقات القاهرة بواشنطن، خصوصًا انه لا يمكن تجاهل الولايات المتحدة لأنها دولة عظمى.