تركة الإسلاميين الذين حكموا تونس لعامين، كانت ثقيلة في جوانبها الأمنية والسياسية والاقتصادية والديبلوماسية. والآن، يحاول مهدي جمعة رئيس الحكومة الموقتة تصحيح المسار، خاصة على مستوى العلاقات الخارجية، أملاً في إنقاذ ما يمكن إنقاذه.


مجدي الورفلي من تونس: بعد الإنتكاسة التي شهدتها الدبلوماسية التّونسيّة خلال السنتين الماضيتين، والأخطاء التي وصفها مختصّون بـquot;القاتلةquot; على مستوى السياسة الخارجيّة للبلاد، يبدو أن حكومة مهدي جمعة وضعت تحسين العلاقات الخارجيّة وتلميع صورة البلاد من أهمّ اولويّاتها أملاً في النّهوض بالإقتصاد الذي يقف على حافّة الإنهيار، حسب عديد الخبراء.

quot;النهضةquot; غيّرت السياسة الخارجية

رافق صعود الإسلاميين إلى الحكم، تغيّرٌ في بعض مواقف الدبلوماسية التونسية من بعض القضايا الإقليمية والعربية كالملف السوري والموقف من الوضع الفلسطيني الداخلي، ممّا دفع خبراء وسياسيين بوصفها بالعشوائيّة وخضوعها لأجندة ورؤية حزبيّة ضيّقة على حساب المصلحة العليا للبلاد، خاصّة خلال تولّي رفيق عبد السّلام، صهر الشيخ راشد الغنّوشي، حقيبة الخارجيّة.

زياراتوازنة

ومنذ تسليم حكومة الإسلامي علي العريّض مقاليد السّلطة لحكومة مستقلّة، شهدت الدبلوماسيّة التّونسيّة حركيّة لم تعرفها حتّى بعيد الثّورة.

إذ مثّلت تونس وجهة كبار الدبلوماسيين في العالم، وكانت زيارة وزير الخارجية الاميركي quot;جون كيريquot; والرّوسي quot;سيرغي لافروفquot; أهمّها.

المدير السّابق للعلاقات العربيّة الأوروبيّة بجامعة الدّول العربيّة أحمد الهرقام تحدّث لـquot;إيلافquot; عن الزيارات الدبلوماسيّة التي شهدتها تونس مؤخّرًا قائلاً: quot;كل من كانوا يرغبون في إستقالة حكومة النّهضة ومنهم من دفعها للخروج من الحكم برفق، تدافعوا للتّرحيب بحكومة جمعة والتّعبير عن إستعدادهم للتّعاون معها في كل المجالات، وزياراتهم المفاجئة لم تكن صدفة أو حادثة، بل كانت في إطار إستراتيجيّة في التّعامل مع بلدان الرّبيع العربيquot;.

وتابع الدبلوماسي التّونسي: quot;اعتقد أن الرّغبة في التعامل مع تونس بمعزل عن الإيديولوجيا الإسلاميّة هو الذّي دفع أهل القرار على السّاحة الدّوليّة لتجديد الرّغبة في التّعامل مع تونس، ويبدو أن هذه الدّول في مقدّمتها الولايات المتّحدة غيّرت إستراتيجيّتهاquot;.

الإسلام السياسي خيار فاشل

قال الهرقام لـquot;إيلافquot;: quot;تبيّن بالكاشف أن خيار الإسلام السّياسي فشل والوضع في ليبيا كارثي كذلك في سوريا، هذا ما جعل القوى العظمى تعيد ترتيب بيتها وحفظ ما تبقّى من مصالحها في دول المنطقة بما فيها تونسquot;.

وأردف: quot;زيارة وزير الخارجيّة الرّوسي مثلاً لها وجهان الأّول في إطار التسابق مع الولايات المتّحدة في كسب ودّ الدّول الشرق أوسطيّة والمغاربيّة واعتقد أن الولايات المتّحدة راجعت حساباتها في تأييد الإسلام السّياسي كبديل عن الأنظمة البوليسيّة السّابقة، فتجربة حكم الإسلاميّين كانت فاشلة في كل من مصر وتونس، ولذا غيّرت إستراتيجيّتها وهذا نقرأه في مراكز التّفكير الأميركية والألمانيّة والفرنسيّة...رغم أن تونس لم يلحق بها ما لحق ببقيّة دوّل الرّبيع العربي من ضررquot;.

وعبّر وزير الخارجية الأميركي جون كيري الذي زار تونس في 18 فيفري/فبراير الماضي عن الدعم الأميركي للبلاد، وتلت زيارته تلك، زيارات عديدة أهمّها التيقام بهاسيرغي لافروف في بداية مارس/آذار الجاري.

حراك دبلوماسي

وبدأ مهدي جمعة، رئيس الحكومة التونسية السبت، جولة تشمل خمس دول خليجية، هي الاولى له بالمنطقة منذ تسلمه مهامه نهاية كانون الثاني/يناير الماضي.

وتتواصل هذه الجولة، التي تشمل الامارات والسعودية وقطر والكويت والبحرين، إلى حدود 19 آذار/مارس الجاري.

وحلّ جمعة بالمملكة العربية السعودية الاحد قادماً من الإمارات العربية المتحدة، في ثاني محطة من زيارة إلى الخليج العربي تقوده أيضاً إلى كل من البحرين والكويت وقطر، وتهدف إلى جمع الدعم والعون الاقتصادي لتونس، التي تقترب من إنهاء المرحلة الانتقالية.

الحكومة تُصلح

ويرى المدير السّابق للعلاقات الأوروبيّة العربيّة بجامعة الدّول العربيّة أن حكومة جمعة بدأت في إصلاح ما أفسدته حكومة الترويكا على مستوى السّياسة الخارجيّة والعلاقات الدّوليّة بخطى عمليّة ثابتة وإعطاء وجه وصورة أخرى لتونس ومردودها الدبلوماسي، وهو ما سينعكس إيجابًا على الوضعين الإقتصادي والإجتماعي المتردّيين.

وإعتبر أن حصول تونس على أقساط القروض المجمّدة وتعبير عديد الدّول عن إستعدادها لتقديم مساعدات وقروض جديدة، مؤشّر على بداية نجاح بلورة سياسة خارجيّة ناجعة.

أخطاء قاتلة وتبعاتها قائمة

وصف الهرقام السياسة الخارجيّة خلال عهد الترويكا بقيادة حركة النّهضة بـquot;الكارثيّةquot;، وقال: quot;الإسلاميّون قاموا بأخطاء قاتلة على مستوى السياسة الخارجيّة وما زلنا نعاني تبعاتها إلى السّاعة وخاصّة في علاقتنا مع فرنسا وبعض دول الخليج العربيquot;.

وختم الديبلوماسي التّونسي قائلاً: quot;السياسة الخارجيّة النّاجحة تستوجب وزيرًا ناشطًا لا يخضع لأي ضغوطات وله مساحة من الحريّة ولا يكون مقيّدًا خاصّة بسلاسل الإيديولوجيا، وهذا ما كان مفقودًا في حكومتي الترويكا الأولى والثّانية بقيادة حركة النّهضة الإسلاميّةquot;.

وخلال حكم الترويكا، بقيادة حركة النّهضة الإسلاميّة، وجّه متابعون للشّأن الدبلوماسي إنتقادات حادّة بسبب ما وُصف حينها بالقرارات العشوائيّة وجلب عداء دول كان من المفترض كسب ودّها، ممّا كانت له نتائج سلبيّة على عديد المستويات.

كما توصف تصريحات الرّئيس المنصف المرزوقي المتعلّقة بالقضايا الدّوليّة ودول الجوار بـquot;غير المحسوبةquot;، خاصّة تلك التي أثارت إستياء السّلطة في الجزائر.

وسحبت دولة الإمارات العربية، التي كانت أوّل دولة زارها جمعة خلال الجولة الخليجيّة، سفيرها من تونس في نهاية 2013 بصفة مفاجئة وأعادته بعد خروج حركة النّهضة من الحكم.

ومثّل قرار قطع العلاقات الدبلوماسيّة مع نظام بشّار الأسد اكثر الخطوات التي تسبّبت في سيل من الإنتقادات لأداء الخارجيّة التونسيّة.