البعض اعتبره انتصارًا لحزب الله لغويًا في البيان الوزاري الأخير، حيث تأخر صدوره للوصول إلى صيغة أو فذلكة لغوية يرضى عنها الجميع، فهل امتلك البيان الوزاري اللبناني السياسة باللغة؟.

بيروت: إنه صراع لغوي ما شهده أخيرًا البيان الوزاري، ليس صراعًا على السياسة بقدر ما هو صراع لغوي بين قوى 14 آذار/مارس وقوى 8 آذار/مارس، انتهى هذا الصراع اللغوي باعتماد لغة في البيان الوزاري اللبناني تحفّظ عليها البعض إلى انها أدت الى تسوية quot; لغويةquot;.

المعركة دارت منذ البداية حول ثلاثية الجيش والشعب والمقاومة، انتهى الامر بالاتفاق على البديهيات، أي التأكيد على واجب الدولة وسعيها لتحرير مزارع شبعا وتلال كفرشوبا والجزء اللبناني من قرية الغجر بشتى الوسائل المشروعة، وكانت البديهية المقابلة، التي تم الاتفاق عليها واعتبر الكثيرون أنها كانت تنازلاً من قبل 14 آذار/مارس، كانت الصيغة النهائية أي التأكيد على حق المواطنين اللبنانيين في المقاومة للاحتلال الاسرائيلي ورد اعتداءاته واسترجاع الاراضي المحتلة.

هي ذاتها الفذلكة الكلامية وصراع اللغة الذي أخّر صدور البيان الوزاري لحكومة نجيب ميقاتي السابقة في العام 2011، كان الخلاف يومها على بند المحكمة الدولية من خلال استخدام عبارةاحترام قرارات المحكمة الدولية بدل عبارة الالتزام بقرارات المحكمة الدولية، وكان العمل حينها على ابتداع صيغة توفِّق بين موقفي ميقاتي و حزب الله في شأن النص المتعلق بالمحكمة، وبعد خلاف دام أكثر من أسبوعين، رفضخلالها الحزب أي نص عن تبني لبنان المحكمة، فيما أصر رئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي على تضمين البيان الوزاري التزامًا بها وبالقرارات الدولية التي ترعى عملها وعقدت اللجنة الوزارية المكلفة صوغ البيان الوزاري اجتماعها حينها برئاسة ميقاتي، وبعد اتصالات بعيدة عن الأضواء، وعرض خلالها ميقاتي على رئيس البرلمان نبيه بري صياغة لبند المحكمة يتضمن 3 فقرات، الأولى تؤكد دعم المحكمة الدولية الخاصة بلبنان لمحاكمة المتهمين بجريمة اغتيال رفيق الحريري ورفاقه وتحقيق العدالة من دون تسييس، والثانية تشير الى quot;إحترام لبنانquot; القرارات الدولية المتعلقة بالمحكمة وحماية السلم الأهلي اللبناني والاستقرار، والثالثة تتناول إمكان دعوة quot;هيئة الحوار الوطنيquot; الى الاجتماع للبحث في أي طارئ يتعلق بالمحكمة، وتم الاتفاق على استبدال كلمة quot;الالتزام، بالاحترامquot;، وساد هنا أيضًا صراع على اللغة.

سلطة اللغة والسياسة

يقول النائب السابق إسماعيل سكرية لـquot;إيلافquot; إن بيانات الحكومات، جانب كبير منها معنوي ولغوي وتنتصر فيه الكلمات، وتلعب فيه مسألة تدوير زوايا الكلمات والمعاني، وبدل أن يبقى التركيز على كلمات البيان الوزاري كان الأجدى الوقوف على الارض من توزيع قوى ومعادلات هي من تفرض ذاتها.

ويشير الى quot;أننا كسياسيين نخوض كثيرًا في المعاني واللغة لأنها من عدّة الشغل، ولا يواجه السياسيون الأمور بجديتها وعمقها.

وبرأيه كان هناك استثمار كبير للغة في البيان الوزاري وكان مضيعة للوقت، وأخذ الامر أكثر من حجمه لغويًا .

كتاب التاريخ وسلطة اللغة

يقول الباحث الدكتور خليل جحا لـquot;إيلافquot; إن صراع اللغة الذي نشهده اليوم ليس بجديد، هو هذا الصراع أيضًا الذي منع اللبنانيين من الحصول على كتاب تاريخ موحد، ففي ظل التجاذبات السياسيّة بين قوى 14 و8 آذار/مارس حول كتاب التاريخ، طُرح السؤال هل نحن أمام مرحلة ستجمع كل سواد المراحل السابقة، مرحلة إسمها غياب كتاب التاريخ الموحد بوجود فريقين متناحرين حوله، قد تغير وجه التاريخ للبعض، وقد تكرِّس تاريخًا آخر للفريق الآخر، قد تقود إلى حرب جديدة باردة قبل تدوين حقيقة الحرب الساخنة الماضية، حقيقة تبدأ في الخلاف على الأمير فخر الدين ولا تتوقف عند الأمير بشير ولا عند الأحداث في العام 1860، ولا عند حدود لبنان الكبير ولا عند حدود العام 1958، ولا عند حرب السنتين ولا سلسلة الحروب التي تلتها وصولاً إلى اتفاق الطائف وعملية 13 تشرين الأول/اكتوبر ، وعهد quot;الوصايةquot; السورية.

ويضيف جحا:quot;حرب كتابة التاريخ وصراع اللغة دارت أيضًا حول أحداث العام 2005 وما بعدها من اغتيال رفيق الحريري وثورة الأرز وانسحاب الجيش السوري من لبنان، وحرب تموز/يوليو، واحداث 7 آيار /مايو 2008، وتفاهم الدوحة وانتخاب العماد ميشال سليمان رئيسًا للجمهورية لتستقر عند وجهة نظر تطالب بوقف سرد التاريخ عند حدود العام 2005.quot;

ويشير جحا إلى أن القوي هو من يكتب التاريخ على حد قول نيتشيه، وهو من ينتصر أيضًا لغويًا.