استغرب عراقيون من الدعوات التي تطلق خلال الحملة الدعائية للانتخابات البرلمانية، وفتاوى كبار رجال الدين لتحريم انتخاب العلمانيين، والإيحاء بأنهم quot;كفارquot;، والدعوة بدلًا من ذلك إلى انتخاب الأحزاب الإسلامية ورجال الدين حتى ولو لم يكونوا مؤهلين.


عبد الجبار العتابي من بغداد: فوجئ العراقيون في أول أيام انطلاق الدعاية الانتخابية بمن يحرّض الناس على عدم انتخاب الأحزاب والشخصيات العلمانية، والتوجّه نحو الأحزاب الدينية ورجال الدين لاختيارهم، بغضّ النظر عن كل شيء، وهو ما دعا البعض إلى الإشارة إلى أن ما يحدث هو محاولات لتخويف المواطنين وإبعادهم عن معاناتهم الحقيقية المستمرة منذ أكثر من عشر سنوات، من خلال فقدان الأمن وغياب الخدمات والفساد المالي والإداري، الذي أصبح معروفًا لأبسط مواطن عراقي، فضلًا عن الطائفية التي تضرب البلد بقوة.

تخويف
فقد أكد سلام جبر، طالب جامعي quot;أخشى على الناس البسطاء، الذين يحاول البعض زرع الخوف في نفوسهم، من خلال الحلال والحرام، فهم نظرًا إلى طبيعة المجتمع العراقي يتوجسون كثيرًا من قضية الحلال والحرام، لاسيما إذا ما أكد عليها رجال الدين أو الذين يتبعونهم، وأعتقد أنه من غير الصحيح تخويف الناس، بل يجب تركها لتختار من تشاء، خاصة أن هناك تجربة عشر سنوات.

أضاف: أعتقد أن الترويج الآن ضد العلمانية خطير، لأن المواطن العراقي يطمح إلى التغيير، وإن ما يحرّض عليه البعض يؤكد أن الأحزاب الدينية قد فشلت.

الإسلاميون أفضل
من جانبها، اعترفت سكينة عباس، موظفة في وزارة التربية، أنها لن تنتخب علمانيين، حتى وإن كان أداء الإسلاميين سيئًا. وقالت: أنا مسلمة، إذن عليّ أن انتخب إسلاميين، وألا انتخب علمانيين، يريدون أن يبعدوا الناس عن الدين، وأن يكونوا (صداميين)، ومن ثم يبعدوننا عن أداء الزيارات الدينية وتأدية الطقوس، حتى وإن كان عمل الإسلاميين غير جيد، فهم أفضل من غيرهم، وحتى لو سمعنا كلامًا عن الفساد في الدولة، فليس شرطًا أن يقوم به الإسلاميون، وهؤلاء ليسوا وحدهم الطائفيين، وليس سوء الوضع الأمني والخدمات سببه رجال الدين في الحكومة.

معادلة غريبة
أما سعدي الكرادي، سائق سيارة أجرة، فقد وصف الحال بالمعادلة الغريبة. وقال: شيء غريب صدور فتوى تقول إن انتخاب العلماني حرام، وإن علينا أن ننتخب رجال الدين، وإن سرقوا أموال الشعب، وإن فتتوا العباد، وإن اغتالوا الحياة، وإن كسروا ظهورنا، وإن استباحوا أعراضنا، وسفكوا دماءَنا، ونهبوا أموالنا، وفجّروا الأطفال أو ورمّلوا النساء، وقالوا إن العلماني فاسد وإن كان نزيهًا، والمتدين صالح وإن قتل ونهب وسرق، فهذه معادلة غريبة جدًا لا يمكن الاعتماد عليها.

وأضاف: قبل أشهر من الآن، قدمت عضو مجلس النواب السويدي السيدة العلمانية (سالين) استقالتها من المجلس، لأنها أنفقت بضعة دولارات من المال العام لشراء البنزين لسيارتها الشخصية، بالرغم من أنها أعادت المبلغ إلى خزينة الدولة في اليوم التالي، في حين أن نوابنا الإسلاميين نهبوا البلاد والعباد، وأصلحوا أبدانهم ووجوههم بأموال الشعب العراقي المسكين.. وبهذه الفتاوى فإن مستقبل العراق: إلى الوراء درّ.

جزيرة لنفي العلمانيين
للكاتب علي حسين، مدير تحرير جريدة المدى، رأيه، إذ يقول: للأسف يصرّ البعض على اختزال معاناة العراقيين بشعارات وخطب، أصبحت من الماضي، موهمين البسطاء بأن مطالبهم في العدالة الاجتماعية والأمان والسكن النظيف، قد حسمت، ولم يبقَ في الأجواء سوى منغصات التيار المدني والحزب الشيوعي والقوى المدنية ومن لفّ لفهم.. وعندما يعتقد البعض من رجال الدين أن بناء الدولة لا يتم إلا عبر التخلص من كل من ينادي بتأسيس دولة المواطنة، وليس في نبذ السراق والمفسدين وأمراء الطوائف، فعلينا جميعًا أن نشعر بالخوف على مستقبل البلاد، لأن من يقول هذا الكلام اليوم فربما يحوله غدًا إلى تشريعات تقضي برجم كل من يخالفه الرأي.

وأضاف: أنا أسأل المروّجين لهذه الفتوى quot;هل انتهينا من مؤامرات الطائفية والتهديد بالحرب الأهلية.. وهل تحققت مطالب الناس بالعيش في بلد آمن ومستقر؟، وهل نحن في ظل نظام سياسي يضمن حقوق جميع العراقيين بكل طوائفهم وانتماءاتهم وقومياتهم؟، وهل تجاوزنا كل الفخاخ التي ينصبها لنا يوميًا مثيرو الفتنة الطائفية؟، لتُخصص فتاوى تفتح فيها مزادات الهجوم على القوى المدنية.. هل نطرد كل من ينادي بدولة المؤسسات من جمهورية العراق الفاضلة ونقوم بوأدهم؟، أم هل نخصص للمرشحين العلمانيين جزيرة لكي ننفيهم فيها من أجل إصلاح البلاد!.

تابع: يجب أن نعلي من شعار الدولة المدنية، وإلا فإن الانحراف عن هذا المعنى سوف يؤدي إلى فوضى، ولعل ما يقوم به البعض من خلط بين الدين والدولة يشكل خطرًا شديدًا على الحريات، ولعل المظاهر التي تمارس في العديد من محافظات العراق ومؤسسات الدولة سببت حالة من القلق على مستقبل الدولة العراقية، التي نتمنى أن يحتكم فيها الجميع إلى القانون وقيم الديمقراطية والأخذ بمبدأ المواطنة بين الأفراد.

الأولى تحريم الفساد
المرشحة للانتخابات المقبلة عن كتلة المواطن الممثلة للمجلس الأعلى الإسلامي الدكتورة سناء أطيمش، ترى أن: البعض من الأحزاب والكتل يستغل الشخصيات الدينية وبعض الأسماء لأغراض تسقيطية ودعائية، إذا كانت هذه فتوى آية الله كاظم الحائري فأنا لا أتفق معه، الإسلام دين الحرية والديمقراطية، ووجدت الديمقراطية والحرية في الإسلام، قبل أن تعرفها أية دولة من دول العالم المتحضر، وليس من حق رجال الدين حرمان أي عراقي شريف من الترشيح، وانتخاب من يريدون هم ويعتقدون بأنه يمثلهم.

أضافت: الأحرى برجال الدين أن يحرّموا انتخاب الفاسدين، الذين ثبت فسادهم، وأن يصدروا فتوى بأن يُنتخب الشرفاء مهما كانت طائفتهم أو مذهبهم أو دينهم.

خبز الفقراء
إلى ذلك، استغرب المرشح عن أحد الأحزاب العلمانية عمار شكر فتاوى تحريم انتخاب العلماني، وقال: أعتقد أن من يشتم العلمانية يريد أن يوهم الناس أنها ضد الدين، وأن العلماني كافر، حتى يكسب أصوات الناس، الذين ما زالوا ينظرون إلى الدنيا على أنها بيد رجال الدين، ولا يقول للناس إن العلمانية معناها فصل الدين عن الدولة، وليس إلغاء الدين.

وأضاف: أنا رجل مؤمن بالله إيمانًا مطلقًا، ولكن عشر سنوات من حكم الإسلاميين تكفي، وليذهب رجل الدين إلى المسجد، وبصراحة إن الحاكم الكافر العادل خيرٌ من المسلم الجائر، إنهم لا يفهمون العلمانية بالشكل الصحيح أو إنهم يفهمونها، ويريدون أن يخيفوا الناس من أجل كسب الأصوات والفوز بالغنائم، وأنا مؤمن بأن الخطاب الديني هو خبز الفقراء، وكل من يثير هذه المسائل يعتقد أن الناس سيتزاحمون على انتخابه، مادام أنه ينتمي إلى حزب ديني أو إنه رجل دين أو يلبس عمامة.