حاولت حكومة أنجيلا ميركل الأولى تمرير قانون يجيز إسقاط الطائرات المدنية التي يختطفها الإرهابيون، فرفضته محكمة الدستور الاتحادية. وتحاول حكومة ميركل الحالية تمرير القانون من جديد.


ذكرت مجلة دير شبيغل أن حكومة المستشارة انجيلا ميركل تحاول استغلال غالبيتها المطلقة في البرلمان الألماني، من أجل تغيير الفقرة الخامسة والثلاثين من الدستور الألماني، التي تتعلق بحماية أرواح المدنيين على الخطوط الجوية، وبحياد الجيش الألماني في الشؤون الداخلية.

ويفترض، بحسب دير شبيغل، أن تكون وزارة الداخلية الألمانية هي صاحبة المقترح، كما تتنقل الآن مسودة المشروع بين الوزارات السيادية بغية تشذيبه قبل طرحه على الحكومة والبرلمان.

سيناريو الهلع

يبدو سيناريو الهلع، والتعبير هذا للمعارضة الألمانية، الذي تروج له وزارتا الدفاع والداخلية الألمانيتان، مثل فيلم رعب هوليوودي يتصور اختطاف طائرة مدنية من قبل الإرهابيين، ومن ثم مهاجمة إحدى المحطات النووية الألمانية بها.

وهي الطريقة التي استخدمها الإرهابي محمد عطا ومجموعاته الانتحارية في الهجوم على برجي مركز التجارة العالمية في نيويورك، وعلى مبنى البنتاغون في واشنطن، في 11 أيلول (سبتمبر) 2001.

ويتيح القانون لوزارة الدفاع في حالات الطوارىء اصدار الأوامر لاسقاط طائرة مدنية يختطفها إرهابيون، بعد التأكد من نيتهم استخدامها سلاحًا في ضرب أهداف مدنية. وهذا يتيح لوزير الدفاع إعلان حالة الطوارىء، بالتشاور مع رئاسة الحكومة، واصدار الأوامر إلى الجيش لانزال قواته إلى المدن لدعم عمليات الشرطة والانقاذ ضد الإرهابيين.

إرهاب وأخلاق

تحت ضغط حكومة التحالف المسيحي الليبرالي في العام 2012، حين لم تكن لهذا التحالف غالبية في البرلمان، قررت محكمة الدستور إمكانية انزال الجيش إلى المدن في حالة حصول حدث طارىء ذات طبيعة كارثية هائلة. ولم يفرق القرار بين الكوارث الطبيعية والأوبئة والعمليات الإرهابية، لكنه لم يفتح السماء أمام مدافع وزارة الدفاع لإطلاق نيران مدافعها على الطائرات المدنية المختطفة.

من الناحية الأخلاقية، تساءل معارضون للقانون عن سبب تفضيل الحكومة، في حالات الطوارىء، قتل المدنيين في الطائرة المختطفة، على قتل المدنيين الذين ستسقط عليهم الطائرة، فمن المحتمل أن يتسبب العمل الارهابي، باستخدام الطائرات المختطفة، بضحايا أقل بكثير من عدد الضحايا بين ركاب الطائرة المخطوفة.

ولاحظ بعض المختصين في القانون أن سرعة استخدام الطائرة المختطفة في تنفيذ عملية إرهابية من قبل الخاطفين، قد تكون أسرع بكثير من عملية اجتماع العسكر واتفاقهم على قرار ما، وبالتالي يكون قانون اسقاط الطائرات المختطفة بلا محتوى ولا معنى. وقالت المحكمة الدستورية إن القانون الألماني لا يفرق بين حياة البشر على الأرض أو في السماء.

العلاج بالصدمة

عمد معهد دارمشتادت الألماني للدراسات البيئية إلى طريقة العلاج بالصدمة لحث السلطات الألمانية على غلق المفاعلات النووية القديمة الأكثر عرضة للضرر أو الإرهاب. لكن وزارة الدفاع استخدمت هذه الدراسة في العام 2007 لتعزيز مساعيها الرامية إلى الوقاية من العمليات الإرهابية باستخدام الطائرات المختطفة.

وقال المعهد في دراسته إن تعرض مفاعل quot;بيبلس أquot; قرب فرانكفورت لعمل تخريبي سيطال العاصمة برلين وسيلوث عواصم وسط أوروبا. وتأتي الدراسة بعد أشهر من اعتراف السلطات الألمانية بقصور الإجراءات الأمنية في مفاعل quot;بيبلس أquot; ضد الهجمات الجوية بالطائرات المدنية. ويعتبر هذا المفاعل أقدم المحطات الذرية في ألمانيا وأقربها إلى المدن الكبيرة.

وتشير الدراسة إلى أن هجومًا إرهابيًا يستخدم الطائرات المدنية ضد المحطة، التي تقع في جنوب ولاية هيسن، يمكن أن يلوث برلين وباريس وبراغ. ويمكن للغبار النووي الناجم عن الانفجار أن يغطي منطقة بقطر 600 كم بالغبار الذري.

وهذا يعني أن الانفجار سيطال فرانكفورت خلال ثوانٍ، وميونخ وشتوتغارت في الجنوب، وكولون وبون وايسن وبرلين في الشمال. وسيشمل التلوث العواصم الأخرى القريبة مثل باريس وبراغ وفيينا وبروكسل ولوكسمبورغ. وسيجبر مثل هذا الحادث السلطات على تفريغ 10000 كم مربع حول مركز الانفجار من السكان.

في السماء وعلى الأرض

وكانت محكمة الدستور الألمانية رفضت قانونًا يتيح اسقاط الطائرات المختطفة من قبل الإرهابيين، ويسمح بانزال الجيش في الحياة المدنية في العام 2006، رغم أن الحكومة الألمانية أقرت هذا القانون ثم مررته على البرلمان الألماني، الذي أقره بدوره في نهاية العام 2005.

ووجدت محكمة الدستور الاتحادية أن قرار اسقاط الطائرات المختطفة من قبل الإرهابيين quot;لا يطابق فقرات الدستور الألماني الخاصة بحماية أرواح البشر في الجو، ولا الفقرات التي تلزم الحكومة بحماية أرواح الناس على الأرضquot;.

وذكر القاضي هانز-يورغن بابير حينها أن القرار يتعارض مع فقرات الدستور الخاصة بـ quot;تحديدquot; استخدام الجيش في الحياة المدنية.

محاولات التفاف

عمل وزير الداخلية الألماني السابق فولفغانغ شويبلة على إقرار المزيد من القوانين المتشددة، في إطار الحرب على الإرهاب، من خلال استحداث بعض التغييرات القانونية على نصوص الدستور الألماني.

وأعد الوزير في العام 2007 تعديلات على الدستور تتيح اسقاط الطائرات المشتبه بخطفها من قبل الإرهابيين، وفرض الرقابة على شبكات الانترنت دون موافقة النيابة العامة، وسجن الأفراد الذين يتلقون التدريبات في معسكرات المنظمات الإرهابية.

وكانت حكومة ميركل اتفقت على تشكيل لجنة مشتركة من وزارتي العدل والداخلية للنظر في صياغة المزيد من قوانين مكافحة الإرهاب. ووقفت وزيرة العدل الاشتراكية بيرجيتة تسوبريس ضد مقترحات شويبلة الداعية إلى فرض المزيد من رقابة كاميرات الفيديو على الحياة العامة، وضد إطلاق يد السلطات في فرض الرقابة على الكومبيوترات الشخصية وصفحات الانترنت.

وظهر للرأي العام حينها أن شويبلة يحاول الالتفاف على فقرات الدستور، وعلى قانون الجيش الألماني المتعلق بمحدودية نشاطه في الحياة المدنية. ويتيح النص المعدل اسقاط الطائرات المخطوفة إذا quot;لحق مكروه بضحايا خطف الطائرةquot;.

وأطلق الوزير على التعديلات اسم quot;الحالة الاستثنائيةquot; بـديلًا عن quot;الحالة الدفاعيةquot; التقليدية التي يبيح الدستور خلالها استخدام اقصى الوسائل العسكرية للدفاع عن الوطن. وفشلت هذه المحاولات أيضًا بسبب موقف وزيرة العدل المناهض لها، وبسبب موقف محكمة الدستور.

لا إجازة بالقتل

ودفع الفشل وزير الداخلية شويبلة إلى التحذير، في مقابلة صحفية، من إمكانية قيام الإرهابيين بشن هجوم إرهابي باستخدام مواد نووية. وتلاه وزير الدفاع الأسبق فرانز يوزيف يونغ بالإعلان عن استعداده لاسقاط الطائرات المدنية، التي قد يستخدمها الإرهابيون لمهاجمة أهداف على الأرض، رغم قرار محكمة الدستور الاتحادية بإلغاء قانون سابق يتيح ذلك.

وأثارت تصريحات شويبلة جدلًا واسعًا حينها داخل حزبه الديمقراطي المسيحي، وبينه وبين حليفه الحكومي الديمقراطي الاشتراكي. ووصف ديتر فيفيلشبوتز، المتحدث الرسمي باسم الحزب الديمقراطي الاشتراكي آنذاك، المقترح بـ quot;غير المقبولquot;، ودعا إلى التمسك بقرار محكمة الدستور.

وإذ اتهم ماكس شتادلر، من الحزب الليبرالي، وزير الداخلية بالعمل على تجاوز محكمة الدستور، حذر فولكر بيك، من حزب الخضر، من منح شويبلة إجازة بالقتل.