غطت صور المرشحين العراقيين جدران المباني المتداعية، وملأت الإعلانات السياسية موجات الأثير، من دون أن تعيد الثقة المفقودة بين المواطن والسلطة، بسبب الفساد والمحسوبيات والارتهان المالي للخارج.


تضافر غياب الشفافية وتفشي الفساد على تقويض ثقة المواطن العراقي بالعملية الديمقراطية، في وقت يواجه العراق تحديات أمنية جسيمة تتبدى في عودة تنظيم القاعدة ومشتقاته بقوة أكبر من ذي قبل. وحذر خبراء من أن السياسة في العراق ما زالت مكشوفة لمصادر إفساد بأموال خفية في الداخل، تتدفق على شبكات المحاسيب والأتباع ومن قوى خارجية تريد الحفاظ على نفوذها.

وفي هذا الشأن، نقلت صحيفة فايننشيال تايمز عن زيد العلي، مستشار الأمم المتحدة السابق في بغداد، قوله: quot;إن الأحزاب السياسية الموجودة عملت طوال احد عشر عامًا منذ الغزو الاميركي على مدّ جذورها العميقة في الدولة، فهي تسيطر على وزارات ومؤسسات مختلفة، وتغترف الكثير من مال الدولة لشراء الأصوات وتمويل شبكات المحسوبيةquot;.

وكانت عالية نصيف، عضو لجنة النزاهة في مجلس النواب العراقي، حذرت في وقت سابق من هذا الشهر قائلة إن المال يجد طريقه إلى الحملات الانتخابية للأحزاب من الخارج، ومن الفساد الحكومي المتفشي في هذا البلد.

ليس مؤكدًا

تحتاج الأحزاب السياسية إلى المال لإطلاق قنوات تلفزيونية وادارتها، وشراء مواد اعلانية، وتمويل احتفالات دينية، وتنظيم مؤتمرات، واقامة ولائم انتخابية، من اجل تعبئة الناخبين مع اقتراب يوم الاقتراع في 30 نيسان (أبريل).

ويطمح رئيس الوزراء نوري المالي بولاية ثالثة، بعد ثماني سنوات حافلة بالاخفاقات على جميع المستويات، سواء في ادارة الملف الأمني أو توفير الخدمات أو مكافحة الفساد أو القضاء على البطالة أو تنقية الأجواء في العلاقات الوطنية المأزومة.

وبالتالي، نجاح المالكي في تأمين ولاية ثالثة ليس مؤكدًا، فالناخبون ملّوا انسداد الأفق في عهده، وأنهكهم نزيف الدم وهموم الحياة اليومية، حتى أن الحصول على أبسط الخدمات بات معركة شاقة.

وكانت مفوضية الانتخابات اصدرت لأول مرة العام الماضي قرارات تحدد سقف انفاق كل مرشح على حملته الانتخابية، بما يعادل 85 ألف دولار وتمنع التبرعات من مصادر خارجية. لكن هذه القرارات ليس لها قوة القانون ورغم ما تنص عليه من غرامات بحق المخالفين وحتى إلغاء الأصوات التي يحصلون عليها فلا أحد من العراقيين يعتقد أن مراقبي المفوضية ستكون لهم صلاحية تطبيق هذه القرارات أو الجرأة على تحدي الأحزاب الكبيرة.

من أين؟

وكان قانون الأحزاب أُعد بنصوص أشد فاعلية من قرارات مفوضية الانتخابات لتحديد المال الانتخابي ومصادره، لكن القانون ظل مجمدًا في ثلاجة مجلس النواب.

وقال الخبير القانوني والمحلل السياسي احمد عبادي: quot;في غياب هذا القانون، لا احد قادر على معرفة مصدر تمويل الأحزاب الكبيرة أو الصغيرة، فإن وجود قانون يُلزِم الأحزاب بالكشف عن مصادر تمويلها هو الطريقة الوحيدة لمعرفة ما يُنفق حقًا، ومن أي مصادر، وما إذا تجاوز الحزب سقف الانفاق المحدد وإذا تجاوزه فأين تذهب هذه الأموال الاضافيةquot;.

لكن الأحزاب الكبيرة ترفض إقرار قانون الأحزاب لأنه، سيفضح مصادر تمويلها التي غالبيتها تأتي من الخارج، كما نقلت صحيفة فايننشيال تايمز عن عبادي.

وتسهم الاتهامات بتمويل الكتل المختلفة من مصادر خارجية في تسميم العلاقات المحتقنة أصلا بين مكونات الشعب العراقي وطوائفه. وقال المستشار في مجلس النواب عباس العنبوري إن جميع الكتل السياسية تتلقى تمويلًا من الخارج، خصوصًا الكتل الشيعية التي تموَّل إيران غالبيتها، وهي لا تنكر ذلك. واشار إلى أن كتلا علمانية وسنية تتلقى دعمًا من قوى اقليمية أخرى.

برعاية الفساد

وحذرت مصادر مطلعة من أن الأحزاب الكبيرة تتلقى تمويلًا من شركات أُنشئت برعاية هذه الأحزاب وحمايتها. وبحسب هذه المصادر، فإن الوزارات التي تسيطر عليها احزاب معينة تطالب بعمولات مقابل منح هذه الشركات عقودًا ومقاولات مربحة.

ويتذكر العراقيون ظهور نائب رئيس الوزراء صالح المطلك على التلفزيون قبل عامين متهمًا احد الأحزاب بدفع ملايين الدولارات من رجلي اعمال إلى الحكومة مقابل quot;تسهيل صفقات مع وزارة الدفاعquot;. واثارت الواقعة حينها سخط العراقيين، لكنهم لم يُفاجأوا بالفضيحة، بل عدّوها حلقة في مسلسل الفساد الذي يتابعونه كل يوم.

ومن المحال عمليًا على أي فرد أن يدخل معترك السياسية من دون رعاية حزب كبير. وقال مستشار الأمم المتحدة السابق زيد العلي: quot;إن لم تكن جزءًا من هذا النظام، وإذا كنت اصلاحيًا من خارجه، كيف تستطيع أن تتنافس؟ ولكي تتمكن حقًا من احداث تغيير في الوضع القائم فعليك أن تبني تحالفًا وطنيًا لأنك تتنافس مع آلات حسنة التزييتquot;.

وخلص العلي إلى أن التنافس في هذه الانتخابات محصور بين الأحزاب السياسية المسيطرة على الدولة.