لم تقلل المناطق البيئية التي فرضت حول مدن ألمانية كثيرًا ذرات السخام في أجواء هذه المدن. كما أنها لم تؤدِّ إلى رفع المدن الألمانية الكبيرة من القائمة الأوروبية للمدن الملوثة، ورغم فرض قوانين صارمة على السيارات يبقى للمصانع دور أساسي في التلوث.


ماجد الخطيب: كانت مدينة كولون، أكبر مدن الراين، أول مدينة تطبّق نظام المنطقة البيئية quot;المنزوعة الغازquot; في مركزها عام 2007، وهي منطقة تحظر فيها السيارات القديمة والآليات غير المزودة بمرشح للسخام. وحذت مدن كبرى أخرى حذوى مدينة quot;الدومquot;، لكن أجواء هذه المدن وبعد مضي 7 أعوام لم تتحسن كثيرًا، الأمر الذي دفع العلماء الألمان إلى البحث عن الملوث الحقيقي لأجوائها.

ذكرت دائرة البيئة الاتحادية في ألمانيا في آخر تقرير لها حول المدن أن المناطق البيئية التي فرضت حول المدن، وزيادة كثافة الأحزمة الخضراء حول مراكز المدن، لم تقلل كثيرًا ذرات السخام في أجواء هذه المدن. والمهم أنها لم تؤدِّ إلى رفع المدن الألمانية الكبيرة من القائمة الأوروبية للمدن الملوثة.

بلا فائدة
تنطبق هذه الحال تحديدًا على ذرات السخام الصغيرة، التي تنطلق من عوادم السيارات، والتي تعتبر الأخطر على صحة الإنسان من الذرات الكبيرة. فالذرات الصغيرة تتسلل عبر نظام المناعة الجسدي، وتستقر في الرئتين والقصبات الهوائية، مسببة العديد من الأمراض الخطيرة. واتضح من خلال قياس نسبة هذه الذرات في أجواء المدن، التي فرضت المناطق البيئية، أن نسبتها تعدت quot;خط الخطرquot; مرات عدة في السنة، ولم تقلّ، في المعدل العام، عن نسبتها قبل المناطق البيئية إلا قليلًا.

بالنسبة إلى العاصمة برلين، كان شارع زلبرشتاين من أكثر شوارع ألمانيا تلوثًا، رغم المنطقة البيئية المفروضة على مركز المدينة. وسجل العلماء أن نسبة التلوث في هذا الشارع تعدت 50 ميكروغراماً/ الكيلومتر المكعب من الجو، وهو الحد الأعلى للتلوث حسب المعايير الأوروبية، اكثر من 35 مرة في ساعات النهار. ويسمح نظام البيئة الخاص بالاتحاد الأوروبي بتعدي هذه النسبة 33 مرة فقط.

وتفوق حي نيكارتور في شتوتغارت على برلين من ناحية التلوث، رغم فرض المنطقة البيئية. وسجل التلوث هنا 82 يومًا تعدى فيها التلوث نسبة 50 ميكروغراماً لكل كيلومتر مكعب، وكان عدد هذه الأيام 87 في العام السابق. مع ملاحظة أن عدد أيام تخطي معدل التلوث القياسي انخفض بنسبة 60% عنه عام 2007، لكن التلوث لم ينخفض إلى النسبة المحددة من قبل الاتحاد الأوروبي، وهو يثير الشك حول فاعلية المناطق الخضراء في مراكز المدن.

عزا الباحث مارسيل لانغر، رغم كل شيء، السبب إلى أن هذا الشارع يعتبر من أكثر شوارع العاصمة الألمانية زحامًا. ودافع الباحث، من دائرة البيئة الاتحادية، عن المناطق البيئية قائلًا، إنها حالت دون زيادة حالة التلوث سوءًا، ويبقى فرض المزيد من الشروط، واتخاذ المزيد من الخطوات العملية، بهدف وقف ظاهرة تفاقم ذرات السخام الصغيرة في المدن.

وكان العديد من الصحف الألمانية قد انتقد عدم فعالية المناطق البيئية التي كلفت المواطن الكثير من المال والأعصاب. إذ فرض قانون المناطق البيئية على أصحاب السيارات تزويد سياراتهم بالمرشحات، وتجديد العديد من أنظمتها استجابة للشروط التي طرحتها الدائرة الاتحادية. وكتبت بعض الصحف أن المواطن استجاب إلى هذه الشروط المكلفة عن وعي كبير بقضايا حماية البيئة، وكان ينتظر نجاحًا أكبر.

مرشحات للمصانع والآلات
وأشار لانغر بإصبع الاتهام إلى المصانع والآلات الكثيرة العاملة في المدن كمصدر آخر أهم، فضلًا عن أن السيارة تفاقم التلوث في مراكز المدن.

وطالب الخبير بتزويد هذه المصانع والآلات بفلترات ترشح ذرات السخام والغازات السامة وتتخلص منها بطرق طبيعية. وفي حين اعتبر لانغر وقوع مدينة شتوتغارت في منخفضquot;مخنوقquot; هو سبب اختناق المدينة بالتلوث، اعتبر سبب استمرار تلوث مدن الراين، مثل كولون، هو وقوعها في أراضٍ منخفضة، ودور الطقس في ذلك. فالطقس المشمس والريح الهادئة تساعد على بقاء ذرات السخام في الطبقة السفلى من الجو في المدينة، في حين تعمل الرياح والأمطار على تبديد ذرات السخام.

ربما، بحسب لانغر، فإن التلوث في المدن الألمانية الشرقية القريبة من بولندا، سببه المعامل القديمة في الجارة الشرقية. ويستخدم البولنديون أعلافًا وأسمدة كيميائية تحتوي على مواد تتسرب إلى الجو، وخصوصًا الأمونيوم، وهو ما يفاقم ظاهرة التلوث في المدن البولندية والألمانية على حد سواء.

على أية حال، كانت quot;المناطق البيئيةquot; في المدن الألمانية محاولة لا أكثر لمكافحة غاز ثاني أوكسيد الكربون وذرات السخام المنطلقة من السيارات، لأن دراسة ألمانية أثبتت أن الصناعة أكثر تلويثًا للأجواء من السيارات. والصناعة مسؤولة عن 33 في المئة من الأضرار البيئية، والسيارات والنقل عن 20 في المئة، وتتوزع النسب الأخرى بين التلوث الآتي من البيوت (16%)، ومن محطات الطاقة...إلخ.

quot;المنطقة البيئيةquot; شملت 27 ألف سيارة قديمة في كولون
كانت مدينة الكاتدرائية الشهيرةquot; الدومquot; أول مدينة ألمانية تطبق نظام المناطق البيئية، التي اعتبرت خطوة أولى على طريق مراكز المدن الخالية من السيارات. وبدأ تطبيق النظام في اليوم الأول من عام 2008، الذي أرادت له المدينة أن يصبح عام حماية البيئة.
يشمل الحظر السيارات quot;غير المفلترةquot; والضارة بالبيئة في مساحة 16 كم مربع من مركز المدينة التي يسكنها مليون نسمة. ولحقت يكولون بقية مدن حوض الراين الكبيرة، مثل دسلدورف وبون في الفترة اللاحقة.

وجاء تطبيق نظام quot;المناطق البيئيةquot; في ألمانيا في ضوء التحذير الذي وجّه الاتحاد الأوروبي إلى المدن الألمانية، التي لا تلتزم بنقاء جوها من غاز ثاني أوكسيد الكربون وذرات السخام. وسبق للسلطات البيئية الأوروبية أن حددت مدن برلين وميونخ وشتوتغارت وهامبورغ ودسلدورف ضمن أكثر المدن ملوثة الأجواء.

وبادرت كولون إلى تطبيق نظام المناطق الحرة، رغم أنها تأتي في ذيل قائمة المدن الملوثة. ويضع الاتحاد الأوروبي على المدن الأوروبية شرط ألا ترتفع نسبة التلوث في المدن عن الحد المرسوم (50 غم من ذرات السخام/ المتر المكعب) الأكثر من 35 يومًا في السنة. وتجاوزت العديد من المدن الألمانية هذه الحدود، واستحقت قبل 6 أشهر تحذير الاتحاد الأوروبي. فميونيخ تجاوزت الحدود المرسومة 51 مرة عام 2007، ودورتموند 48 مرة، وفرانكفورت 47 مرة، وبرلين 45 مرة.

ألوان أنوار المرور البيئية للسيارات
توجب آنذاك على أصحاب السيارات، الراغبين في دخول كولون، الذهاب بسياراتهم إلى دائرة البيئة في المدينة بغية الحصول على إجازة البقاء أو المرور. وتمنح الدائرة لصقة خضراء، مقابل 4 يورو، للسيارات المفلترة والأقل من غيرها ضررًا على البيئة.

وفرضت المدينة على السائق أن يلصق القطعة الخضراء على زجاجة السيارة الأمامية كي يشاهدها رجال الشرطة. ومنحت لصقة صفراء للسيارات الأقل ضررًا بالبيئة، والتي ينبغي على أصحابها المرور فقط عبر المنطقة البيئية. أما السيارات القديمة، وغير المزودة بالفلتر، فنالت لصقة حمراء، وحرمت من دخول مركز المدينة.

وأعلنت دائرة المرور في المدينة أن غرامة المخالف للمنطقة البيئية سترتفع إلى 40 يورو. وتنطبق الغرامة على أصحاب السيارات القادمة من المدن الأخرى، لأن مدينة كولون طرحت العلامات الخضراء والصفراء والحمراء على المدن الأخرى، وكلفتها ببيعها لقاء 10 يورو. وجرت العملية ببطء، لأن إحصائية المدينة تشير إلى 420 ألف سيارة مسجلة من مختلف الفئات.

ويقدر الاتحاد الأوروبي وفاة 300 ألف أوروبي سنويًا جراء المضاعفات الناجمة من انتشار ذرات السخام في الجو، منهم نحو 70 ألفًا في ألمانيا.