عاش السوريون لزمن طويل مع بعضهم البعض دون أن يسأل أحدهم عن ديانة جاره او رفيقه، إلا أن الحرب المستمرة منذ أكثر من ثلاث سنوات أشعلت النعرات الطائفية ومشاعر الكراهية.


لندن:بعد ثلاث سنوات من التدمير والقتل أُحيلت سوريا بلدًا جريحًا، شعبها في حالة ذهول إزاء ما آل اليه وطن كان معروفًا بتعايش أديانه وثقافات مكوناته قبل أن يصبح مقتلة طائفية.
التشاؤم يطغى
وتتنازع السوريين اليوم، مشاعر متضاربة بين الأمل في أن ينقشع هذا الكابوس، والخوف من استمراره ليضاهي كابوس جيرانهم اللبنانيين، الذين عانوا حربًا أهلية دامت 15 عاما. ولكن الأحداث التي شهدتها دمشق، خلال الأيام الماضية بسقوط قذائف هاون على أحياء مثل باب توما رجحت كفة المتشائمين.
وفي يوم الجمعة كان المصلون المسيحيون في باب توما يقيمون شعائرهم بمناسبة عيد الفصح في أجواء متوترة بعد مقتل طفل في العاشرة، وإصابة عشرات الأطفال بجروح حين سقطت قذيفة هاون قرب مدرسة مسيحية في الحي.

لاطائفية
وعلى الجانب الآخر من المدينة في موقع الجامع الأموي، أحد اشهر معالم دمشق، تحدث الاسكافي ابو باسم بمرارة عما آل اليه بلده. وقال ابو باسم (71 عاما) بعد صلاة الجمعة quot;لم نفكر ذات يوم في الطائفية، أنا شخصيا لم اعرف قط معنى الكلمةquot;، فيما هز مصلون آخرون رؤوسهم تأييدًا لكلامه. وتابع ابو باسم quot;كنا جميعا نعيش معا ولم نهتم قط بالطائفة او المذهبquot;.
ولا يكل سوريون في أنحاء بلدهم المدمر من أن يؤكدوا لزوارهم القادمين من بلدان أخرى أنهم كانوا لا يعرفون ديانة اقرب اصدقائهم، ولكن طائفة السوري اصبحت اليوم سمة يمكن أن تعني الفارق بين الحياة أو الموت، بين الاعتقال أو الحرية.
ونقلت صحيفة لوس انجيلس تايمز عن موظف شاب في أحد مصارف دمشق، انه يوحي لزملائه في المصرف، وغالبيتهم من المسيحيين انه مسيحي مثلهم رغم انه في الواقع مسلم سني وذلك لتبديد مخاوفهم، كما يقول. وهناك الكثير من مثل هذه القصص في سوريا اليوم، كما تلاحظ صحيفة لوس انجيليس تايمز.
الاسكافي ابو سامي قال quot;كنتُ أذهب الى المقهى وأجلس مع اصدقائي سواء أكانوا من السنة أو المسيحيين أو العلويين، فان هذا لم يهمني ذات يومquot;.
وفي غمرة صراع، لا تلوح في الأفق بوادر تنبئ بنهايته كان من المحتم أن تنطلق جولة من التلاوم باتهام كل طرف، الطرف الآخر بالمسؤولية عن اقحام الطائفية في مجتمع لم يعرفها من قبل.
الأسد تعمد اقحام الطائفية
ويقول ناشطون في المعارضة إن نظام الأسد، أقدم عامدًا متعمدًا على تأجيج العنعنات الطائفية والكراهية لتصوير نفسه مدافعًا عن أقليات سوريا التي مما يثير التساؤل انها فجأة اصبحت مهددة بعد قرون من التعايش مع الأغلبية السنية. ويؤكد كثير من المعارضين انهم على اقتناع بأن النظام هو الذي شجع ظهور جماعات مسلحة من نمط تنظيم القاعدة، وتوظيف صعودها في خدمة استراتيجيته هذه.
وكما هو متوقع، فان المسؤولية تُلقى في المناطق الموالية للنظام على quot;الارهابيينquot; وquot;الغرباءquot; الذين جاءوا من وراء الحدود بدعم خارجي.
وقال الأب جبريل داود احد القساوسة الارثذوكس السريان، الذين أقاموا قداسات الجمعة الحزينة quot;ان الغرب يمارس معايير مزدوجةquot; متسائلا quot;هل يسمحون لهؤلاء المتطرفين بدخول بلدانهم لتدمير كل شيء؟quot;
وعلى بعد حارات، وقف الدمشقي المسيحي راشد جبارة قرب المدرسة التي سقطت عليها قذيفة هاون صباح يوم الثلاثاء الماضي، وقال لصحيفة لوس انجيليس quot;عشنا معا سنوات، وأقرب جيراننا شيعةquot;. وثنَّى على قوله شيعة كانوا يستمعون الى تعليقاته من نافذة شقة مجاورة.
ويتذكر جبارة يوم quot;كان في الحارة يهود اصحاب متاجر زبائنهم من السنة. إذ لم يكن أحد يهتم. والآن هذا...quot; واعرب جبارة عن حيرته متسائلا quot;ماذا يريدون؟ ان يطردوا المسيحيين من باب توما؟ نحن هنا منذ آلاف السنينquot;.
وفي كاتدرائية القديس جورج، كان الأب داود يتهيأ لقداس الجمعة الحزينة، وخارج الكنيسة عُلقت ملصقات للمطرانين يوحنا ابراهيم وبولس اليازجي اللذين خُطفا قرب حلب قبل عام. ويشتبه مسؤولون في الكنيسة بأن متطرفين اسلاميين مسؤولون عن خطف المطرانين.
قال الأب داود quot;ان عيد الفصح مناسبة للاحتفال بالقيامة، ومثلما قام عيسى اليسوع من الموت نأمل ونبتهل بأن سوريا ايضا ستُبعث حية من جديدquot;.