كان اليومان الفائتان لافتين في تحديد مصير الداعية المصري يوسف القرضاوي، الذي أصبح يمثل عبئاً حقيقياً على دولة قطر، مما جعلها تبدأ مراجعة وجوده على أراضيها حفاظاً على آخر شعرة في علاقاتها مع الشقيقات الخليجيات.
ومع التقارير التي تحدثت عن وصوله إلى تونس مع 28 من رجال جماعة الإخوان، ورغم ما صدر عن الداعية القرضاوي من quot;تكذيبquot; لنقل مقره إلى تونس، فإن هذا لا يعني أن مصيره المحتوم بات محسوماً وهو أن لا يبقى في قطر إلا إذا أراد أن يعلن اعتزال العمل الدعوي مرة واحدة وإلى الأبد.
مسارعة أطراف تونسية ومسارعة القرضاوي نفسه لنفي quot;نقل المقرquot; لا تعني أن رجل الدين لم يصل إلى تونس، لكن مثل هذا الوصول جوبه بحملة رافضة من أطراف تونسية كثيرة، وهو أمر يُحرج زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي.
فكلا الجانبين، القرضاوي والغنوشي، سعيا إلى امتصاص خبر الوصول إلى تونس انتظارًا لما سيؤول إليه مصير الملاذ الأخير الذي سيتوجه إليه الداعية المصري (القطري الجنسية).
وثيقة الرياض
من شروط (وثيقة الرياض) التي وقع عليها وزراء خارجية مجلس التعاون لوضع آلية لتنفيذ اتفاق الرياض الموقع بين العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبدالعزيز وأمير قطر تميم بن حمد آل ثاني بوساطة كويتية، هو أن تتخلى الدوحة عن دعم جماعة الإخوان المسلمين، ووقف كل ما يصدر من الدوحة ضد جاراتها الخليجيات، ومثل هذا الشرط الأخير يخص الداعية القرضاوي وقناة الجزيرة.
وحيث أن الداعية القرضاوي، وحسب كل التصريحات الخليجية باستثناء القطرية منها، أصبح يمثل عبئاً ثقيلاً على صناع القرار في قطر حيث يقيم، وذلك بسبب تبنيه لمواقف صريحة معادية لحكومات خليجية مجاورة ولمصر ورجلها القوي عبد الفتاح السيسي خاصة بعد عزل الرئيس الإسلامي محمد مرسي، فإن الدوحة صارت مرغمة على اعادة النظر في وضع القرضاوي على أراضيها.
لكن أين سيذهب القرضاوي مع تأكيدات مصادر صحفية خليجية تقول بأن السلطات القطرية قد تكون طلبت من القرضاوي الرحيل عن قطر، وأن الداعية المصري قد طلب مهلة للعثور على مقر له خاصة أنه ملاحق في بلده الأم مصر بعدة تهم خطيرة من بينها تهديد الاستقرار العامquot;.
ومع مهلة الشهرين التي منحت لدولة قطر لترتيب أوضاعها أمام شروط الجارات الخليجيات بعودة آمنة سليمة إلى الحضن الخليجي تحت شرط quot;الحصار والعزلةquot;، فإن الخيارات تبدو محدودة وتحتاج إلى حسم سريع حول مصير القرضاوي ودعم جماعة الإخوان المسلمين.

أوضاع تركيا وأردوغان
من الأماكن المرشحة لتكون الملاذ الأخير للقرضاوي بعد تونس التي اصبحت الآن بعيدة المنال، هناك تركيا والسودان، لكنّ حتى هاتين الدولتين تبدوان غير جاهزتين لاستقبال الداعية الذي صارت نشاطاته وتصريحاته وخطبه تثير حفيظة الجميع.
لتركيا علاقات جيدة مع السعودية والإمارات والبحرين سياسيًا واقتصاديًا وهي ليست على استعداد أن تضحي بها من أجل quot;خاطر القرضاويquot;، هذا فضلاً عن أن رئيس الحكومة التركية رجب طيب أردوغان هو الآخر يواجه حركة معارضة عنيدة في الداخل وهي قد تطيح به أو أنها ستزعزع موقفه في الانتخابات الرئاسية المقبلة ولا يريد quot;صداعاًquot; أكثر باستضافة القرضاوي.
ظروف السودان والبشير
السودان، هي الأخرى عندها أزماتها الداخلية، إضافة إلى حرصها على علاقات متوازنة لا يمكن ان تضحي بها مع جارتها القوية مصر ومع دول الخليج الأخرى ذات الدعم المادي والاستثماري الكبير في السودان. كما أن الرئيس عمر البشير نفسه يواجه مطاردات من جانب المحكمة الجنائية الدولية، وهو في غنى عن quot;مشاكسةquot; العالم إذا ما استضاف القرضاوي المثير للجدل.
أما كل هذه المعطيات، تبقى خيارات القرضاوي الذي صار على أعتاب التسعين من العمر محدودة ومعه قطر سواء بسواء، وهي أن quot;يصمتquot; فلا عودة الى منبر مسجد عمر بن الخطاب ولا منتديات أو ندوات علنية يقودها من الدوحة تحت مسمى (الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين) الذي كان أسسه شخصياً وترأسه بقرار شخصي منه وبدعم من دولة قطر.
ولعل نظرة سريعة في الخبر الذي نُقل عن القرضاوي يوم الأحد وفيه نفى نقل مقره من الدوحة إلى تونس يُلاحظ ان الداعية راغب في البقاء في الدوحة مع تحطم آماله في الخيارات الأخرى quot;تونس، تركيا، أو السودانquot;، وهو وجه في تصريحه رسالة تصالحية هادئة اللهجة مع الدول الخليجية كافة لا تخلو من حالة quot;إنسانيةquot; قد تلامس قلوب قيادات الخليج رغم أنه غير مرحب به خليجيًا.
موقف شخصي
فإنه في الوقت الذي دافع فيه القرضاوي عن قطر، وقال إن quot;موقفي الشخصي لا يعبر عن موقف الحكومة القطرية.. حيث إني لا أتولى منصبًا رسمياً وإنما يعبر عن رأيي الشخصيquot;، فإنه بالمقابل استخدم quot;لغة تصالحيةquot; قائلاً: quot;أحب أن أقول إنني أحب كل بلاد الخليج وكلها تحبني: السعودية والكويت والإمارات وعمان والبحرين وأعتبر أن هذه البلاد كلها بلد واحد ودار واحدةquot;.
واضاف: quot;وأعتبر أن هذه البلاد كلها بلد واحد ودار واحدة. وقد عرفت كل ملوكها وأمرائها، واقتربت منهم جميعًا، وشاركت في كل عمل حر، يوجهها ويبنيها، وما زلت أطمع أن تزول هذه الغمامةquot;.
وفي الختام، فإن السؤال الأهم: هل ستزول هذه الغمامة ببقاء القرضاوي في الدوحة أمام الشروط الخليجية العنيدة ؟، قد يبدو الأمر مستحيلاً، إلا إذا كانت هناك دواعٍ وأسباب إنسانية متعلقة بسن القرضاوي، ولا سبب آخر قد يدعو دول الخليج للسماح لقطر بإبقائه، ولكن بعيدًا عن الأضواء وعن كل المنابر تنفيذاً لرغبته في quot;أن يموت في قطر ويدفن في ترابهاquot;