التناقض الحاد بين النظام والشارع الشعبي في مصر يعكس أزمة سياسية وإجتماعية تهدد مستقبل البلاد، فالشباب الذي أشعل أولى شرارات الثورة وقاد معاركها المتعددة، يجلس اليوم على هامش الحياة السياسية، فيما مازال قدامى النظام متمسكين بالحكم والسلطة.

يكشف موقف الشارع المصري من الانتخابات الرئاسية المقبلة عن فجوة حقيقية بين الأجيال ستؤثر على مستقبل مصر السياسي، فالجيل الأكبر سناً يؤيد المؤسسة العسكرية بشراسة وممثلها في الانتخابات الرئاسية المشير عبد الفتاح السيسي. أما جيل الشباب، فيرفض سيطرة الجيش أو المؤسسة العسكرية على الحكم بعد ثورة 25 كانون الثاني (يناير)
والفئة الشابة هي الشريحة الأكبر في المجتمع المصري، لذلك فإن رفضها لعودة حكم العسكر يعتبر عاملاً مؤثراً في الانتخابات الرئاسية المقبلة، على الرغم من أن هناك نسبة قليلة من الشباب المؤيد للمشير، وفقًا لما ذكرته صحيفة واشنطن بوست الأميركية.
وتقول الصحيفة إن quot;نظرة شباب مصر إلى المستقبل غير متفائلة إطلاقاً، لا سيما في ظل نسبة البطالة المرتفعة وحملات القمع ضد الرأي العام والصحافة ومنع الحكومة للمظاهرات ndash; تحديداً الطلابية منهاquot;.
من جهة ثانية، في كثير من الأحيان يبدو أن تأييد الجيل الأكبر سناً للمشير السيسي نابع من خوفهم من الأصولية الإسلامية والتطرف، الأمر الذي جعلهم ينظرون إلى السيسي على أنه المرشح الأقوى والأكثر قدرة على إعادة الاستقرار والأمن في البلاد.
السيسي يمثل استمرار سياسات الامن منذ 1952
وتضيف الصحيفة quot;هذا الاختلاف في وجهات النظر يعكس فجوة هائلة بين جيلين تؤدي إلى انقسام اجتماعي خطير في مصر التي تتجه نحو مسار quot;استبداديquot; كما أن السيسي quot;يمثل استمرارًا لسياسات الأمن منذ 1952quot;.
ويتمتع السيسي بدعم قوي من الجيل الأكبر سناً في مصر الذين ينظرون إليه كبطل مستعد لمواجهة المعارضة الإسلامية عن طريق العنف، وهو ما يمثل استمراراً للسياسات التي يقودها الأمن ويفضلها قادة مصر منذ استيلاء ضباط الجيش على السلطة في عام 1952.
مجتمع شاب وحكومة مسنة
وتقول واشنطن بوست quot;على الرغم من هذه الشعبية القوية التي يحظى بها المشير، إلا أنه يواجه صرخة رفض متنامية من الشباب الذين يشعرون بمرارة من المناخ السياسي القمعي وسجن الطلاب والناشطين الشباب الذين حملوا لواء الثورة المصرية وضحوا من أجلهاquot;.
الصورة السياسية في مصر هي عبارة عن شعب شاب بأغلبيته (أكثر من نصف المصريين تقل أعمارهم عن 25 عاماً) فيما يهيمن على الحكومة قدامى المحاربين السياسيين، إذ أن أصغر عضو في مجلس الوزراء هو وزير الشباب خالد عبد العزيز البالغ من العمر 55 عاماً، وإبراهيم محلب رئيس الوزراء الذي يبلغ من العمر 65 عاماً.
وترى الصحيفة أن النمو السريع في عدد الشباب أمر شائع في الدول النامية، وكذلك سيطرة كبار السن والساسة المخضرمين على الحكم. لكن هذه التركيبة التي قد تبدو اعتيادية هي في الواقع خطيرة وتهدد الاستقرار السياسي في مصر، وفقاً لما يقوله المحللون.
هذا الواقع أدى إلى خيبة ولامبالاة لدى الجيل المصري الشاب، اللاأمر الذي يظهر بوضوح في أرقام التصويت على الاستفتاء، حيث شارك فقط أقل من ربع الناخبين الذين تقل أعمارهم عن الثلاثين عاماً.
نسبة المشاركة المنخفضة تشير إلى تعميق اللامبالاة بين الشباب في مصر، بعد ثلاث سنوات من الثورة المطالبة بالديمقراطية التي قادها الشباب.
الاستقرار الهش يذكّر بعهد مبارك
بالنسبة للكثير من الشباب، الاستقرار الذي وعدت به الحكومة مع الدستور الجديد يذكر بسنوات حكم مبارك، عندما وجدوا أنفسهم تحت دولة بوليسية فاسدة وسعى الكثير منهم للهجرة.
ونقلت صحيفة الـ quot;واشنطن بوستquot; عن أيمن زهري، خبير ديموغرافي من القاهرة، قوله إن quot;ثورة 2011 لم تغيّر شيئاً والشباب فقدوا الأمل وكانوا ساذجين حين ظنوا أن الثورة ستنهي الفساد بين عشية وضحاها، بينما تولت القوى ذاتها مقاليد الحكمquot;.
وسائل الإعلام تشوه شباب الثورة
وترى الصحيفة الأميركية أن الحكومة المصرية استغلت وسائل الإعلام المحلية لتصوير النشطاء الشباب مثل أحمد ماهر، القيادي في حركة 6 أبريل التي لعبت دوراً رئيسياً في ثورة 2011، على أنهم من المخربين المدفوعين من الخارج لبث الفوضى في البلاد.
هذه الصورة تصبح أكثر تجذراً في تصريحات مؤيدي السيسي، إذ يقول المتحدث باسم حملة مؤيدة للسيسي، عبد النبي عبد الستار، إن الشباب المصريين سيعارضون أي شخص يأتي للحكم لأن هدفهم هو الفوضى فقط.
وتختم واشنطن بوست بقولها: quot;في ظل الانقسام العامودي والديمغرافي في الشارع المصري، تبقى نتيجة الانتخابات الرئاسية هي الكلمة الفصل، التي إما ستحدد مستقبل البلاد أو ستبشر بثورة شعبية ثالثةquot;.