تمر دول عربية عدة باستحقاقات انتخابية مختلفة، رئاسية أو برلمانية أو محلية، مرّ منها الاستحقاق الجزائري على كرسي بعجلات، وفاز بها الرئيس السابق الحالي عبد العزيز بوتفليقة، تزامنت مع هجوم لتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي على دورية للجيش الجزائري، أودى بحياة 14 جنديًا. وبقي لبنان وسوريا والعراق ومصر، حيث تكتسي هذه الانتخابات أهمية كبرى، لأنها تتم في اجواء غير طبيعية، ولأن نتائجها ستطبع حقبة مهمة آتية من تاريخ المنطقة العربية.


بيروت: يصر رئيس النظام السوري بشار الأسد على خوض الانتخابات الرئاسية، على الرغم من كل الجرائم التي اقترفها بحق شعبه خلال ثلاثة أعوام. فقد أعلن مجلس شعبه فتح باب الترشح للانتخابات الرئاسية، واضعًا شروطًا لا تتناسب إلا مع الأسد دون غيره من المرشحين، ومحددا 3 حزيران (يونيو) موعدًا لها، ما يسمح للأسد بالبقاء في السلطة، غير عابئ بمطالبة المعارضة السورية والدول الداعمة لها أن يتنحى، من أجل قيام حكومة موقتة.

قد تقام هذه الانتخابات، التي يصفها الأوروبيون بأنها مهزلة ديمقراطية صرفة، ولا بد أن الأسد سيعود رئيسًا، لكن أي سوريا سيحكم، إذ لن يكون بمقدوره فتح صناديق الاقتراع إلا في دمشق، التي لم تجتحها بعد الحرب المدمرة، التي قتلت أكثر من 135 ألف سوري حتى الآن. كما قد تحصل هذه الانتخابات في ظل عودة المجتمع الدولي، وفي مقدمه فرنسا، إلى اتهام الأسد ونظامه باستخدام الغازات السامة ضد المدنيين في مناطق القتال المختلة، على الرغم من توقيع دمشق على اتفاقية منع انتشار الأسلحة الكيماوية.

المعارضة ترفض حصول هذه الانتخابات، لأنها ليست سوى سيناريو يعيد الأسد إلى السلطة، بينما المطلوب أن يغادر سوريا إلى المحكمة الدولية، ليحاكم بتهمة اقتراف جرائم ضد الانسانية، خصوصًا مع فتح ملف الصور المسربة لآلاف القتلى من المعتقلين في سجون نظامه.

الدائرة اللبنانية المفرغة

ولبنان مقبل على انتخاب رئيس جديد، قبل 25 أيار (مايو) القادم. إنها المرة الثانية التي يتم انتخاب رئيس للبنان بعيدًا عن الوصاية السورية المباشرة، بعد أولى أوصلت ميشال سليمان إلى كرسي بعبدا. والجميع يدري أن سليمان وصل بعد معارك عنيفة في العام 2008، وتم التوافق عليه بعدما أراد حزب الله فرض نفسه على الدولة اللبنانية.

واليوم ايضًا، يريد حزب الله فرض نفسه وإرادته على اللبنانيين، أو على قسم كبير منهم على الأقل، إلا أن المعركة الانتخابية قد لا تصل إلى خواتيم سعيدة، لأن الفرقاء منقسمون بشكل عميق بين ترشح سمير جعجع، رئيس حزب القوات اللبنانية وأحد أركان قوى 14 آذار، وبين ترشح ميشال عون، رئيس التيار الوطني الحر وأحد أركان قوى 8 آذار.

الأصوات النيابية متقاربة، في حين تقدم اسماء وسطية، قطعًا لطريق وصول اي من المرشحين القويين إلى السلطة. وحتى يتم التوافق سعوديًا إيرانيًا على اسم الرئيس اللبناني العتيد، يبقى لبنان حائرًا، يدور في دائرة مفرغة. فالتوازن اللبناني هش، ولا يمكن حسم الأمور إلا بتوافق دولي، خصوصًا أن الانتخابات اللبنانية لا تنعزل تمامًا عن الانتخابات في سوريا، بعدما أعاد حزب الله الأمل للبعث السوري، ومنعه من الانهيار.

عراق بين نارين

في العراق، يخيم التوتر الطائفي على الانتخابات البرلمانية المقررة في 30 نيسان (أبريل) الجاري، في ظل عنف متزايد وعمليات إرهابية شبه يومية من خلال تفجير سيارات مفخخة، قتلت آلاف العراقيين في الأشهر الماضية.

ينتظر العراقيون الانتخابات التي قد تطيح برئيس الحكومة نوري المالكي، خصوصًا أنها تحصل في ظل حرب شبه حقيقية في محافظة الأنبار، حيث يجري قتال عنيف بين الجيش من جهة، ومسلحين مرتبطين بالقاعدة من جهة أخرى.

والتأثر العراقي بالوضع السوري ليس خافيًا، لأن ثمة قاسمين مشتركين بينهما. الأول، العنصر الإيراني المتغلغل فيهما. والثاني، وجود القاعدة على الأراضي العراقية والسورية، من خلال ما يسمى تنظيم الدول الاسلامية في العراق والشام.
ولا يمكن تجاهل المسألة الاقتصادية الكردية، إذ يخوض الأكراد الانتخابات البرلمانية المقبلة على أساس واحد وهو تأمين مصالح إقليم كردستان العراق النفطية.

مصر السيسي

وفي أواخر أيار (مايو)، يذهب المصريون، للمرة الثانية بعد ثورة 25 يناير، إلى صناديق الاقتراع لاختيار رئيس للجمهورية، بعدما عزلوا الاخواني محمد مرسي الذي انتخبوه في المرة الأولى. وتخيم على مصر اليوم أجواء من الترقب والقلق، إذ ترفض جماعة الاخوان المسلمين التسليم بخسارتها، مصرة على تسمية عزل مرسي بالانقلاب العسكري، وعلى افتعال التوتر وتنفيذ العمليات الارهابية ضد الجيش والأمن المصريين. كما يرفض الاخوان المشاركة في هذه الانتخابات ويعتبرونها غير شرعية.

ثمة مرشحان فقط للرئاسة المصرية، هما المشير عبد الفتاح السيسي، الأوفر حظًا في الفوز بالرئاسة، والمرشح الناصري حمدين صباحي. وتبدو فرص فوز صباحي ضئيلة، إذ يجتاح حب السيسي الشعب المصري كموجة هائجة، إذ يرون فيه مخلص مصر من الفوضى التي سببّها مرسي وإخوانه المسلمين.