تنازعت الأمم على الأراضي والمستعمرات، ثم على منابع الطاقة. ويتوقع الخبراء أن تتقاتل الشعوب عاجلًا على المياه. فهل يشهد العالم آجلًا حروبًا على الرمل؟

تشير دائرة البيئة الألمانية الاتحادية على صفحتها الإلكترونية إلى أن الرمل أهم من التراب، لأنه يدخل في الصناعة الإلكترونية بشكل لا يمكن الاستغناء عنه، ولأنه يشكل النسبة الأعلى من حواضرنا العظيمة التي نفتخر بمبانيها التي تناطح السحاب. فيشكل الرمل ثلثي مكونات الحجر الذي نستخدمه في البناء، ولا يشكل الإسمنت سوى نسبة الثلث. وتقدر الدائرة أن وزن الرمل في مكونات منزل سكني لعائلة صغيرة يرتفع إلى 200 طن.
قنبلة موقوتة
الرمل ليس مجرد شواطئ نقضي اجازاتنا الصيفية عليها، وليس قصورًا نبنيها ليسوّيها موج البحر بالأرض. وفي حين تستورد إمارة صحراوية مثل دبي الرمل من استراليا، بحسب فيلم quot;حروب الرملquot;، تعاني بعض شواطئ بولندا من الترمل، بسبب ما يلفظه بحر البلطيق من رمال. وصار العلماء الألمان ينقبون قيعان البحار بحثًا عن رمال احتياطية تستخدم في البناء. يهدد مثل هذا الهدر المبرمج للرمل بتحوله إلى قنبلة بيئية موقوتة، ستشغل العلماء باحتمالات انفجارها في أية لحظة.
علميًا، يكون ثاني أوكسيد السيليكون الجزء الأعظم من الرمل المنتشر على شواطىء العالم وفي صحاريه. وعرف الإنسان منذ عقود طويلة كيف يحول الرمل إلى أوانٍ زجاجية ملونة وجميلة وبأشكال مختلفة. وهذا التركيب المدهش من السيليكون والأوكسجين يشكل العمود الفقري لبناء اللبنة الاساسية في الشرائح الإلكترونية، التي تشكل عصب الصناعة الإلكترونية، ولإنتاج معظم الأجهزة الحديثة. ويدخل السيليكون أيضًا في صناعة العديد من المواد المهمة الأخرى، كمسحوق غسيل الملابس ومعجون الأسنان والمكياج والمواد الغذائية المجففة ومثبتات الشعر.

البطل المجهول
يقول الباحث ميشائيل فيلاند في الفيلم: quot;اعتبر الرمل بطل البشر المجهول، لأنه يتسرب إلى حياتنا يوميًا من دون أن نشعر بذلكquot;. ويضيف أن البشرية صارت مدمنة على السيليكون من دون أن تلاحظ ذلك، لذلك فإن النقص في السيليكون يهدد بالتحول إلى سبب مباشر من أسباب الحروب المقبلة.
وعدا عن السيليكون، يحتوي الرمل على عناصر هامة هي الثوريوم والتيتان واليورانيوم بكميات قليلة. ويمكن لنضوب الرمل أن يوقف إنتاج الأجهزة الإلكترونية الحديثة التي تمتد بين الكومبيوتر والـ quot;آي - فونquot;.
وتقول الخبيرة البيئية البريطانية كيران بيريرا في الفيلم إن انسان اليوم المحب للسفر لايعرف كم يشكل الرمل من وسائط النقل التي يستخدمها في رحلاته. فالرمل يشكل النسبة العليا في بناء الطائرة، بدءًا بالمحرك وانتهاءً بالجسد والاطارات، لكن الأنسان يستخدمه بديهيًا، كما يتنفس الهواء لاشعوريًا.
رمل الصحراء لا ينفع
قد يقول قائل إن في الصحراء ما يكفي من الرمل لمد جسر حجري إلى القمر، وقد يكون هذا ممكناً نظريًا، لولا أن رمل الصحراء لاينفع في البناء. فرمال الصحراء ناعمة وصقيلة جدًا، ولم تدخل حتى الآن في صناعة الكونكريت.
وبعد أن زحفت صناعة مواد البناء على ضفاف الأنهار، وشواطئ البحار، بحثًا عن الرمل والحصى، تتوجه الآن إلى قيعان البحار. وصور منتج فيلم quot;القنبلة البيئية الجديدةquot;، الفرنسي دينيس ديليستراك، كيف أدى الاستهلاك المركزي للرمال في المغرب إلى تجريد سواحله من الرمل، وكيف اختفت جزر صغيرة قرب اندونيسيا نتيجة لاستهلاك الرمال والحصى في صناعة مواد البناء، وكيف تعمل دبي على تجنب استهلاك رمالها عن طريق استيراد الرمل من استراليا. وإذ تحاول الشركات السياحية الاميركية فرش بعض شواطئ فلوريدا بالرمل الاصطناعي، تعويضًا عن الرمل الذي التهمته أعمال البناء، يتظاهر الناس في فرنسا في الشوارع ضد تصحر شواطئها.
15 بالمئة من حاجة البلد
يمكن أن تكون ألمانيا نموذجًا عمليًا للطريقة التي أخل فيها استهلاك الرمل في البناء بميزان البيئة الرملي. ففي حين تعاني الشواطئ الألمانية من تقلص الرمال، تعاني شواطئ بحر البلطيق من كثرة الرمال. وتتعامل الأمم المتحدة مع بعض شواطئ بولندا كمناطق منكوبة بالرمل، الذي يزحف تدريجيًا نحو الغابات.
وتقدر دائرة البيئة الاتحادية أن الألماني يستهلك 460 طنًا من الرمل في حياته. وهي الرمال التي تتسرب إلى حياة الألماني عند البناء، وفي الأجهزة ومواد التجميل والتنظيف، وقطع الأثاث...إلخ. وأدى هذا الاستهلاك إلى اختفاء الرمل من ألمانيا. وتقدر الدائرة أن ما تبقى من رمل على شواطئ بحارها لا يسد سوى 15 بالمئة من حاجة البلد الصناعية.
يدفع هذا الواقع الشركات الألمانية إلى التنقيب عن الرمل في قيعان البحار، وتخل بالتالي تمامًا بالميزان البيئي للرمل، وهو ما تبدى بشكل ظاهر على الشواطئ البولندية التي تعاني من كثرة الرمال. عدا عن ذلك، فإن أعمال الحفر تخلط مياه البحر بكثير من الرمال والأتربة، وهو ما يبعد الأحياء البحرية عن الشواطئ، ويجردها بالتالي من مناطقها البيئية التي تعيش فيها.
500 نوع
يفضل الألماني دانييل هيلبر، من جزيرة روغن على بحر الشمال، هواية جمع الرمال على هواية جمع الحصى التي سحرت والده. وهناك العديد من أنواع الرمل على سواحل الجزيرة التي يعيش فيها، لكنه يحتفظ في مجموعته بأكثر من 500 نوع من الرمل من 243 دولة ومنطقة.
ويراقب هيلبر كيف عملت الجرافات الضخمة، في السنوات الأخيرة، على كشح 325000 متر مكعب من الرمل من شواطئ ألمانيا البحرية على بحر الشمال وعلى بحر البلطيق. وينصح هيلبر بالاحتذاء بالتجربة الاسترالية، التي صارت تستخدم الزجاج المدور في صناعة الاسمنت بدلًا من شواطئها البحرية. وتخصص استراليا حاليًا 10 إلى 20 بالمئة من النفايات الزجاجية لتعويض الرمل في صناعة مواد البناء، وفي إنتاج الأجهزة والشرائح الإلكترونية.