تتصاعد أزمة سد النهضة بين مصر وأثيوبيا، بشكل متسارع، لاسيما في ظل إصرار أديس أبابا على تجاهل ملاحظات القاهرة حول السد، والإستمرار في عمليات البناء، وتعطيل المفاوضات بين الجانبين.

القاهرة: أعلنت وسائل إعلام مصرية، أن الحكومة نجحت في إيقاف تمويل السد من جانب بعض الجهات الدولية، وفي المعلومات أن الإتحاد الأوروبي، والبنك الدولي، وروسيا والصين، وإيطاليا، قررت إيقاف تجميد قروض بقيمة 3.7 مليارات دولار لتمويل بناء السد.
إلا أن خبيراً في الشؤون الأفريقية شكك في دقة ذلك الخبر. وأتهم أثيوبيا بممارسة ما وصفه بـquot;استراتيجية للخداعquot;، كما اتهم إسرائيل وأميركا بالوقوف وراء بناء السد، وإدارة العمليات الأساسية.
وقال الدكتور هاني رسلان، رئيس وحدة دراسات حوض النيل بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، لـquot;إيلافquot; إن تصاعد اللهجة الأثيوبية ضد مصر، ورفض إيقاف عمليات البناء واستئناف المفاوضات، تشير إلى أن quot;مصر لا تواجه أثيوبيا فقط، ولكن هي في الحقيقة تواجه إسرائيل بشكل أساسيquot;، مشيراً إلى أن إسرائيل quot;هي التي تدير العمليات الرئيسية بالكامل، كما أن مصر تواجه الولايات المتحدة الأميركية التي لا تظهر مباشرة، ولكن عبر بعض الوكلاء والعملاء، مثل الأتراك والقطريينquot;.
وأضاف رسلان أن quot;أثيوبيا تتبع استراتيجية الخداع والمناورة، لكسب الوقت. ومن ضمن هذه الأساليب أنها استغرقت وقتاً طويلاً حاولت خلاله إيهام مصر والسودان والعالم أنه يمثل مصلحة لكل الأطراف، وقد ثبت بالقطع وباليقين كذب هذا، من خلال تقرير اللجنة الثلاثية، الذي وقعت عليه أثيوبيا نفسهاquot;.
واتهم أثيوبيا بتضخيم نسب بناء السد، وأرجع ذلك الىquot;محاولة الإيحاء بأنه صار أمراً واقعاً، ولا فائدة من معارضته، وهذا أيضاً وهمquot;. ووصف ما ينشره الجانب الأثيوبي حول الإنتهاء من بناء ما نسبته 30% من السد، بأنها quot;نسبة خادعةquot;، موضحاً أن أثيوبيا تضع أية أعمال تقوم بها ضمن السد، وضرب مثلاً بعمليات إنشاء كوبري بين واديين أو تمهيد طرق أو بناء مساكن للعمال أو مصانع للأسمنت. ونبّه إلى أن هذه الأعمال ليست في جسم السد.
وأضاف: quot;نحن رأينا صوراً تشير إلى أن جسم السد لم يرتفع سوى ثلاثةامتار عن سطح الأرض، ومن المفترض أن يصل ارتفاعه إلى 145 متراً، والترويج بأنه تم الإنتهاء من بناء 30% من السد يأتي ضمن إستراتيجية أثيوبيا في الخداعquot;.
وفي ما يخص الأخبار التي تم تداولها على نطاق واسع بشأن نجاح الخارجية المصرية في التدخل لدى جهات دولية من أجل تجميد تمويلاتها لبناء سد النهضة الأثيوبي. وأوضح رسلان أن هذه الأخبار تتسم بعدم التناسق، موضحاً أن البنك الدولي لا يمول أية مشروعات في مناطق نزاعات من الأساس، ومنها سد النهضة الأثيوبي، مشيراً إلى أن روسيا لم تدخل في عمليات تمويل السد أيضاً، وأعلنت موقفها السياسي في دعم مصر في تلك الأزمة. وقال: quot;روسيا ليس لها تواجد يذكر في أثيوبياquot;.
وأضاف أن الصين أيضاً لا تمول السد بشكل مباشر، مشيراً إلى أن إحدى الشركات الصينية، سبق لها توقيع عقد لتمويل أحد خطوط ناقلات الكهرباء في أثيوبيا. ولفت إلى أن مصر أجرت اتصالات مكثفة مع الصين، وأوضحت لها مدى الضرر الذي يلحق بمصر، منوهاً بأن الصين تفهمت وجهة النظر المصرية. وقال: quot;لم تصل إلى علمي معلومات حول طبيعة الإجراءات التي اتخذتها الصين بناء على تفهم الموقف المصريquot;.
وأعترفت أثيوبيا ذاتها، بأن الضغوط المصرية نجحت في إيقاف عقد مع شركة صينية، بقيمة مليار دولار، لتمويل شبكات توليد الكهرباء، إلا أنها أعلنت في الوقت نفسه، أنها نجحت في التعاقد مع شركة أخرى صينية للهدف ذاته.
وكشف رسلان أن هناك متغيّراً جديداً طرأ على الساحة مؤخراً، وقال إن منطقة بناء سد النهضة شهدت هجومًا مسلحًا شنّه quot;بني شنقولquot;، وأسفر عن مقتل تسعة جنود أثيوبيين، منوهاً بأن حركة تحرير بني شنقول أعلنت مسؤوليتها عن الهجوم، وقالت إنها تقاوم ما وصفته بـquot;الإحتلال الأثيوبيquot; للإقليم، مشيراً إلى أن الحركة أعلنت أيضاً معارضتها لسد النهضة، الذي قالت عنه إنه سوف يدمر مقدرات الإقليم.
ولفت رسلان إلى أن هذا الحادث لم يحظَ بالإهتمام الكافي، منوهاً بأن quot;الحادث له دلالات سياسية واضحة، لاسيما مع دخول طرف رابع على خط الأزمة، وهذا أمر له تداعيات كثيرة على الأزمة بشكل كاملquot;.
وحول تأثير زيارة رئيس الوزراء المصري، إبراهيم محلب لدولتي تشاد وتنزانيا الإفريقيتين على أزمة سد النهضة، قال رسلان، إن quot;هذه الزيارة تنصرف بالأساس إلى قضية عودة مصر إلى ممارسة نشاطها في الإتحاد الأفريقي، لأنها قضية من المفترض أن تنظر في مجلس السلم والأمن الأفريقي في القمة المقبلة، وتشاد وتنزانيا أعضاء في المجلس خلال الدورة الحاليةquot;.
وحول ما إذا كان انشغال وانكفاء مصر على أزماتها الداخلية، وراء تفاقم أزمة سد النهضة مع أثيوبيا، قال رسلان: quot;غير صحيح بالمرة، لأن مصر معتادة على مثل هذه المواقف، وسبق لها أن واجهتها كثيراً، والدولة المصرية دولة راسخة وعريقة ولديها مؤسسات، تجيد توزيع التخصص والمهام، وتستطيع القيام بأدوارها بإقتدارquot;. وتابع: quot;أزمة سد النهضة لا يمكن التعامل معها بأي قدر من التهاون أو الإستسهالquot;.