لوكسمبورغ اصغر دولة في أوروبا، لكنها تعد من بين الأغنى تراثيًا وثقافيًا وماليًا، إذ فيها أعلى مستوى للدخل الفردي، وتنافس سويسرا كمركز مالي.

لوكسمبورغ: السفر من ولاية بافاريا في جنوب ألمانيا إلى اصغر دولة في القارة الأوروبية، لوكسمبورغ، لا يستغرق اكثر من ساعة واحدة بالطائرة، وكان السفر على الخطوط الوطنية اللوكسمبورغية في طائرة صغيرة جدًا، وهو أمر يتناسب مع حجم المسافرين إلى تلك الدولة الصغيرة.
الطائرة تتسع فقط لـ 18 شخصًا هم عدد المسافرين في ذلك الصباح، وهي التجربة الأوليى للطيران على طائرة صغيرة للغاية. ورغم أن السفر داخل أوروبا بالطائرة لا يزيد على الساعتين بأي حال، إلا أن إجراءات السفر في المطار ذهابًا وإيابًا تستغرق وقتًا كأي سفر عادي إلى أي دولة في العالم.
ما إن انتهينا من فنجان القهوة حتى كانت الطائرة تستعد للهبوط في مطار لوكسمبورغ. المطار يتناسب مع حجم الدولة الأصغر، فهو لا يزيد عن حجم مطار مدينة صغيرة في ألمانيا ولا يمكن مقارنته بمطار ميونيخ العملاق. حركة المسافرين في ذلك الصباح هادئة للغاية وأمام صالة الوصول مباشرة يمكن للمسافر أن يستقل تاكسي إلى المدينة أو يستقل المواصلات العامة، فالباصات مريحة وواسعة وخالية من الركاب، أي يمكن للمسافر أن يستقل الباص وسط شعور بالراحة،لا تستغرق المسافة اكثر من 10 دقائق حتى يصل المسافر إلى قلب لوكسمبورغ.
جزء من التراث
قلب المدينة القديمة يتميز بالجمال الطبيعي، والمقاهي تفترش مساحات كبيرة في وسط المدينة. أشكال الزهور والأشجار والمساحات الخضراء المختلفة في كل مكان، ورغم صغر مساحة الدولة أو الدوقية، إلا أننا نلاحظ التنوع الكبير من حيث الطبيعة الجميلة والآثار التاريخية الرائعة.
يفتخر أهالي هذه الدولة الصغيرة بدولتهم، وتقول السيدة برجيتا جيورج، دليل الرحلة السياحية، إن لوكسمبورغ شهدت عبر تاريخها أحداثًا تاريخية مليئة بقصص الأباطرة والكونتات والعديد من المعارك والنزاعات. وما زال العديد من القلاع والحصون في قلب الدوقية وفي مدنها المتفرقة تسرد قصص تلك الأيام.
لقد اصبح الحي القديم في لوكسمبورغ جزءًا من التراث العالمي لليونيسكو، حيث توجد قلعة لوكسمبورغ الضاربة بجذورها في عمق التاريخ الذي يمتد منذ القرن السادس عشر وحتى العام 1867، تاريخ انهيارها، القلعة فيها شبكة معقدة من الأنفاق وهي على قمة ربوة جبلية تشرف كل منافذها على المدينة من الجهات الأربع، وما زالت فيها مدافع قديمة تطل من فتحات على المدينة، كانت القلعة تعتبر من أهم المواقع الأوروبية المُحصنة وذلك بسبب موقعها الاستراتيجي. وقد تم تعزيزها وترميمها مراتٍ عدة خلال انتقال الحكم من سلطةٍ أوروبية كبيرة إلى أخرى.
ويعود تاريخ تأسيس لوكسمبورغ كدولة مستقلة إلى العام 963، عندما تمكن الأمير زيجفريد من السيطرة على المنطقة، وقام ببناء قلعة في موقع مدينة لوكسمبورغ حاليًا. وفي العام 1308 أصبح هنري السابع أمير لوكسمبورغ إمبراطور الامبراطورية الرومانية، وقام حفيده شارل كارل الرابع بإنشاء دوقية لوكسمبورغ في العام 1354، وهنا بدأ عصر الازدهار والرخاء.
خليط من الثقافات
إلى جانب القديم، نجد في قلب المدينة أيضًا المباني العالية والتكنولوجيا الحديثة جنبًا إلى جنب مع المعالم التاريخية التي تعكس نسيجًا غنيًا من الخبرة الحضارية. ويضيف إلى لوحة جمال المدينة تلك المساحات الخضراء التي تغطي ثلث مساحتها، حيث تتوافر المتنزهات والحدائق، التي تشكل حزامًا أخضر يلف المدينة.
كما يوجد فيها المتاحف والمسارح التي يمكن زيارتها، ويسكن في وسط المدينة ما لا يقل عن 150 جنسية مختلفة، يشكلون نسبة 44%، ما يجعل منها مزيجًا ثقافيًا متنوعًا. ويمكن ملاحظة ذلك بسرعة، فعلى سبيل المثال يتجلى ذلك الأمر في مرشدة الرحلة السيدة برجيتا فهي تقول إن أمها هولندية ووالدها من لوكسمبورغ وزوجها من الدنمارك وهي تتحدث خليطًا من لغات أوروبية عديدة.
من الناحية الجغرافية، تقع لوكسمبورغ في وسط دول عملاقة كبيرة. فمن الشمال والغرب تحدها دولة بلجيكا، ومن الشرق ألمانيا، ومن الجنوب فرنسا. وتبلغ مساحتها 2586 كيلومترًا مربعًا، كما أن عدد سكان لوكسمبورغ وفق إحصائيات العام 2005 هو 468571 نسمة. أما عددهم الآن فيبلغ 537 ألف نسمة.
منذ الوهلة الأولى داخل المدينة، يلاحظ الزائر اللغة اللوكسمبورغية التي هي مزيج لغوي فرنسي ألماني. فتقريبًا نحو 75% من مجموع السكان يتحدث لغتين أساسيتين، هما الألمانية والفرنسية. وتستعمل اللغة الألمانية في مرحلة التعليم الابتدائي، كما تعد اللغة الرسمية للصحافة، فيما تستخدم اللغة الفرنسية في المدارس الثانوية وفي المحاكم والبرلمان.
مستوي معيشي مرتفع
يتمتع معظم سكان لوكسمبورغ بمستوى معيشي مرتفع. ويعيش نحو 91.9% من السكان في المدن، ويرتفع معدل العمر إلى 77.5 سنة (80.7 سنة للإناث و74.4 سنة للذكور). بالمقابل، يتمتع السكان في لوكسمبورغ بأعلى دخل بين الدول الأوروبية، ويزيد الدخل السنوي للفرد على 58.900 ألف دولار سنويًا، وهذا ما يمكن ملاحظته في متاجر المدينة التي تعرض احدث الماركات العالمية.
في المدينة، نلاحظ أن هناك نهضة بنائية حديثة، واكثر ما يمثلها هو الشارع الأوروبي الجاري تشييده في قلب لوكسمبورغ الذي يتم فيه البناء باستثمارات أوروبية عديدة، ومن المحتمل أن يتم الانتهاء منه في السنة 2020 ليصبح أحد اهم الشوارع الأوروبية علي الإطلاق.
وفي قلب المدينة جميع المباني الحكومية وأهم المباني الاقتصادية والثقافية والعلمية، حيث توجد جامعة دولية للعلوم المقارنة، إضافة إلى العديد من الكليات التقنية والمهنية، والمتاحف والمسارح. وتؤدي لوكسمبورغ حاليًا دورًا مهمًا في الشؤون الدولية، وهي مقر للعديد من الهيئات الدولية، على رأسها هيئة الفحم والصلب الأوروبية، ومحكمة العدل الأوروبية.
دستوري وراثي
نظام الحكم في لوكسمبورغ ملكي وراثي دستوري، يعد فيه الدوق الأكبر الذي ينتمي إلى أسرة ناساو Nassau الملك والسلطة التنفيذية الرئيسية في الدولة، ويمثل البرلمان الذي يسمى مجلس النواب - والمؤلف من 60 عضوًا منتخبين من قبل الشعب - السلطة التشريعية في البلاد.
يعين الملك رئيس الوزراء وعشرة وزراء آخرين لتنفيذ أعمال الحكومة، كما يعين هيئة استشارية مكونة من 21 عضوًا تسمى الهيئة الاستشارية لمجلس الدولة. ومن الطريف ونحن نزور مقر الدوقية أن رأينا ولي العهد الأمير غيوم يحمل حقيبته خارجًا من القصر دون أي حراسة، وهي صفة مميزة لكل السياسيين في هذه الدولة.
الزراعة في لوكسمبورغ لا تتعدي 2%، وهذه الدولة من أهم الدول المنتجة للحديد والصلب على الرغم من تناقص أعداد المناجم التي تنتج الحديد الخام الذي يتحول إلى صلب. ومنذ أواخر السبعينات من القرن العشرين بدأت الحكومة في لوكسمبورغ تسعى إلى تنويع الاقتصاد، وتطورت بناءً على ذلك مجموعة من الصناعات ذات التقنية المتطورة، مثل صناعة الحديد والصلب والصناعات الكيماوية والصناعات الهندسية والكهربائية الدقيقة، والصناعات الغذائية وصناعة الإطارات والصناعات البلاستيكية.
تنافس سويسرا
تعد لوكسمبورغ مركزًا دوليًا ماليًا ينافس سويسرا، يوجد فيها نحو 200 مصرف دولي. وهي في الوقت نفسه من أهم مراكز الأزياء والموضة في أوروبا، إضافة إلى تطور السياحة فيها تطورًا كبيرًا.
ولوكسمبورغ عضو في الاتحاد الأوروبي، وكانت أول الدول الموقعة على اتفاقية ماستريخت. في نهاية الرحلة، نتجه إلى الشمال حيث نصل إلى منطقة الاردينيز بعد ساعة سفر بالسيارة، وهي منطقة فيها بعض بقايا الآثار التي تعود إلى القرون الوسطى، بالإضافة إلى القلاع مثل قلعة فياندن. وفي كل عام، يتم إحياء الأسواق التقليدية والمهرجانات كما لو أنها في القرون الوسطى، كما كان اللوردات والفرسان. بالإضافة إلى العروض والحفلات الموسيقية في الهواء الطلق التي تشهد على الثراء الثقافي للمنطقة، ويوجد فيها اكبر المحميات الطبيعية والمتنزهات.
أما المطبخ في لوكسمبورغ فممتاز. المطاعم تقدم أطباقًا شهية وهي متأثرة بالدول اللاتينية وفرنسا وبلجيكا وألمانيا، وبالمهاجرين من إيطاليا والبرتغال. وكما في ألمانيا، فإن الأطباق التقليدية في لوكسمبورغ تعود إلى الوجبات التي كان يطبخها الفلاحون، أمأ اهم المنتجات الأساسية التي تحضر منها الأطباق فهي السمك واللحوم والخضار وبخاصة البطاطا والفاصوليا والنقانق.