قال عمرو علي إن حركة 6 أبريل كانت مع الذي حصل في 30 حزيران (يونيو) لكنها وقفت ضد ما حصل في 3 تموز (يوليو) واعتبرته انقلابًا عسكريًا.

القاهرة: ساهمت حركة 6 أبريل في التحضير لثورة 25 يناير، وكانت وما زالت أبرز الحركات الثورية في مصر، وتعرضت على مدار ثلاثة عهود للقمع وحملات تشويه، بدأت في عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك، مرورًا بعهد المجلس العسكري برئاسة المشير حسين طنطاوي، وعهد جماعة الإخوان بقيادة الرئيس السابق محمد مرسي، ثم عهد المرحلة الإنتقالية الحالية بقيادة صورية للرئيس الموقت عدلي منصور، وقيادة فعلية للوزير الدفاع السابق عبد الفتاح السيسي.

حوار صريح

رغم الإتهامات الإعلامية ضد الحركة بتلقي تمويل من الخارج وبالعمالة، إلا أنه لم يتم تقديم أي قيادي أو عضو بها للمحاكمة بناء على هذه الإتهامات، بل تعرض مؤسسها أحمد ماهر للسجن ثلاث سنوات بتهمة خرق قانون منع النظاهر.

وفي 28 نيسان (أبريل) الماضي، أصدرت محكمة الأمور المستعجلة قرارًا بحظر أنشطة الحركة ومصادرة مقراتها وممتلكاتها، على خلفية الإتهامات المتداولة في وسائل الإعلام المصرية بتلقيها التمويل من الخارج.

"إيلاف" إلتقت المنسق العام للحركة عمرو علي، وهو شاب في الثلاثين من عمره، حاصل على بكالوريوس تجارة، ويعمل في مدرسة. لا تبدو عليه مظاهر الثراء، يرتدي ملابس بسيطة جدًا، مظهره لا يختلف كثيرًا عن مظهر الغالبية العظمى من الشباب المصري الكادح. ويحمل هاتفًا محمولًا لا يتجاوز سعره 100 دولار.

وفي حوار لا تنقصه الصراحة، وصف علي حظر أنشطة الحركة بأنه يأتي ضمن الفوضى القضائية والقانونية التي تمر بها مصر، مشيرًا إلى أن الحركة متواجدة على الأرض، ولا يمكن منع أنشطتها بقرار. أضاف: "الإتهامات بالعمالة والخيانة هي سمة الأنظمة الديكتاتورية مع معارضيها"، منوهًا بأن لجنة تقصي الحقائق القضائية التي شكلها المجلس العسكري برئاسة طنطاوي أثبتت أن الحركة لم تتلقَ أي تمويل خارجي.

في ما يأتي نص الحوار:

كيف ترى حظر نشاط 6 أبريل ومصادرة مقارها وممتلكاتها؟

هذا الحكم يمثل تجسيدًا للفوضى التي تعيشها مصر، لاسيما الفوضى القضائية. ليس هناك كيان قانوني اسمه "6 أبريل" يمتلك مقرات، إنها حركة ضغط سياسي، متواجدة بالشارع منذ ست سنوات، تعمل على أن يحصل المصريون على حقوقهم، وأن يحصل القضاة أنفسهم على إستقلاليتهم. وإذا كان القاضي الذي أصدر الحكم يملك نظريًا إصدار حكم بحظر الحركة، إلا أنه لا يملكه شعبيًا. فالحركة متواجدة على الأرض بحكم الدستور الذي ينص على أن التجمع حق لكل مواطن مصري، فالحركة ليست إلا مجموعة من المواطنين. ومن المهزلة القانونية والقضائية أن يحكم قاضٍ على آلاف من أعضاء الحركة والمحبين أنهم فجأة أصبحوا يتخابرون مع جهات أجنبية، وفجأة أصبحوا يسعون إلى تدمير الدولة المصرية، إنه كلام لا يقبله العقل أو المنطق.

ومما يزيد الأمر سخرية، أن المحكمة استندت في إصدار حكمها على ثلاثة أمور، وهي: أقاويل في البرامج السياسية الاعلامية، برنامج اسمه الصندوق الأسود، يدعي مقيم الدعوى، أنه سرب تسجيلات تثبت أننا نتخابر مع جهات أجنبية. أما السند الثالث، فهو يظهر ضمنيًا في ثنايا الحكم، ويتمثل في أن الحركة هي من قامت بالثورة وأدت إلى إحداث الفوضى وأضرت بالدولة المصرية. ومن الطريف أن القاضي أدعى أننا نتقاضي أموالًا من دون الشعور بالذنب، ولست أدري على أي أساس قال إننا نحصل على أموال ولا نشعر بالذنب؟ إنه أمر هزلي.

تصفية حسابات سياسية

وما موقفكم القانوني بعد إصدار الحكم بحظر الحركة؟

طالبنا بعد صدور الحكم مباشرة بضرورة مراجعة اختصاصات محكمة الأمور المستعجلة، لأنها صارت أداة في يد النظام لتصفية الحسابات السياسية بحق الكيانات المختلفة معه. لكن أغرب ما في قانون تلك المحكمة أنه ليس من حقنا الطعن على الحكم، لأن مقيم الدعوى لا يختصم المشكو في حقه، بل يختصم الدولة. ولست أدري كيف يتم إصدار حكم ضد أشخاص أو ضد كيان ولا يمنح الحق في الطعن في هذا الحكم. لكنّ محامي الحركة ومحامين يعملون في مجال حقوق الإنسان، يبحثون في كيفية إيجاد مخرج قانوني لإيقاف هذا الحكم.

ـ لماذا تثار علامات استفهام خبيثة بشأن تمويلكم؟

هذه هي طبيعة الأنظمة الديكتاتورية. كل نظام يدعي أن معارضيه مأجورون من دول أخرى، وهو ملاك وخدوم جدًا، وأبناء وطنه الذين يحكمهم لا يمكن أن يعترضوا عليه، أو يطالبوا برحيله. قالها مبارك وأدعى الوطنية واتهمنا بالعمالة، وقالها المجلس العسكري أيضا. وقالها مرسي وأدعى الوطنية، واتهم من في الحكم الآن بالعمالة. كما قالها رئيس أوكرانيا الهارب في روسيا، واتهم معارضيه بالعمالة. أنه اتهام جاهز ومعلب، جاهز لكل من يعارض أي نظام ديكتاتوري، وسيطال أيضًا القوى السياسية المؤيدية للنظام الحالي إذا تجرأت على معارضته، وقد حدث ذلك مع الدكتور عصام حجي، المستشار العلمي للرئيس الموقت، عندما أعترض على جهاز الكشف الكاذب الذي أعلنت القوات المسلحة اختراعه للعلاج من فيروسي "الإيدز" و"الكبدي سي". وكان الرد هو اتهامه بالعمالة لأميركا لأنه يعمل هناك. والغريب أن الدولة ترفض وضع إطار تشريعي لتقنين أوضاع الحركات السياسية التي قامت بالثورة، وطالبنا بإصدار هذا القانون منذ أول يوم لتنحي مبارك، حتى تكون تحت رقابة الجهاز المركزي للمحاسبات، ولكن لأن النظام لم يسقط، بل سقط رأسه فقط، وما زالت عقليته تدير شؤون البلاد، لم تتم الاستجابة لنا. فهم ما زالوا يرون أن هناك خطورة من تقنين أوضاع الحركات الشبابية، لأن خطتهم ترمي إلى القضاء عليها تمامًا، من خلال استمرار الإتهامات المعلبة بالتمويل والعمالة للخارج.

لم نتلقَ تمويلًا خارجيًا

ـ لكن تسريبات برنامج الصندوق الأسود تضمنت إشارات في اتصالات قيادات الحركة إلى تلقي أموال؟

يجد طريقه للإعلام ما لم يجد طريقًا له إلى القضاء، أي أنه غير ذي أهمية للقضاء. كما أن التنصت على الإتصالات الهاتفية، يمكن اجتزاء كلام الشخص المراقب، وتحويله في اتجاهات أخرى. ومن الطبيعي أن يتحدث الإنسان في حياته اليومية عن الأموال، أو عن أصدقائه أو حتى يمارس "الهزار" بكلمة أو جملة عبثية، لذلك جرمت كل دول العالم التنصت على الحياة الشخصية. تسجيلات عبد الرحيم علي لم تجد طريقها إلى القضاء، فذهبت إلى الإعلام. ولأننا نعيش في دولة رخوة وقمعية كان من المفترض محاسبته ومحاكمته، لأنه مثلًا كان يترجم ما يدور في الإتصالات حسب مزاجه، فيقول إن هذا الكلام يدل على التمويل، وهذه أمور عبثية.

تقدمنا ببلاغات إلى النائب العام، طالبنا فيها بضرورة التحقيق معنا فيما يثار بشأن التمويل الأجنبي، لكن لم يستجاب لنا. و ورغم ذلك ثبتت براءتنا من خلال لجنة تقصي الحقائق التي شكلها المجلس العسكري بقيادة المشير حسين طنطاوي، من قضاة منتدبين، تحت اشراف وزير العدل. وقالت في تقرير لها إن الكيان الوحيد الذي لم يتلقَ تمويلات خارجية هو "6 أبريل"، وذكر أن هناك 122 كياناً في مصر يتمولون من الخارج، منهم الإسلامي أو من الفلول أو كيانات حقوقية. للأسف الشديد نحن نعيش في دولة بدلًا من أن تحتفي بأبنائها ونضالهم تحرقهم وتحبسهم.

ـ كيف تقرأ إعتقال مجموعة من النشطاء غير الإسلاميين، من كان لهم دور بارز في الثورة، ومنهم أحمد ماهر مؤسس الحركة؟

إنها تصفية وليس رداً على ثورة 25 يناير، تصفية تحت غطاء قانوني، مثل قانون التظاهر وخلافه، وتتم التصفية تحت غطاء سياسي أيضًا من نخبة وأحزاب سياسية منبطحة. ولعل السبب في انبطاحها جاء على لسان اللواء سامح سيف الليزل (نائب رئيس جهاز الإستخبارات السابق)، عندما قال إن المجلس العسكري كان يمول كل الأحزاب والإئتلافات الجديدة، وطبعًا لم يتم فتح تحقيق في هذا الأمر، وهذا يزيل الإستغراب والإندهاش حول انبطاح هذه الأحزاب للمجلس العسكري الحالي. الهدف هو القضاء على ثورة 25 يناير، منذ تنحي مبارك في 11 شباط (فبراير) 2011، ومن أجل ذلك اصطنع موجة 30 يونيو، لكي يحصل على غطاء شعبي، يحتمي به ضد ثورة 25 يناير.

مع 30/6 وضد 3/7

ـ تقول ذلك رغم أن حركة 6 أبريل كانت من أول المنادين بـ"موجة 30 يونيو"، وسافر أحمد ماهر وآخرون لدول أوروبية لإقناع العالم بأنها ثورة شعبية وليست إنقلابًا عسكريًا؟

أحمد ماهر لم يسافر ضمن الوفد إلى أوروبا، بل عرض عليه من رئيس الجمهورية الموقت، أثناء مقابلة معه، ورفض السفر. ومن أسباب اعتقال ماهر أنه عقب تلك الزيارة غرد على تويتر في ما معناه أن ما حصل إنقلاب عسكري. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، نحن كنّا من المؤيدين لـ"30/6"، لأن الأخوان المسلمين لم يتركوا أي حل آخر. خرجنا في "30/6" مع الناس، لكننا في الوقت نفسه كنا ضد "3/7"، أي ضد تدخل الجيش بقيادة عبد الفتاح السيسي، وعزل الرئيس السابق محمد مرسي. وعقدنا ثلاثة مؤتمرات وأصدرنا خمسة بيانات قلنا فيها إن المؤسسة العسكرية تحاول أن تمهد الطريق أمام "30/6" من أجل استغلالها لصالحها، وقلنا أيضًا أنه رغم إيماننا بضرورة "30/6"، إلا أننا نحذر من تدخل المؤسسة العسكرية. ورفضنا لاحقًا ما حصل في "3/7"، لأن المصريين خرجوا من أجل انتخابات رئاسية مبكرة، وليس من أجل إلغاء كامل للنظام والدولة، وعندما ظهر "التفويض" (دعا السيسي أنصاره إلى الخروج في مظاهرات مليونية بتاريخ 26 تموز (يوليو) لتفويضه من أجل مواجهة الإرهاب المحتمل، وقلنا إن الهدف منه التمهيد لمجزرة في حق مواطنين مصريين سواء اتفقنا أو اختلفنا معهم سياسيًا. ومن هنا بدأ خلافنا مع النظام الحالي.

ـ هل معنى كلامك السابق أنكم الآن تعتبرون ما حصل في 3 تموز (يوليو) إنقلابًا عسكريًا وليس تغييراً ثوريًا؟

كنا مؤمنين بأن مرسي "لازم يمشي"، والناس كانت مؤمنة بذلك أيضًا، لكن المؤسسة العسكرية استغلت ذلك لتحقيق مصالحها الخاصة. ليس مهمًا استخدام مسميات نظرية لوصف الأوضاع أو التغييرات السياسية، لكن ممارسات النظام الحالي هي ما دفعنا للنزول إلى الشوارع والعمل ضده، وعدم الإعتراف بشرعيته.