وصف الناطق الرسمي للجبهة الشعبية حمة الهمامي الإشادة الدولية بالتجربة التونسية في الانتقال الديمقراطي بـ"الكذب والنفاق"، متهمًا القوى الدولية بالسعي إلى إجهاض الثورة التونسية وتوجيهها نحو خيارات ليبرالية.


تونس: في مقابلة خاصة مع "إيلاف"، قال حمة الهمامي، الناطق الرسمي للجبهة الشعبية (تحالف أحزاب يسارية وقومية) وزعيم حزب العمال التونسي اليساري، إن الجبهة متمسكة بإجراء الانتخابات القادمة في تونس في موعدها، مؤكدًا في الآن نفسه أن الجبهة لن تقبل بأي انتخابات، في إشارة إلى عدم تطبيق بنود خارطة الطريق المتفق عليها خلال الحوار الوطني الذي شهدته تونس نهاية العام الماضي، وأثمر تشكيل حكومة كفاءات مستقلة جديدة.

وحول التحالفات الانتخابية القادمة، أوضح الهمامي أن جبهة الإنقاذ المتكونة أساسًا من الجبهة الشعبية والاتحاد من أجل تونس الذي يضم حزب نداء تونس، رئيسه الباجي قايد السبسي، قد أنهت دورها تقريبًا، موضحًا أن الجبهة الشعبية ستشارك في الانتخابات القادمة بقوائمها الخاصة وستحسم موقفها من مرشحها الرئاسي نهاية الشهر الحالي.

وفي ما يأتي نص الحوار:

ما مطاعنكم على القانون الانتخابي الجديد في تونس؟

&من ناحية الشكل، كنا نعتبر أنه من الضروري عدم حسم موضوع القانون الانتخابي بمنطق الأقلية والأغلبية في المجلس الوطني التأسيسي، وإنما بتوافق واسع كما حصل خلال المصادقة على الدستور. كما كان من الضروري أيضًا أن يتم هذا التوافق ضمن الحوار الوطني لأن هناك محاولة من عدة أطراف، بما فيها حركة النهضة لتهميش الحوار الوطني والتعويل على حل هذه المسائل داخل المجلس التأسيسي. كما لدينا مؤاخذات عديدة تتعلق بكيفية مراقبة عملية تمويل الحملات الانتخابية والعتبة الانتخابية، لمنع تشتت الأصوات والتناصف الأفقي والتعامل مع الجرائم الانتخابية.

ما موقفكم من مسألة إجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية بالتزامن؟

الجبهة الشعبية مع الفصل بين الانتخابات الرئاسية والتشريعية، وهذا المعمول به في كل التجارب الديمقراطية.

متمسكون بالانتخابات

&هل يمكن ان تقاطعوا الانتخابات القادمة احتجاجًا على القانون الانتخابي؟

إمكانية مقاطعة الانتخابات من عدمها لم تناقش صلب الجبهة الشعبية بعد، لكننا وجهنا رسائل للمنظمات الراعية للحوار الوطني في تونس، وسنقيّم خلال الأيام القادمة مدى تأثير القانون الانتخابي على نزاهة الانتخابات.

يرى البعض أن الجبهة الشعبية تسعى لتعطيل المسار الانتخابي وتدفع نحو تأجيل موعد الانتخابات. فما ردكم؟

كلما دافعنا عن الحق والشعب والديمقراطية وجهت لنا مثل هذه الاتهامات، ونحن لم نعد نكترث بذلك. نحن متمسكون بإجراء الانتخابات في موعدها، لكننا لن نقبل بأي انتخابات، والتراخي نلاحظه من حركة النهضة ومن أحزاب أخرى. نحن نتساءل أيضًا حول مدى تحقق ما ورد في خارطة الطريق من قبل حكومة مهدي جمعة وشرط التوافق كان ينص على تزامن إجراء الانتخابات مع تنفيذ ما جاء في خارطة الطريق.

أخشى ما نخشاه أن تتراخى حركة النهضة في علاقة بالمسارين التأسيسي أو الحكومي، وتفرض علينا إجراء انتخابات حتى لو لم تستكمل خارطة الطريق، ستكون عندها انتخابات بحضور ميليشيات ودون تحييد المساجد ودون مراجعة التعيينات ودون تحقيق في الاغتيالات السياسية.

ما معنى ذلك؟ وهل يمكن أن تؤجل الإنتخابات؟

نحن متمسكون بإجراء الانتخابات في موعدها قبل موفى السنة الحالية، والجبهة الشعبية تضغط على الحكومة والحوار الوطني من أجل اتمام ما جاء في خارطة الطريق. طالبنا أمين عام المنظمة الشغيلة السيد حسين العباسي بعقد ثلاث جلسات للحوار الوطني حول القانون الانتخابي والحكومة حول مدى تقدم خارطة الطريق و جلسة ثالثة حول هيئة الانتخابات وعملها.

الحوار ليس حلًا

يبدو موقفكم نقديًا وحادًا مقارنة بحلفائكم في جبهة الانقاذ نحو الحكومة. كيف تقيّمون الزيارات إلى فرنسا والولايات المتحدة؟

&ليست لهذه الزيارات في رأينا قيمة كبرى، بل نطرح عديد التساؤلات حول مدى معالجتها للأزمة الاقتصادية الراهنة. كما لا نتفق مع الحل الذي ذهبت إليه الحكومة، لأنه يعيد إنتاج الأزمة من جديد، فهذه الحكومة تعيد نفس الخيارات الاقتصادية السابقة. الجبهة الشعبية قدمت مشروع ميزانية اصلاحياً والحكومة لم تناقشه لحد الآن. نحن لم نختر السيد المهدي جمعة ولم نقم بتزكية هذه الحكومة، فوزراؤها ليبيراليون اقتصاديًا واجتماعيًا.

هل تعتبرون الحوار الاقتصادي الذي دعا له رئيس الحكومة حلًا للوضع الحالي؟

الحوار الاقتصادي أهمل موضوع الجباية ومواضيع أخرى، ولا نعتبر أنه يمثل بداية حل، لأن المنهجية المعتمدة خاطئة واتحاد الشغل ومنظمات أخرى يدعمننا في هذا الموقف. ونحن نعتبر بعث هذه اللجان التقنية محاولة لتمرير القرارات التي تريد الحكومة اتخاذها ولا يمثل ذلك حلًا للأزمة. وعلى حكومة مهدي جمعة اتباع ما ورد في خارطة الطريق اقتصاديًا، لكنها للأسف انحرفت عن ذلك. من أبرز نقاط خارطة الطريق تخفيف وطأة الأزمة الاقتصادية على الأجراء وعلى الفئات المتوسطة في مجال الأسعار والتشغيل والتنمية الجهوية، لكن هذه الحكومة تتجه نحو اتخاذ إجراءات جوهرية وفق ما يطلبه صندوق النقد الدولي وكل بلد طبق توصيات صندوق النقد الدولي عرف انفجارًا اجتماعيًا.

ما موقف الجبهة الشعبية من لائحة اللوم المقدمة ضد وزيرين حول دخول سيّاح بجوازات سفر اسرائيلية؟

&الجبهة الشعبية ضد التطبيع، وناضلت من أجل أن يتم إدراج تجريم التطبيع في الدستور سابقًا، ولاحظنا أن عديد الأطراف تحاول الاستخفاف بهذه القضية التي نعتبرها جوهرية. هذه ليست قضية دينية أو سياحية، وبالتالي نحن مع مساءلة الوزيرين لفهم حقيقة ما حصل. فمن العيب أن يتحول ما كان يقوم به بن علي في الخفاء إلى العلن بعد الثورة، وهذا من أوجه الالتفاف على الثورة والربيع العربي.

جبهة الانقاذ انتهت

هناك اختلافات على مستوى مكونات جبهة الانقاذ في هذه المسألة. هل يؤثر ذلك على طبيعة عملكم المشترك؟

جبهة الانقاذ أدت مهامها وأعتبرها انتهت تقريبًا. هناك بعض الأوجه للعمل المشترك لكن في قضايا السياسة الخارجية أو غيرها لم يكن أبدًا لنا موقف موحد.

هل يعني هذا أنه لم يعد ممكنًا الترشح في قوائم مشتركة على مستوى جبهة الإنقاذ؟

جبهة الإنقاذ لم تكن جبهة انتخابية منذ البداية، لكننا نشتغل معهم في كل ما يتعلق بالمناخ الانتخابي، وإذا كانت هناك نقاط تجمعنا في برامجنا الانتخابية بعد الانتخابات فمن الممكن أن نلتقي حولها.

ما مدى صحة الأخبار الرائجة عن خلافات صلب الجبهة خاصة بين حزب العمال وحزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد؟

منذ تأسست الجبهة الشعبية والإشاعات تلاحقنا، في محاولة لضرب اللحمة داخل الجبهة. يمكنني أن أؤكد أن الخلافات الموجودة داخل الجبهة الشعبية أقل بكثير من أحزاب أخرى، وعلاقاتنا برفاقنا في الوطن الموحد جيدة جدًا والسر في الديمقراطية داخل الجبهة.

هل ستكون مرشح الجبهة للانتخابات القادمة؟

لم يحسم الأمر نهائيًا، ومن المتوقع أن يحسم في الندوة الوطنية نهاية الشهر الحالي. أنا بصدد التفكير في هذه المسألة، والمترشح لا بد أن يقدم رؤية كاملة لبرنامجه. وبالنسبة لنا في الجبهة الشعبية، الانتخابات ليست هدفًا في حد ذاته، لكن أعتبر أنه لا يمكن بناء فكرة دقيقة حول وزننا الانتخابي بالاعتماد على نتائج عمليات سبر الآراء فقط، فما تقدمه هذه العمليات نسبي جدًا. ما ينقص الجبهة الشعبية الآن هو التنظيم، لكننا مقتنعون بأننا من ناحية الحضور الشعبي والجماهيري نتجاوز كثيرًا ما يرد في نتائج سبر الآراء.

فليستقل المرزوقي

هل أنتم مع استقالة رئيس الجمهورية ورئيس المجلس الوطني التأسيسي من منصبيهما في صورة الترشح للانتخابات الرئاسية القادمة؟

أظن أن مصطفى بن جعفر، رئيس المجلس الوطني التأسيسي، قال إنه سيستقيل في حال ترشحه للرئاسة، لكن رئيس الجمهورية منصف المرزوقي لم يعلن ذلك، وهذا يمثل إشكالاً بالنسبة لنا. ولسنا مطمئنين لعدم استعمال المال العام في الحملات الانتخابية لذلك من الأفضل أن يستقيل المرزوقي عند اعلان ترشحه.

ما رأيك في القول إن المعارضة التونسية تشتتت بعد الحوار الوطني وتشكيل الحكومة، في حين خرجت حركة النهضة منتصرة؟

حركة النهضة لم تنتصر. النهضة فشلت سياسيًا، كما فشل الإخوان المسلمون في كل الأقطار العربية. لقد عملت بكل الوسائل على إرساء ديكتاتورية دينية لكن الشعب أفشلها.

على المستويين الاقتصادي والاجتماعي، النهضة أوصلت البلاد إلى شفير الهاوية وهذا بشهادة رئيس الحكومة الحالي مهدي جمعة. والنضال الشعبي أجبر النهضة على القبول بالدستور الجديد بعد أن حاولت تمرير نسخة سيئة سابقة وفرض عليها الرحيل من الحكومة بعد أن كان رئيس الحكومة السابق علي العريض يرفض ذلك قطعيًا.

الفترة الانتقالية فترة مخاض، فكل طرف سياسي يبحث عن استقراره في جبهة سياسية، ولذلك لا لوم على القوى المعارضة. ففي اسبانيا مثلا بعد سقوط فرانكو كان هناك تقريبًا 400 حزب سياسي.

كذب ونفاق

هل أنتم مقتنعون بالإشادة الدولية الواسعة بالتجربة التونسية في الانتقال الديمقراطي؟

إنه كذب ونفاق. في السابق، كانوا يشيدون ببن علي. لو كانوا يدعمون تونس حقًا لماذا لم يجمدوا تسديد الديون؟ ما قيمة مديونتهم تجاه تونس ونحن نتخبط الآن في الديون؟ كل ديوننا تجاه فرنسا مثلا قمنا بدفعها وما تبقى تقريبًا هو الفوائد. أتساءل لماذا لا يتم التخلي عنها إن كانوا حريصين على دعمنا؟

&هم في أزمة ويسعون لقضاء مصالحهم وهدفهم الاستراتيجي إجهاض الثورة التونسية ولبرلتها كما كان عهد بن علي.

ما موقفكم من أحكام الاعدام الأخيرة في مصر؟

&الجبهة الشعبية ضد حكم الاعدام بشكل مبدئي. أعتقد أن الشعب المصري وجد نفسه بين فكي كماشة، الإخوان والعسكر. والقوى الديمقراطية في مصر ضعيفة، ولم تتمكن من فرض سياق آخر كما تم فرضه في تونس.

هل هذا تطور في موقفكم تجاه ما يحصل في مصر مقارنة بموقفكم إثر الإعلان عن عزل مرسي؟

بالنسبة لـ30 يونيو، كان هناك حراك شعبي لا يمكن نفيه. ونحن أقرينا بذلك، وما أسقط الاخوان هي الإرادة الشعبية، والجيش ساند الحراك الشعبي، لكننا حذرنا من أن ينقلب ذلك إلى استحواذ على السلطة. اليوم، العسكر أمسك بالسلطة في مصر، نظرًا لوزنه، لكننا نرى أن مسؤولية الوضع تعود للإخوان أساسًا. وكنا نتمنى أن تسقط القوى الديمقراطية الإخوان وأن تتزعم هي المشهد.

هل تعتقد أن نتائج الانتخابات الجزائرية الأخيرة تؤثر في المشهد السياسي التونسي وتوازناته؟

طبعًا أوضاع الجيران لها تأثير كبير، فالوضع في ليبيا اليوم يؤثر على تونس في جميع المستويات، والوضع في الجزائر مؤثر في تونس أيضًا، ووضعنا ينعكس عليهم بالتوازي.

الانتخابات الجزائية أمر داخلي يخص الجزائريين، ولا يمكننا أن نقدم إملاءات لهم. يهمنا استقرار الوضع في الجزائر وعلى الحدود بيننا، والشعب الجزائري مسؤول عن تغيير أوضاعه الداخلية. لكننا في تونس نرفض كجبهة شعبية أم يمسك رئيس بالسلطة لأربع فترات انتخابية متتالية.