الصينيون في الدار البيضاء المغربية، لهم "تشاينا تاون"، ويتاجرون في كل شيء، خصوصًا الألبسة والأجهزة الإلكترونية، ولا يتحدثون كثيرًا لأن وقتهم من ذهب.


الدار البيضاء: تشاينا تاون المغربية... هكذا يحلو للبعض تسمية منطقة عامرة بمحلات الصينيين في درب عمر، الذي يعد من أبرز المراكز التجارية في عاصمة المغرب الاقتصادية الدار البيضاء.

في ضيافة الصينيين
في مدخل زنقة خريبكة في درب عمر، تصادفك لافتة كبيرة كتب عليها باللغة العربية والصينية "المركز التجاري الصيني"، حيث تصطف عشرات المحلات التجارية التي تعرض مختلف السلع بأثمنة تجذب الزبائن. فبعد أن كان الأمر يقتصر قبل سنوات على بضعة تجّار في هذه السوق، قفز العدد إلى ما يفوق الألفين بعد أن وجدوا في الدار البيضاء سوقًا نشطة لترويج سلعهم التي تتوزع بين لوحات فنية صينية ومزهريات وأوانٍ منزلية وأحذية وبعض الثياب والأفرشة والديكورات والأجهزة الإلكترونية.
يقول لي سو، أحد الباعة الصينين، بلهجة مغربية ركيكة، "كلشي مزيان (الأمور جيدة)، الخدمة شوية شوية، ولكن مزيان (الأعمال متوسطة لكن المدخول لا بأس به)".
&
علاقة جيدة
أضاف البائع: "ليست لدينا مشاكل مع المغاربة، إذ سرعان ما اندمجنا معهم وتعلمنا دارجتهم للتواصل بشكل أفضل، وأصبحنا نعرف عاداتهم وطريقة عيشهم، ونحن نشتغل في المجالات والقطاعات التي تعرف إقبالاً، فالنشاط التجاري ليس متوقفًا كما هو الحال في دول أخرى".
ورغم أنهم متحفظون في التواصل، ويعملون على حل مشاكلهم بصمت، إلا أنهم لم يترددوا في الاعتماد على الأيادي العاملة المغربية لمساعدتهم في تجارتهم. وتتراوح الأجرة اليومية التي يقدمونها إلى العاملين المغاربة ما بين 70 إلى 100 درهم، أي 8 إلى 12 دولارًا في اليوم.
وبحسب دراسة رسمية، معظم الصينيين المقيمين بالمغرب لغرض التجارة أو الوظيفة أو الإدارة يتمركزون في العاصمة الاقتصادية ونواحيها، فيما يفسر تمركز مجموعة في بعض المدن الصغير بعملهم في مجال إنجاز الطرق السيارة.&

إقبال على السلع&
خلال جولتنا في محلات "المركز التجاري الصيني"، لاحظنا إقبالًا نسائيًا كبيرًا على السلع الصينية. رشيدة س. ربة منزل، واحدة من اللواتي يترددن باستمرار على المركز ،&لشراء مختلف حاجياتها من أدوات منزلية إلى الأثاث المنزلي وغيرها.
تقول رشيدة: "أقتني مختلف حاجياتي من هذا المركز بسبب الأسعار المنخفضة، فهناك عدد من الأجهزة الإلكترونية والأدوات المنزلية تباع بأقل من نصف الثمن الذي تباع به في محلات تجار مغاربة أو من جنسيات أخرى".&
وأضافت: "كل إنسان يتماشى مع الحياة وفق قدراته المادية، وأنا أجد هنا الأسعار مناسبة بالنسبة إليّ".&
والمثير أن الصينيين اقتحموا عالم الألبسة والمنتوجات المحلية، من أحذية وألبسة تقليدية، وغيرها، ما جعل فئات عريضة تتقاطر على محلاتهم.
وقالت: "لا أنفي أنه قد تصادف في بعض الحالات منتوجات ليست بالجودة المطلوبة، لكن هذا لا يجعلنا نغلق الباب في وجه سلعهم، لأن الأمر قد يحدث معك حتى بالنسبة لسلع مصنعة محليًا".
&
المنافسة مقلقة
هدوء التجار الصينيين في الإشراف على سير تجارتهم، التي عانت بدورها من بعض الركود بسبب الأزمة المالية، تقابله حالة من القلق باتت تؤرق المغاربة، الذين لم يترددوا في توجيه رسائل إلى الجهات الحكومية المختصة يشتكون فيها من عدم تكافؤ المنافسة.
وفي تصريح لـ "إيلاف"، أكد محمد ذهبي، المنسق الوطني للاتحاد العام للمقاولات والمهن بالمغرب، أن الاتحاد وجه عدداً من الملاحظات بخصوص تضرر التجار الصغار، بحكم المنافسة الشرسة للبضائع الصينية. وزاد مفسرًا: "السلع الصينية تقليد لمجموعة من الماركات العالمية، وهي ليست بجودة عالية، وهذا يتسبب في ضرر لمجموعة من التجار الصغار والمتوسطين، الذين يستوردون تلك الماركات".
وأضاف ذهبي: "الأكثر من هذا هو أن السلع تعرض بأثمانٍ منخفضة جدًا، ما يشكل خطورة على مجموعة من قطاعات الانتاج المحلية، منها الملابس والأحذية والأجهزة الإلكترونية ومواد العقاقير، وهذا يشكل منافسة غير متكافئة، تتحمل مسؤوليتها بالدرجة الأولى المصالح الحكومية، المسؤولة عن حماية المنتوج المغربي، الذي يتعرض بدوره للتقليد".
وأكد أن الاتفاقيات التي تبرم لا يتم إشراك ممثلي المقاولات الصغرى والمتوسطة فيها، فلا تحمي هذه الاتفاقيات مصالح المؤسسات الصغرى والمتوسطة.
&
الحكومة حريصة
وقال ذهبي: "هناك اهتمام من طرف الدولة لدعم المقاولات الصغرى والمتوسطة، ونحن من هذا الباب، ومن خلال اجتماعاتنا مع وزارة الصناعة والتجارة، نحاول ما أمكن التنبيه لهذا الوضع".
وأشار إلى أن الاتحاد العام للمقاولات والمهن بالمغرب والنقابة الوطنية للتجار والمهنيين والفضاء المهني تحاول ما أمكن خلق تنسيقية لتقديم مقترحات قوانين لحماية هذه المقاولات الصغرى والمتوسطة من هذه المنافسة غير المتكافئة.
وكانت وزارة التجارة الخارجية المغربية أكدت أن الواردات القادمة من الصين ارتفعت بنسبة 8 بالمئة من الواردات الإجمالية للمغرب، وعرفت نموًا بنسبة 25 بالمئة خلال العام 2010، وتتشكل بالأساس من مواد أولية أو مدخلات تستعملها الصناعات المحلية، كالشاي والآلات ومعدات تجهيز وأجهزة تسجيل، ومعدات إلكترونية، ومنتجات كيميائية.&
وأكدت الوزارة أن الحكومة حريصة على اتخاذ الإجراءات الملائمة لحماية المنتوج الوطني تماشيًا مع مقتضيات اتفاقيات المنظمة العالمية للتجارة، مثل الإجراءات الوقائية أو الإجراءات المضادة للإغراق أو الدعم، إذا تسببت أو هددت هذه الواردات في إحداث ضرر بالصناعة المحلية.
&