تطرح زيارة البطريرك الماروني، بشارة الراعي، إلى الأراضي المقدسة إشكالية سياسيّة ورعوية، رغم أن غالبية اللبنانيين تركت للبطريرك حرية الاختيار. فالمرور في مناطق محتلة يسبب حساسية لبنانية.


بيروت: شكّل الإعلان عن الزيارة المرتقبة للبطريرك الماروني بشارة الراعي مناسبة لتظهير الانقسام اللبناني وتبادل الاتهامات والتخوين. ورغم أن الراعي كان صريحًا وحازمًا حين أعلن موقفه بأن من كان ضد الزيارة إلى الأراضي المقدسة فلا يزر بكركي، إلا أن اللغط حول تلك الزيارة لا يزال قائمًا، خصوصًا عبر مواقع التواصل الإجتماعي حيث أيد البعض وامتعض البعض الآخر.
&
يتساءل النائب البطريركي العام المطران بولس صياح في حديثه لـ"إيلاف" عن استمرار اللغط حول الزيارة، "فالأمر محسوم، والزيارة رعوية، وصرّح البطريرك الماروني برأيه الشخصي، ويجب عدم تداول الأمر مجددًا، لأنه منتهٍ".
&
ويقول صياح إن البطريرك الماروني لن يكون ضمن الوفد البابوي، "بل سيذهب لاستقبال بابا روما في الأراضي المقدسة، لأن هذا الأخير سيأتي إلى أبرشية البطريرك في الأراضي المقدسة، وبروتوكوليًا، على البطريرك ان يستقبله، لذا يجب ألا تُحمَّل الزيارة أكثر من مضمونها الرعوي والكنسي".
&
تحفظ ونأي بالنفس
&
وكان للشيخ جعفر فضل الله، من دار الافتاء الجعفري، موقفه الشخصي غير الداعم لتلك الزيارة. قال لـ"إيلاف": "لدينا تحفّظ على كل عمل ممكن أن يؤدي إلى إعطاء شرعية ما للكيان الصهيوني، ومسألة فلسطين تقاس بطبيعة القضية نفسها، وبالظروف المحيطة بها على المستوى الإقليمي والدولي، وبالتالي هناك نقاش حول ما يمكن أن تخدم فيه هذه الزيارة تلك القضية".
&
وضيق فضل الله: "لا يمكن أن تقاس الزيارة بالمسألة البروتوكولية، إنما هي بارتباطها بالقضية الفلسطينية، من هنا موقفنا مبدئي من الموضوع الذي يجب مقاربته بالكثير من الحذر، لأن اسرائيل كيان سيحاول بكل الطرق استثمار الزيارة على طريقته لمصلحة أن يرتاح أكثر أمام الأزمات التي يعانيها، أو حتى يستخدمها بتغييرات معينة على مستوى أمور غير صحية بالنسبة للقضية الفلسطينية".
&
أما دار الفتوى في لبنان فملتزمة، بحسب أمينها الشيخ خلدون قواص، بموقف سماحة المفتي محمد رشيد قباني، موضحًا لـ "إيلاف" أنه قرار يتعلق بالبطريرك الماروني وحده من دون غيره.
&
الأمر له
&
سياسيًا، يؤكد النائب قاسم هاشم، من كتلة التنمية والتحرير التي يرأسها نبيه بري، رئيس المجلس النيابي، في حديثه لـ"إيلاف" أن هذا الأمر يتعلق بالبطريرك شخصيًا، "فهو يقدر أهمية زيارته وآثارها وتداعياتها، ولا فيتو على الزيارة، والموضوع بمسؤولية البطريرك الذي يقدر شخصيًا نتائج تلك الزيارة، وأين تكون المصلحة في ذلك".
&
ويشير هاشم إلى أن اسرائيل عدوة للبنان، شئنا أم أبينا، "ولا أحد يستطيع أن يبدِّل تلك الحقيقة، أما مفهوم آثار وتداعيات الزيارة فلا نعرف كيف ستسير الأمور، لكن من قرر الزيارة هو البطريرك نفسه، وبالتالي هو من يتحمل التداعيات، ولا أحد يستطيع تقدير هذه التداعيات لأننا أمام عدو ماكر صاحب آلاعيب، وله ما له في تاريخه من الأساليب العدوانية التي لا تقف عند حدود استخدامه القوة العسكرية، فهذا عدو له أهدافه، وقد يستغل الأمر".
&
رعوية صرفة
&
أما النائب فريد الخازن من تكتل التغيير والإصلاح الذي يتزعمه النائب ميشال عون، فيؤكد لـ"إيلاف" أن البطريرك أوضح أنه لن يكون ضمن الوفد البابوي، "وهناك رعية مارونية في القدس، والتهجم الذي جرى على البطريرك ليس بمكانه أبدًا، وغير مقبول، والزيارة بإمكانها أن تطرح إشكالية بالطبع لكن يجب معرفة إطارها وأهدافها".
&
يضيف: "الإشكالية التي تطرحها الزيارة فهي أن القدس لا تزال تحت الاحتلال الاسرائيلي، وقد رحّب بتلك الزيارة القادة الفلسطينيون هناك، من الرئيس الفلسطيني محمود عباس وغيره، كذلك القيادات السياسية والروحية، ونرفض مقولة أن تشكّل الزيارة تطبيعًا مع اسرائيل".
&
لكن ثمة من يرد على هذا المقال بأن البطريرك الماروني الراحل أنطونيوس بطرس خريش رفض في العام 1979 الذهاب إلى إبل السقي لحضور جنازة والده، كي ما يضطر للمقام في أرض تحتلها إسرائيل، إذ كانت هذه البلدة ضمن الشريط الحدودي في جنوب لبنان، الذي احتلته القوات الاسرائيلية في العام 1978.
&
تأكيد الوجود المسيحي
&
وفي السياق نفسه، أعلن المطران موسى الحاج، رئيس أبرشية الموارنة في حيفا، أن زيارة البطريرك الماروني بشارة الراعي التاريخية للاراضي المقدسة ليس لها طابع سياسي، مؤكدًا أنها زيارة رعوية وروحية، وعلى أن الزيارة التي انتقدتها أوساط لبنانية هي لتأكيد الوجود المسيحي في مواجهة محاولات اضعافه والغائه في أرض مهد المسيحية.
&
ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن الاب في الكنيسة المارونية صبحي مخول قوله إن البطاركة الذين سيستقبلون البابا فرنسيس في الاردن هم بطريرك الكلدان من العراق، وبطريرك الاقباط الكاثوليك من مصر، وبطريرك السريان الكاثوليك من سوريا، وبطريرك الارمن الكاثوليك وبطريرك الروم الكاثوليك الملكيين، اضافة إلى البطريرك الماروني، موضحًا أن معظمهم سيرافقونه إلى الاراضي المقدسة، من دون أن يضيف تفاصيل.
&
له أسبابه
&
يقول الدكتور صلاح حنين، الخبير القانوني، لـ"إيلاف": "لا يوجد رؤية قانونية قي هذه المسألة، وهذا قرار اتخذه البطريرك الماروني بحسب رؤيته الشخصية للموضوع، وسابقًا اتخذ البطريرك الماروني مار نصرالله بطرس صفير قراره بعدم الذهاب إلى الأراضي المقدسة، وكانت له أسبابه في ذلك، اليوم قرار البطريرك جاء لصالح الزيارة وطبعًا لديه أسبابه الخاصة فيها".
&
ويلفت حنين إلى أن هناك اتفاقا بأن رجال الدين يمكنهم الذهاب إلى فلسطين لزيارة الرعايا، وهناك تفاهم على الموضوع، مع وجود مطران تابع للبطريرك في الأراضي المقدسة، مؤكدًا أن للمسلمين مشايخ يذهبون إلى الأراضي المقدسة كي يكونوا قرب رعاياهم.
&
لكن، هل تمهد الزيارة لعودة المبعدين قسرًا إلى إسرائيل؟ يقول حنين: "هناك شقان للزيارة الأول رعوي والآخر سياسي، الشق الرعوي المعروف أن هناك رعايا وممكن زيارتهم وهذا تقليد، أما في الشق السياسي فالقرار يعود للراعي، ويجب الانتظار لمعرفة تداعيات الزيارة سياسيًا، وكيف يمكن أن يستثمر الراعي الزيارة في مصلحة القضية الفلسطينية".
&
الصامت الأكبر
&
حزب الله، المفترض أن يكون المعني الأول بكل ما يمت إلى القضية الفلسطينية بصلة، صامت حيال الزيارة، وقد نقلت تقارير إخبارية عن مصادره تأكيدها أنه لا يريد التعليق، لا سلبًا ولا إيجابًا، اليوم &على زيارة الراعي إلى القدس.
&
ولفتت هذه التقارير إلى أن حزب الله يحتفظ بموقفه، بشكل سري، ليستطيع مناقشة الزيارة ومفاعيلها مع بكركي عبر قنوات رسمية بين الطرفين، بعيدًا عن الإعلام.
&
ونقلت صحيفة اللواء اللبنانية عن مصادر لجنة المتابعة بين حزب الله وبكركي قولها: "إن ممارسة سياسة الصمت هذه من قبل الحزب تعبر عن قناعته بعدم جدوى التراشق الإعلامي مع بكركي في هذه اللحظة السياسية بالذات، نظرًا لحساسية الموقف، والحزب مصر على معالجة الموضوع مع بكركي بكثير من الروية والهدوء والرصانة والعقلانية والأعصاب الباردة، لتصل الأمور إلى نتيجة إيجابية".
&
وقالت هذه المصادر إن زيارة وفد من حزب الله إلى بكركي واردة في أية لحظة، ولن تكون سرية. وكانت وكالة الانباء الكويتية أفادت الاحد الماضي أن حزب الله قرر تنظيم وفد ديني سياسي يزور بكركي لحث الراعي على إلغاء زيارته للاراضي المقدسة.