"تبدأ الأمور صغيرة، ثم تتحول إلى كرة نار من الصعب اطفاؤها، هكذا بدأت فكرة "إيلاف"، بهذه الكلمات دشّن الزميل عثمان العمير الفكرة قبل ثلاثة عشر عاماً حين عاد إلى مرابعه من بوابات عالم الإنترنت.


نصر المجالي: لم تكن خطوة عثمان العمير "مجنونة جريئة" وحسب، لكنها كانت "معجزة" بكل مواصفات الإعجاز حين سبقت زمانها العربي الإعلامي متخطية حدوده وعوائقه بقفزة أعطت زخماً ودفقاً ومزيداً من سكب تجارب متراكمة في بركة الإعلام العربي الساكنة أبداً.

يقول عثمان العمير الذي كان تراجع عن إعلان طلاقه البائن بينونة كبرى للصحافة بعد مغادرته صحيفة (الشرق الأوسط) العام 1998، في رسالته التي توّج بها إطلاق "المارد الإيلافي من قمقمه" يوم الحادي والعشرين من يونيو (حزيران) 2001 الآتي: " فجأة وجدت ذهني يدخل نفقًا آخر، أو لنقل ايوانًا أكبر، وأكثر تسلحاً. انه ايوان مليء بالأرواح والدهاليز، ومخلوقات لا عين رأت ولا أذن سمعت، ولا خطرت على بشر في زماننا، فما بالك قبل زماننا بأزمان، إنه الانترنت الكوني.. اذ لا يصح أن يطلق عليه اسم غير ذلك، لما فيه من تجاوز لمكونات العقل الأرضي الذي عشناه منذ آلاف السنين، وإن شئت منذ ملايين السنين".

هذا الانترنت الكوني اخترقت بواباته (إيلاف) إلى العالم الإنساني المتمثل بالإعلام، فكانت جائزته الفضائية الآتية من رحم الغيب، واضعاً حداً لحال الاعتقال المهني العربي والاحتقان المتمترس في غابة من الشكوك وعدم الإقدام.

في الحديث عن الجائزة والجوائز، فإن (إيلاف) خلال مسيرتها عبر معارج الكون الأوسع والأعمق وعبر تلك المحاولة الجديدة والمثيرة وما اكتنفها من مغامرات وجاذبية ومخاطر، حققت نفسها رصيفة على ناصية شارع الصحافة يشار إليها بالبنان منذ اليوم الأول، يوم التحدي.

وحين كان يتم تكريمها، من مهرجانات ومنتديات ومؤتمرات، وقرّاء وملوك وزعماء ومفكرين وشعراء وأدباء، فإنما ينسدل التكريم هذا للفكرة الرائدة المبدعة منذ النشأة الأولى ويوم الانطلاق الأول.

جوائز

لقد& حصدت (إيلاف) الكثير من الجوائز على المستويين الإقليمي والعالمي، ففي العام 2007، اختار مجلس جائزة الصحافة العربية الناشر ورئيس التحرير عثمان العمير "شخصية العام الإعلامية"، وذلك تكريمًا لدوره البارز والمؤثر عبر عقود في مسيرة الإعلام السعودي والعربي.، وكان الشيخ محمد بن راشد المكتوم نائب رئيس دولة الإمارات رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي سلم الجائزة للعمير. (التفاصيل).

وفي العام نفسه، حازت (إيلاف) ممثلة في ناشرها، جائزة مؤسسة الفكر العربي في مجال الإبداع الإعلامي، وحينها جاء في البيان الصادر من مؤسسة الفكر العربي: "في إطار تكريم المبدعين وتحفيز مناخ الإبداع في الوطن العربي، أنشأت مؤسسة الفكر العربي (جائزة الإبداع العربي) إعلاء لقيم الاجتهاد والعطاء والابتكار والتميّز". (التفاصيل).

وفي العام 2009، حازت "إيلاف" جائزة مؤسسة "آنا ليند"، التي صنّفت جريدة "إيلاف" اليوميّة الإلكترونيّة بأنّها "إعلام جديد للمستقبل" لتميّز مكانتها. كما نوّهت المؤسسة بـ"إيلاف"، ورأت فيها "أكثر وسائل الإعلام تطورًا"، وتسلم العمير الجائزة بحضور أمير موناكو ألبرت الثاني، الذي ترأس الاحتفال في الإمارة (التفاصيل).

أما في العام 2011، فكرّم نادي الإعلاميين السعوديين في لندن، جريدة "إيلاف" اليومية الإلكترونية، بعد رعايتها الإعلامية لمؤتمر طلبة الإعلام العرب في دورته الأولى، التي احتضنتها كلية الدراسات الأفريقية والشرق أوسطية "ساوس".

تكريم عالمي

كما كُرّمت إيلاف عشرات المرّات في منابر مختلفة في العالم العربي وأوروبا، وأجريت حولها عشرات الدراسات وأطروحات الدكتوراه في أكثر من لغة، وفي بعض أرقى جامعات العالم، وكتبت عنها مئات المقالات، ووصفتها صحيفة (نيويورك تايمز) الأميركية بأنها "إحدى أهم الصحف الالكترونية العربية، وأكثرها شعبية وتأثيرًا وتصفحًا".

وفي العام 2003 وصف المتحدث الصحافي في البيت الأبيض (إيلاف) بأنها واحد من أهم مصادر المعلومات عن التطورات في إقليم الشرق الأوسط، بينما كان المتحدثون الأميركيون والبريطانيون والفرنسيون ونظراؤهم العرب يسارعون إلى الاتصال بـ (إيلاف) لمتابعة معلومة شردت هنا أو غابت هناك.

لا تدّعي (إيلاف) بأنها سبقت نظيراتها على الفضاء الانترنتي، وهي تكاثرت هذه الأيام أو تلك المقروءة أو المسموعة، في تناول الحال العربي عشيَّة ما يسمى (الربيع العربي)، لقد كانت لها معاركها مع زعماء عرب رحلوا أو أطيحوا أو صاروا رهن السجون مع تداعيات هذا الربيع.

لقد ظلت عميدة الصحف الالكترونية العربية، كما يسميها العديد من القرّاء والمتابعين والمسؤولين العرب وأركان الإعلام، عيناً ساهرة واعية متابعة بـ"شراهة ونهم" وبـ"جرأة وجاذبية وبساطة" في متابعتها لواقع الحال العربي، فضلاً عن ريادتها لثورة الاتصال العربية التي أسهمت في ما يشهده العالم العربي من متغيّرات مستمرة وممتدة تظل قائمة حتى تؤتي أُكلها ولو لعقود تأتي.

ما وعدت به (إيلاف) قرّاءها والعالم الواسع لحظة ميلادها يكاد يكون تحقق، فهي حققت نقل التجربة الحديثة في تقديم الخبر والمعلومة، دون حرج وبلا اية حساسيات، لا نسبية، ولا مفرطة في الارتفاع.

ليبرالية ايلاف

وإيلاف بـ(ليبراليتها) ساهمت في تعميق الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان وتجاوز حدود المعلومة من دون اختراق لقوانين أو إهانة لقيم أو عادات وتقاليد منهاجها في ذلك الفكر الحر المستنير واحترام الآخر.

وهي من ميزاتها أنها لم تكن ولن تنتمي إلى أي تيار، ولا تعبر عن أي حزب، ولا تقف مع دولة ضد أخرى، وليست هي لسان هذا النظام أو ذاك، بل كانت وستظل نافذة العربي الى العالم، وجسر العالم اليه.

وعلى هذا الأساس المبدئي المهني، كان ناشر إيلاف قال في يوم إعلان ولادتها: اننا في (ايلاف) نعتقد أن "الصحافة شيء والرأي شيء آخر.. فاذا احترمنا الرأي وقدرناه ووضعناه في الاعتبار الذي يستحقه، فان مهنة الصحافي لا قداسة ولا استشهاد ولا مزايدة فيها.. انها، ببساطة، خدمة حضارية لملاح انترنتي يحتاج الى الاشباع"، كما كان كتب ناشرها.

ولذلك، فإن الإجابات عن الأسئلة المشروعة منذ اليوم الأول الذي كان (لماذا إيلاف ؟) تحقق نفسها يومًا بيوم عبر عمل مهني دؤوب يسابق كل تطور خاطف جديد في "عالم الانترنت الذي شكّل وسيشكل اتساعاً لا حدود له، في تغيير الصيغة الاعلامية وتحوير الفكر الانساني، وهذا ما رأينا بشائره الآن، مما يؤكد الحاجة الى عمل اعلامي مميز".

وفي الأخير، فإن (إيلاف) كانت وستكون وظلت وستظل جريدة الجميع والى الجميع، ومن هنا كان وسيكون لها حضورها عبر شبكة من المراسلين المتحركين في ساحات الحدث العربي والعالم، وما حققته عميدة الصحافة الالكترونية إلى الآن قد يكون أحد اسبابه أنها مشروع لم يُنشأ بقرار رسمي، ولن يغلق بقرار رسمي، بل هو مشروع مستقل الارادة والقرار، واستمراره رهن باستمرارية هذه الاستقلالية، وهذه هي أكبر الجوائز التي حققتها (إيلاف) وتهديها بدورها إلى قرّائها ومتابعيها عبر العالم.