تشهد تونس مساعي حثيثة على الصعيدين الرسمي والجمعياتي من أجل القضاء على ظاهرة التعذيب، التي لم تنتهِ بعد ثورة 14 يناير، وشكل صدور تقرير المفوضية السامية لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، والذي تحدث عن تعذيب مستمر في سجون تونس، صدمة كبيرة.


محمد بن رجب من تونس: حذر المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بالتعذيب خوان منديز في تقرير نشره موقع المفوضية السامية لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة مؤخرًا، من أنّ "جرائم التعذيب وسوء المعاملة مازالت تُمَارس في تونس"، وذلك وفقاً لمعلومات تحصل عليها من "شهادات الضحايا الموثوق بها سواء أكانوا داخل أماكن الاحتجاز أم خارجها".

إكتظاظ السجون

أشار خوان منديز إلى الإكتظاظ الذي تشهده السجون التونسية مبينًا أنّه لا يتم تخصيص أكثر من 23 طبيبًا دائمًا و24 ممرضة لنحو 24 ألف سجين، ملاحظًا فقدان الطبيب النفسي، داعياً إلى إعادة الإستثمار في إعادة تأهيل السجون.

وأكد برغم ذلك على وجود مؤشرات مشجعة جداً في مجال حقوق الإنسان في تونس، ومنها تركيز هيئة الحقيقة والكرامة التي ستعمل على إقامة عدالة انتقالية، مشيرًا إلى أنّ "الحديث عن التعذيب مخيّب للآمال حيث تعددت الشكاوى ولكن المتابعة والمحاسبة&لا تزال قليلة جداً".

معاملة انسانية

أكد وزير العدل وحقوق الانسان والعدالة الانتقالية حافظ بن صالح على أهمية الدور الذي ستقوم به الهيئة الوطنية للوقاية من التعذيب، والذي يتمثل في "فرض احترام حقوق الانسان داخل السجون في تونس"، مشيراً إلى أنّ وزارته "تعمل على إيجاد الحلول للنهوض بالمؤسسة السجنية ومراكز الإصلاح والإرتقاء بها إلى جانب تحسينها حتى تتمكن هذه المؤسسات من الإصلاح وإعادة التأهيل الإجتماعي".

وأكد الوزير لدى افتتاحه الندوة الدولية حول "السجون التونسية: الواقع والآفاق"، على أهمية سن القانون الأساسي المتعلق بإرساء العدالة الانتقالية وتنظيمها، مشيراً إلى تضمّن الدستور التونسي الجديد باباً للحقوق والحريات والتزام الدولة بحماية كرامة الذات البشرية وحرمة الجسد ومنع التعذيب المعنوي والمادي، وأنّ لكل سجين الحق في معاملة إنسانية تحفظ كرامته.

إقرار بصعوبة الوضع

وقد تمّ الإقرار خلال ذات الندوة بوجود إخلالات داخل السجون التونسية منها الإكتظاظ وتدهورالبنية التحتية، ما يستوجب إصلاح المنظومة السجنية حتى تستجيب للمعايير الدولية.

وأقرّ كمال الدين بن حسين المكلف بمأمورية بديوان وزير العدل وحقوق الإنسان والعدالة الإنتقالية لـ"إيلاف" بصعوبة الوضع داخل السجون، على مستوى الإكتظاظ الذي تشهده إلى جانب البنية التحتية المتدهورة في بعض الوحدات السجنية، مع ظهور أمراض تتطلب التدخل السريع بإيجاد آليات سريعة للتقليص منها، مشددًا على ضرورة وجود آليات تشريعية لمراجعة المنظومة السجنية والعقابية.

توصيات

وورد بالتقرير النهائي للندوة الدولية حول "واقع وآفاق السجون التونسية" التي انعقدت& يومي 19 و20 يناير 2013 عديد التوصيات التي تمحورت حول الإكتظاظ والصحة في السجون وإعادة إدماج المساجين في الحياة اليومية ودعم المؤسسات السجنية بالإخصائيين النفسيين والترفيع من المستوى التعليمي لأعوان السجون وضبط مخطط إستراتيجي لتدعيم البنية التحتية للسجون، مع وضع إطار تشريعي لدعم تشغيل المساجين عند خروجهم من السجون.

تواصل التعذيب

أكدت راضية النصراوي رئيسة الجمعية التونسية لمناهضة التعذيب تواصل التعذيب وسوء المعاملة في تونس بعد الثورة في عدد من السجون التونسية، مشيرة إلى أنّها رفضت التوقيع على اتفاقية بين وزارة العدل وعديد المنظمات الحقوقية الوطنية والعالمية لأنها ترفض الزيارات الفجائية للوحدات السجنية.

وشددت النصراوي في حديث لـ"إيلاف" على أنّ سبب تواصل التعذيب في السجون التونسية يعود إلى التراخي في إصلاح المنظومة الأمنية والسجنية والقضائية، مشيرة إلى أنّ جمعيتها تلقت أكثر من ثلاثمائة (300) شكاية نتيجة التعذيب.

وقال لطفي عزّوز، مدير الفرع التونسي لمنظّمة العفو الدوليّة: "إنّ كلّ ما أنجز في تونس ما بعد الثورة من تطوّر للتشريعات قصد القطع مع انتهاكات الماضي والقضاء على التعذيب لا يستجيب لإنتظارات المجتمع المدني والحركة المدنية لحقوق الإنسان، لأنّ ما ذكر في التشريعات من أنواع للتعذيب لا يتطابق مع ما ورد في الإتفاقية الدولية لمناهضة التعذيب"، مضيفًا أنّ "القانون المنظّم للوقاية من التعذيب لا يستجيب لتطلعات حقوق الإنسان".

وأكد عزوز في ندوة بعنوان "من أجل استكمال مسار القضاء على التعذيب في تونس "، أنّ "منظّمة العفو رصدت طيلة عقود انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان في تونس، ولم يتمّ إيجاد تشريعات تضمن إدخال إصلاحات هيكليّة تقضي على هذه الإنتهاكات، ومنها إدخال إصلاحات جوهريّة للجهاز الأمني خاصّة مع عودة الحركات الإرهابيّة في شمال أفريقيا."

وأشار إلى أنّ "العدالة الإنتقاليّة في تونس شهدت عديد الثغرات" مشددًا على "تفشّي الظاهرة" ومؤكدًا وجود أكثر من 200 ملف أمام القضاء لم يتمّ البتّ فيها.

أوقفوا التعذيب !

وينتظر أن تطلق منظمة العفو الدولية وللمرة الرابعة العام الحالي، حملة عالمية لمناهضة التعذيب بعنوان "أوقفوا التعذيب"، تحت شعار "ضد تعذيب الدولة في جميع الأوقات، قولوا بصوت مرتفع إن التعذيب مهين ولا إنساني".

وسيقع تنظيم أنشطة في جميع أنحاء تونس خلال سنتي 2014 و2015 حتى لا تكون الحكومات متورطة في التعذيب.

وقبل أيام، تم انتخاب الحقوقية سهام بن سدرين رئيسة لهيئة الحقيقة والكرامة وكل من محمد بن سالم وزهير مخلوف في خطتي نائبي رئيس عملا بأحكام الفصل 26 من القانون الأساسي عدد 53 لسنة 2013 المتعلق بإرساء العدالة الانتقالية.

وصادقت تونس بعد الثورة على اتفاقيات دولية ثم صادق المجلس الوطني التأسيسي على القانون الأساسي المتعلق بالهيئة الوطنية للوقاية من التعذيب.