ساره الشمالي من دبي:&لو قيّض للراحل فؤاد عجمي أن يقرأ بيان نعيه في صحيفة نيويورك تايمز، لما انصدم، بل كان تسلى كثيرًا وهو يقرأ استعادة الكاتب دوغلاس مارتين في الصحيفة هذه رأي المفكر الفلسطيني إدوارد سعيد فيه، حين قال: "لدى عجمي وصفات عنصرية لا مجال للالتباس فيها". وأضاف مارتين: "هكذا تكلم سعيد، أكثر المثقفين العرب كذبًا وفتنة وإثارة للشفقة، عن أكثر المثقفين العرب احترامًا"، مثلما تضيف الصحيفة عن الراحل عجمي.

ظلم إسرائيل

وبحسب مقالة في وول ستريت جورنال، لطالما وصف عجمي بأنه واحد من المفكرين التقدميين في العالمين العربي والاسلامي، وهو الشيعي المولود في العام 1945 في إحدى قرى جنوب لبنان.

فؤاد عجمي أكبر من أن تحيط به مقالة
فؤاد عجمي في الذاكرة طويلًا


وفي كتابه "قصر أحلام العرب"، الصادر في العام 1998، كتب عجمي إنه تربى على الشعور العربي، وأتى الولايات المتحدة وصار مواطنًا أميركيًا، وكانت أولى خطواته السياسية مدافعًا عن الحقوق الفلسطينية، حتى أنه رفع الصوت عاليًا ضد ظلم الاسرائيليين وتعنتهم، أمام بنيامين نتنياهو مباشرة، في العام 1978.


غير أن عجمي تغير قليلًا. وفي الثمانينات، كتب قائلًا إن المجتمع العربي قد استنزف تاريخه وأساطيره، وما بقي من هذا التاريخ هو عصر جديد من الظلم والارتباك والضياع. فقد رأى عجمي الأمر بوضوح، وغادر خندق إلقاء التهم الدائم على إسرائيل والولايات المتحدة، متحليًا بسمعة طيبة، وبشجاعة نادرة، وبذكاء خارق، متجاوزًا الأوهام التي تمسك بها العرب.

كما فهم الأمر بتعاطف ومن دون ضغينة، من دون أن يسير على درب المتحولين، الذين يميلون إلى التعصب في العادة. وكان عجمي مهتمًا في فهم دوافع الناس وتطلعاتهم وخيباتهم وفخرهم وعارهم. وقراءة فكر عجمي تحتم رؤية أن عبقريته لا تكمن فقط في حدة بصيرته السياسية، وإنما في أسلوب تفاهمه البشري.

شديد البأس

ويسهب بول جيغوت، أحد كبار المحررين في وول ستريت جورنال، في مديح عجمي. يقول عنه في رأي مصور: "كان محاربًا شديد البأس في ميادين النقاش الأيديولوجي والثقافي، وكان يحميه المستشرق برنارد لويس لأنه كان مختصًا بشؤون الشرق الأوسط، متعمقًا في مداخله ومخارجه".

وبحسب جيغوت، كان عجمي من أشد المعجبين بالأسلوب الأميركي في إدارة الأزمات الخارجية، "حتى عندما كنا نخطئ، كما جرى في العراق أو أفغانستان أو غيرهما، كان يدرك تمامًا أن الادارة الأميركية بذلت كل ما في وسعها لتحسين الحياة في هذه المناطق، ولم نكن نسعى فقط وراء حماية المصالح الأميركية".

&من أثره

في شباط (فبراير) 2013، في الذكرى الثانية لسقوط نظام حسني مبارك في مصر، كتب عجمي: "طوال عهد مبارك، تسممت الحياة في مصر بمزيج سام من مكافحة الحداثة ومعاداة الولايات المتحدة ومعاداة الصهيونية، فسيطر هذا الثالوث المستشري على الجامعات والنقابات المهنية ووسائل الإعلام الرسمية، وصار النهب هاجس الأسرة الحاكمة، وتركت الطبقة الدنيا لمصيرها، تحت سيادة الظلام وثقافة المؤامرة".

وفي تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، كتب عجمي: "المشكلات الآنية التي تواجهها إدارة أوباما يمكن أن ترد إلى البدايات، فالحكم المعتمد على الكاريزما الشخصية انتهى إلى الفشل، وبطل السحر وانفضح الساحر، ولا نحتاج لمن يلفت نظرنا إلى تراجع مصداقية سياسات أوباما، أو حتى أوباما نفسه، فهذا حال الكاريزما، كم تدوم؟ شهرًا، عامًا...؟"

علّم عجمي العديد من التلاميذ، وتحولت علاقته بمن علمهم إلى علاقة أخوة مميزة، ومنهم صمويل تادرس، المصري الذي صار اليوم محاضرًا في معهد هادسون. وتادرس كتب عن عجمي: "فؤاد رجل مميز لأنه صار أميركيًا كاملًا، أحب بلاده من دون أن يتناسى أصوله، وكان شديد القلق على المنطقة لكنه كان متفائلًا دائمًا. عرف أين مكامن عللها، واين مصادر علاجها".&