انتقد فؤاد عجمي الأنظمة التوتاليتارية والدينية في العالم العربي والشرق الأوسط، ودافع عن حرب العراق، وانتقد سياسة أوباما في دول الربيع العربي، ومات. لكنه سيبقى في الذاكرة طويلًا.


ساره الشمالي من دبي: غادر المفكر الأميركي من أصل لبناني فؤاد عجمي الحياة، لكنه لن يغادر ذاكرة العالم سريعًا. فمن لا يعرفه شخصيًا، يعرف مكانة هذا المولود في أرنون اللبنانية بين صناع القرار الأميركيين، كما يعرف أنه كان أحد أشد المتحمسين لغزو العراق. الشهادات فيه لا تتوقف، وهذه بعضها.

عاف الرد على السهام

كتبت صحيفة النهار اللبنانية تقول إنه برحيل عجمي، الذي ولد لبناني الهوية في بلدة أرنون الجنوبية، وصار أميركي الهوى في أرفع المراتب الأكاديمية، "غاب مثقف عنيد في انتقاده الأنظمة التوتاليتارية والدينية عبر العالم العربي والشرق الأوسط".

أضافت الصحفية: "مات من كان في طليعة المدافعين عن الغزو الذي قادته إدارة الرئيس جورج بوش في العراق، ومن ظلّ من أشد منتقدي سياسة الرئيس باراك أوباما في تعامله مع موجة التغيير في الربيع العربي".

وتابعت النهار في تأبينها الراحل: "تلقى فؤاد عجمي الكثير من السهام والاتهامات بأنه عميل للإمبريالية وخائن للقضايا العربية، غير أنه عاف الرد على من كان يسميهم المثقفين العرب الحزانى، الذين يدافعون عن ثقافة عربية حزينة".

وبحسب النهار، واجه عجمي الكبار، من أمثال إدوارد سعيد، الذي كان صاحبه قبل أن يتخاصما طويلًا بحدة ودفعة واحدة، بشهادة من أحد ملهميه الفلسفيين جوزف كونراد أن الحب قد يرتدي ثوب الخيانة. وهو قال قبل أشهر إن حبه الشديد للعرب دفعه إلى دفع أثمان باهظة من أجل خلاصهم ونيلهم الحرية من أنظمة ديكتاتورية ظالمة، مستبدة وقاهرة.

العربي اليائس من الاستبداد
ووصف دوغلاس مارتن في نيويورك تايمز عجمي بالعربي الذي يئس من وصول الحكومات الاستبدادية بطريقتها الخاصة للديمقراطية، واعتقد أن على الولايات المتحدة مواجهة "ثقافة الإرهاب" بعد هجمات العام 2001 على نيويورك وواشنطن، وهو من شبّه ديكتاتور العراق صدام حسين بهتلر.

يقول مارتن: "عمل عجمي جاهدًا على وضع التاريخ العربي في منظور أكبر، وكثيرًا ما أشار إلى غضب المسلمين على فقدانهم السلطة في الغرب عام 1683 عندما فشل حصار الأتراك لفيينا، وقال إن تلك الذكرى أدت إلى نوع من التعاسة الذاتية والخداع الذاتي، حيث إنهم يلومون بقية العالم على مشكلاتهم، ويقول إن الإرهاب هو إحدى النتائج، وتلك وجهة نظر طرحها برنارد لويس، المؤرخ البارز لشؤون الشرق الأوسط في برينستون، والمفكر الشعبي الذي حث الولايات المتحدة أيضًا على غزو العراق.

من دون مواراة

أما بول وولفوفيتز، نائب وزير الدفاع الأميركي، فقال: "سيكون من الصعب اليوم العثور على شخص يكتب في السياسة الدولية بتلك البلاغة والقوة وتمكنه الاستثنائي اللافت من اللغة الإنجليزية، من شخص ليست الإنجليزية لغته الأم".

أضاف: "تمتع عجمي مع تلك البلاغة بالشجاعة البارزة، وكان يتحدث عن الحقيقة كما يراها من دون مواراة حول الزوايا، وأكسبه ذلك الكثير من الأعداء. تشبعت كتاباته بشعور عميق من المأساة، النابعة من الصدام بين القوة الأميركية بجيوشها وآلياتها وجديتها ومنطقة كبيرة غامضة، حيث يمكن أن يرعب الأميركيون شعب العالمين العربي والإسلامي، وحيث يمكن أن تفوق المنطقة قوة الأميركيين ذكاءً وصبرًا على الانتظار".

مفارقة عجمي

وكتب مايكل يونغ في صحيفة دايلي ستار اللبنانية قائلًا إن الهدية الفريدة التي قدمها لعجمي كانت إضافة السرد القصصي لملاحظاته حول الشرق الأوسط، فكانت فيه نزعة أدبية لتقديم كتابات بجودة مميزة. كره البعض ذلك فيه، ومن بينهم إدوارد سعيد، الذي يبجله منتقدو عجمي. لكنه كان يلتقط نبض المنطقة بمهارة وببراعة، على خلفية تاريخية مكينة.

أضاف يونغ: علينا الاعتراف لعجمي بأنه أول من أدرك أهمية إحياء القوة الشيعية. لهذا، أتت السيرة التي كتبها عن الإمام موسى الصدر، في العام 1985، بعنوان "الإمام المغيب"، أتت سابقة لعصرها وأوانها. من هذه السيرة نبع ما سمي بمفارقة عجمي: ابتهاج بظاهرة القوة الشيعية وتشكيك بالأدوات السياسية الشيعية كحزب الله ورئيس الوزراء العراقي نوري المالكي.

بالطائرات الورقية وصناديق الازدهار

في صحيفة واشنطن بوست، كتبت إيميلي لانغر أن عجمي كان من بين أولئك الذين اعتقدوا قبل حرب العراق أن العراقيين، الذين تعرّضوا لأقسى أنواع الظلم والقمع في عهد صدام حسين، سيستقبلون جنود الولايات المتحدة كمحررهم. وقد توقع: "سيستقبلوننا في بغداد والبصرة بالطائرات الورقية وصناديق الازدهار".

وتضيف لانغر: "كان احتلال العراق أكثر صعوبة مما كان يتوقع، لكن عجمي لم يتخل يومًا عن الأمل". وتنقل لانغر ما قاله عجمي: "إن قوة أجنبية مكينة من تحرير المجتمعات من أغلال ماضيها، ومن قيود هويتها الضيقة، ستجد نفسها غارقة في ثقافة تحددها الولاءات الطائفية، وهكذا علقت أميركا المتفائلة في رمل تحركها أحزان التاريخ".
&