في الطابق 44 المطل على شارع الشيخ زايد في دبي، تعصف الافكار، وتخرج المبادرات، وآخرها مبادرة سقياهم، لإنقاذ ملايين البشر من الموت عطشًا، في ما يذكر بمبادرات الوقف الذكي القديمة.


محمود العوضي من دبي: كما في كل حين، طرح الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس دولة الإمارات رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، مبادرات عالمية خصص معظمها لمساعدة المحتاجين والمرضى والفقراء ونشر الخير حول العالم.

سقياهم

ومبادرات الشيخ محمد بن راشد متنوعة في مضمونها، مبتكرة في إنجازها، هدفها مساعدة ملايين البشر حول العالم، بصرف النظر عن جنسيتهم أو ديانتهم أو هويتهم، موجهة لجميع من تنطبق عليه معايير المبادرة في أي مكان على الكرة الأرضية.

وآخر مبادراته "سقياهم"، لإنقاذ نحو 3.4 ملايين شخص حول العالم يموتون سنويًا بسبب ندرة المياه والتلوث، من منطلق أن كل مليون درهم ينقذ 40 ألف شخص من الموت عطشًا، مع اختلاف التكلفة بين دولة وأخرى.

هذه المشكلة عالمية موجودة منذ سنوات طويلة، لم يتدخل أحد لحلها أو مساعدة من يموتون عطشًا كل عام.

الطابق 44

يؤكد كثيرون على ضرورة تعميم المبادرات الاماراتية في المنطقة، وعلى جميع الدول القادرة أن تحذو حذوها، خصوصًا أن الشرق الأوسط، الذي يعيش اليوم على وقع الصراعات والحروب، بحاجة الى مساهمات انسانية سريعة.

وتخرج قرارات الشيخ محمد بن راشد وأفكاره في الغالب من الطابق 44 في أبراج الإمارات بدبي، حيث مقر مجلس الوزراء بالامارات. ونبتت فكرة مبادرة "سقياهم" بعد أن سأل الشيخ محمد بن راشد معاونيه في الطابق 44 حول عدد من يموتون سنويًا من العطش، فأجابوه بأنهم حوالى&3.4 &ملايين شخص سنويًا، فأمر الشيخ برفع سقف المبادرة لتغطي 5 ملايين شخص حول العالم.

محاور عدة

تريد دولة الامارات من هذه المبادرة أن تساهم، كما يساهم الغرب من مؤسساته ورجال اعماله، في بناء مجتمعات إنسانية وتوفير الحياة الكريمة لملايين البشر الذين يعانون التهميش والنسيان. وستعمل مبادرة "سقياهم" على محاور عدة، منها القيام بحفر الآبار في عدة دول بغض النظر عن هويتها، فهي مبادرة إنسانية مفتوحة لكل الدول التي تعاني شح المياه بصرف النظر عن هويتها وديانتها ومذاهبها.

وسيبدأ الهلال الأحمر الإماراتي، المتواجد في 125 دولة، بتنفيذ المراحل الأولى لهذا المشروع، بدءًا من مدينة أربيل العراقية، مرورًا بباكستان، وصولًا الى السودان الذي يعاني شعبه النزوح وعدم توفر مياه نقية للشرب.

كما سيتم تنفيذ المشروع في دول غنية بالمياه لكنها تعاني التلوث، من خلال توفير خزانات مياه نقية ونقل ومعالجة المياه الملوثة، وتمديد الانابيب&من اجل المحافظة على حياة أكثر من مليون شخص يقطعون سنويًا عشرات الكيلومترات بحثًا عن مياه صالحة للشرب.

تذكر بمبادرات الوقف الذكي

سيتم تنفيذ هذه المبادرة، بالتنسيق مع الهلال الأحمر الاماراتي ونحو 20 جمعية خيرية إماراتية، وستساهم كل جمعية في تلك المبادرة كل قدر استطاعتها. وقدرت مصادر مطلعة لـ"إيلاف" حجم ميزانية الجمعيات الخيرية في الامارات بملايين الدولارات سنويًا. وتعد الامارات الأولى في حجم التبرعات وحجم أموال الجمعيات الخيرية.

وأضافت المصادر أن لجمعية الشارقة الخيرية وجمعية دار البر وجمعية بيت الخير نصيب الأسد من المساهمة المالية في مبادرة "سقياهم"، التي أعادت إلى الاذهان مبادرات "الوقف الذكي"، التي كان يقوم بها الناس في عصور الإسلام الذهبية. حينها، لم تقتصر المبادرات على بناء المساجد وتقديم المساعدات المالية والعينية للمحتاجين، انما كانت تنظر الى مساعدة المحتاجين من منظور أوسع وأعمق، بتنفيذ عمل شيء مستمر ودائم يساهم في توفير احتياجات الناس على الدوام بشكل غير مباشر، كبناء المستشفيات والمدارس الخيرية وتوفير الحدائق وغيرها من المساعدات غير المباشرة.

المياه خير صدقة

والمبادرات الذكية كانت فعالة في العصور الإسلامية الماضية. فعلى سبيل المثال، قبل 1300 عام، أقام شخص في دمشق حديقة لتكون وقفًا وهي ما زالت حتى الآن. وتم كذلك بناء مستشفى للحيوانات في تلك الفترة، عندما كان مفهوم الوقف مختلفًا لدى المسلمين في تلك الفترة.

وكان الناس يمنحون ارضهم لتكون حدائق ومستشفيات، وخصوصًا مستشفيات للحيوانات التي كان يمتلكها المزارعون البسطاء، وهنا يتم مساعدة الفقراء بطرق ذكية وغير مباشرة، وهي مساعدة طويلة الاجل ومستدامة.

واتفق بعض العلماء المسلمين أن أفضل صدقة يمكن إخراجها هي صدقة المياه، وهي في رأيهم أفضل من صدقة بناء المسجد، معتبرين أن ما يميز المسلم أنه يمكنه أن يصلي جماعة في أي مكان شرط طهارته، وليس شرط أن تكون صلاته في مسجد.

تنمية البشر

وكان الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، مؤسس دولة الامارات، غرس في نفوس شيوخ الامارات وحكّامها فكرة مفادها أن الانسان هو الحلقة الأهم في الحياة، وأن تنمية العنصر البشري هي أساس التنمية المستدامة في أي مجتمع، وبالتالي لا بد من أن يعيش الانسان مكرمًا وفق تعاليم الدين الذي فيه انقاذ لروح الإنسان.

وهذه الرسالة يفهمها جيدًا الشيخ محمد بن راشد، ويسير على خطاها في تنفيذ كافة مبادراته.