فرّ الآشوريون والكلدان والسريان من بلداتهم في المناطق التي سيطر عليها الاسلاميون في العراق وسوريا، وتشتتوا في الأرض، ما ينذر بانقراض ثقافات تعد من أعرق ميراث بلاد ما بين النهرين.

لندن: بعد التمدد السريع للمسلحين المتشددين في شمال سوريا وفي العراق، صارت الأقليات الإثنية في هذين البلدين ضحية يومية لعمليات الخطف والسطو والاغتصاب والقتل. ويجد الآشوريون، ومنهم الكلدان والسريان الأرثوذوكس، أنفسهم مستهدفين بسبب انتمائهم الديني، وهم لا حول لهم ولا قوة، وليس ثمة من يدافع عنهم.
&
حوادث صادمة
&
في الأيام التي تلت تمدد المسلحين، فرّ آلاف المسيحيين من الموصل، هربًا من الحكم الاسلامي الذي فرضه هؤلاء المسلحون، الذين سطوا على المنازل والكنائس ونهبوها. الجزية مفروضة اليوم في الموصل، ومن لا يدفعها يتعرض لعواقب وخيمة، كتلك العائلة المسيحية التي رفضت أداء الجزية، فقام المسلحون الاسلاميون باغتصاب الأم وابنتها أمام الأب والزوج. وقد دفعت الصدمة بهذا الأخير إلى الانتحار.
&
أدت حوادث صادمة كهذه إلى إفراغ الموصل من مسيحييها. فقد بقي منهم ألفان، بينما كان عددهم قبل الغزو الأميركي للعراق في العام 2003 نحو 130 ألفًا. ولأول مرة منذ 1600 عام، لم تقم كنائس الموصل قداس الأحد، في يومي الأحد السابقين. ومن هجر الموصل إلى نينوى يحتاج إلى مساعدة عاجلة.
&
"وصلوا! وصلوا!"
&
شهدت بلدة قرقوش الآشورية، الواقعة في محافظة نينوى على بعد 32 كيلومترًا من الموصل، شهدت نزوحًا جماعيًا من اللاجئين إليها ومن معظم سكانها، مع هجوم المسلحين عليها في 26 حزيران (يونيو) الماضي. فقد علا دق أجراس الكنائس صراخ الناس "وصلوا! وصلوا!"، فكان ناقوس الخطر الذي آذن بالرحيل. وعلت الاصوات الخائفة اكثر فأكثر مع اقتراب أصوات الرصاص ودوي القذائف من محيط البلدة.
&
فرّ نحو 40 الفًا نحو الشمال، وليس عليهم سوى الملابس التي تغطى ظهورهم، فكان فرارهم يائسًا وفوضويًا. فالسيارات عامرة بالحقائب، وفي كل منها سبعة ركاب على الأقل، ومن لا يملك سيارة تقله ركض بين السيارات حاملًا أولاده، بينما جلس العجزة على جانبي الطريق. كان الجميع يسير على غير هدى.
&
قطعت رؤوسهم
&
بعض الرجال بقي للدفاع عن منازلهم وكنائسهم، وبعضهم أيضًا عجز عن المغادرة، فوجد هؤلاء انفسهم في موقف خطير. فالموارد المائية والكهربائية مقطوعة عن قرقوش، والمقطع المصور يقدم دليلًا حيًا على الحال غير المستقرة، وعلى ما تشهده الرحلة من هرج ومرج.
&

أتت هذه الحوادث بعد سلسلة من التجاوزات المرعبة التي أطلقت ضد المسيحيين العراقيين منذ الغزو. فقد تم مهاجمة وتدمير 73 كنيسة في أنحاء العراق، وتعرّض العشرات من رجال الكهنوت المسيحي للخطف، أو لقطع رؤوسهم. ووقع آلاف الآشوريين ضحايا لموجات العنف، ففرغت الأقاليم والمدن، وبينها العاصمة بغداد، من سكانها المسيحيين.
&
وفي سوريا ايضًا
&
وكما في العراق، تعرض الآشوريون وغيرهم من الأقليات للمصير نفسه في سوريا، مع سقوط مناطق واسعة بيد المسلحين الاسلاميين. وكما نزح نصف مسيحيي العراق من بلادهم، كذلك حصل في سوريا. ولأول مرة في التاريخ، تجاوز عدد الآشوريين في الشتات عددهم في منازلهم بالعراق وسوريا.
&
وقد سمع آشوريو الشتات قصصًا يندى لها الجبين عما يحصل لأقاربهم واصدقائهم في بيوتهم. وقد وثقت مجموعة من الكتاب بعض هذه القصص، إلا أن الاعلام الغربي ما زال ملتزمًا جانب الصمت حيال المآساة الآشورية الجديدة، وتغطية هذا التطهير العرقي الحاصل اليوم في العراق ما زالت ضعيفة، والدعم السياسي ما زال واهنًا.
&
مجموعة ضغط
&
يقود نوري كينو، الصحافي الآشوري السويدي المشهور بتقاريره الجريئة من جبهات القتال في دول شرق أوسطية في أكثر من أزمة، يقود مجموعة من الآشوريين المتحدرين من 13 دولة، في مجموعة تتوجه اليوم، الأربعاء 2 تموز (يوليو)، إلى البرلمانيين والمسؤولين الآشوريين في رسالة حض على التحرك. وهذه الحملة فريدة من نوعها لأنها تأتي من مجموعة من الأفراد المهتمين، الذين نظموها وأطلقوها على مواقع التواصل الاجتماعي.
&
سيمنع هذا الجهد المبذول كل من يتمتعون بالنفوذ السياسي من التحجج بجهلهم لما يتعرض له الآشوريون، الذين يأملون حتى في إظهار تضامنهم التام مع الأقليات الأخرى في العراق وسوريا، كأتباع المندائية والشبك واليزيدية، وكالتركمان أيضًا، وكل من يجد نفسه مهددًا في حياته واستمراره الآمن في المنطقة.
&
إن الفشل في سرعة التحرك لحماية الأقليات في العراق وسوريا يعني انقراض هذه الأقليات، وبينها الأقلية الآشورية، ما يعني فناء ميراث بشري عريق إلى الأبد. وهذه المأساة ستبقى وصمة عار على جبين البشرية.
&
ماردين اسحق كاتب وصحافي آشوري بريطاني. يعمل على نشر روايته الأولى.

&